البيولوجيا والتطوّر > علم الأعصاب

علاج آلزهايمر باستخدام الضوء والصوت فقط

يُعدُّ آلزهايمر السبب الأكثر شيوعاً للخَرف، وهو مرض متطور يُدمر الذاكرة والوظائف الذهنيَّة؛ مما قد يؤدي إلى إعاقة الأداء اليومي في الحياة العادية، ويرى العلماء أنه ينجُم عن مزيج من العوامل الوراثيَّة والبيئيَّة  وفي حالاتٍ نادرة عن تغيرات جينيَّة تؤثر في الدماغ مع مرور الوقت، وعلى الرغم من أن أسبابه غير مفهومة؛ فإنَّ تأثيره في الدماغ واضحٌ جدًّا؛ فهو يُتلف الخلايا الدماغية ويقتلها؛ إذ يوجد في الدماغ المتضرر بمرض آلزهايمر عدد قليل من الخلايا والمشابك العصبية مقارنةً بالدماغ السليم، ونتيجةً لتَموُّت الخلايا يحدث انكماش كبير في حجم الدماغ .

 

عندما يدرُس الأطباء أنسجة المخ المصاب بآلزهايمر تحت المجهر؛ يلاحظون نوعين من التغيرات التي تُعدُّ السمات المميزة للمرض:

اللُّويحات: يمكن لجزيئات بروتين الأميلويد (amyloid) أن تتجمع بشكل لويحات حول الخلايا الدماغية وتُتلف هذه الخلايا وتدمرها؛ إذ تؤثر في عملية التوصيل من خلية إلى أخرى.

التشابكات: تعتمد الخلايا الدماغية على نظام داخلي للدعم والنقل يُوصِّل المواد الغذائية عبر امتداداتها الطويلة، وهذا يتطلب بِنية طبيعية لبروتين تاو (tau)، عند الإصابة بالزهايمر تلتوي خيوط هذا البروتين في تشابك غير طبيعي داخل خلايا الدماغ؛ مما يؤدي إلى فشل نظام النقل.

استخدام الضوء  والصوت لتحفيز موجات الدماغ لمقاومة المرض:

تمكَّن العلماء من إزالة تجمعات البروتينات الضارة التي تتعارض مع وظائف الدماغ في الفئران باستخدام الصوت والضوء فقط؛ إذ كشفت الأبحاث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عن أضواء قوية ودَفعات صوتية منخفضة التردد تفيد في إعادة تشكيل موجات الدماغ التي فُقدت بسبب المرض؛ مما يؤدي بدوره إلى إزالة اللويحات البروتينيَّة وتحسين الوظيفة الإدراكيَّة عند الفئران التي عُدِّلت وراثيًّا؛ لتُظِهر سلوكًا يُشبه الإصابة بآلزهايمر.

لكنَّه  ما زال من المبكِّر جدًّا الحصول على موجات محفزَّة في دماغ الإنسان التي من المعلوم أنها تعمل باختلاف عن الفئران؛ لأن هذه التقنيَّة  لم تُجرَّب سريريًّا على الإنسان حتى الآن، ولكن إذا تَكررت؛ فإنَّ هذه النتائج الأولية تشير إلى وسيلة غير دوائية رخيصة الثمن لعلاج الشكل الأكثر شيوعًا للخرف. 

إذن؛ كيف يحدث الأمر؟

تُظهر دراسة سابقة أن تعريض عيون الفئران المعدَّلة وراثيًّا لومضات ضوئية 40 مرة في الثانية أدى إلى شفائها من الزهايمر بعد ذلك أضاف الباحثون أصواتًا ذات ترددات مماثلة فاكتشفوا تحسُّنًا كبيرًا.

ويقول Li-Huei Tsai أحد الباحثين في معهد بيكاور Picower التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "عندما نجمع بين التحفيز البصري والسمعي مدة أسبوع؛ نرى ارتباطًا بين نشاط القشرة المخية الأمامية وانخفاض متزايد لبروتين الأميلويد (Amyloid)"، وهذه الدراسة  ليست الأولى من نوعها؛ للتحري عن الدور الذي يمكن أن يؤديه الصوت في تطهير الدماغ من تشابكات وتجمعات بروتينات تاو وبروتينات الأميلويد المسؤولة جزئيًّا عن المرض.

 

إن اندفاعات الأمواج فوق الصوتية تجعل الأوعية الدموية أكثر نفاذًا بما يسمح للعلاجات القوية بالوصول إلى الدماغ؛ وكذلك فإنها تحث خلايا الدبق العصبي الصغيرة التي تُزيل المخلفات على رفع وتيرة نشاطها.

قبل عدة سنوات؛ اكتشفَ Tsai وميضًا ضوئيًّا بتردد 40 ومضة بالثانية له فوائد مشابهة عند الفئران التي عُدِّلت وراثيًّا لتركب بروتين الأميوليد في خلايا الدماغ العصبية، ويقول Tsai في مجلة الطبيعة (Nature): "كانت النتيجة مذهلة وقوية للغاية، واستغرق الأمر بعض الوقت حتى تتوضح الفكرة؛ لكننا نعلم أننا بحاجة لإيجاد وسيلةٍ  لتجربة الأمر على البشر".

المشكلة الوحيدة هي أن هذا التأثير كان محصورًا في الأجزاء البصرية من الدماغ، وغائبًا في المناطق المفتاحية التي تُسهِم في تكوين الذاكرة واسترجاعها، وفي حين تبدو التطبيقات العملية محدودة قليلًا؛ تشير النتائج إلى إمكانية تحرير الدماغ من قبضة آلزهايمر باستخدام الذبذبات الصوتيَّة.

ترددات غاما :

عندما تنقل الخلايا العصبية في دماغنا الإشارات؛ تُوَّلِد موجات كهرومغناطيسيِّة أيضًا تُدعَى بالموجات الدماغية، وتُعرَف إحدى مجموعات التذبذبات هذه بترددات غاما التي تسري عبر الدماغ بمعدل 30 - 90 موجة في الثانية، وتكون أكثر نشاطًا عندما نُولِي اهتمامًا كبيرًا لأمرٍ ما ونبحث في ذاكرتنا لفَهمه؛ إذ أشارت دراسة Tsai السابقة أنه يحدث اعتراض لهذه الأمواج عند الأفراد المصابين بآلزهايمر التي قد تؤدي دورًا محوريًّا في علم الأمراض.

كان الضوء مجرد وسيلة لتحفيز مناطق الدماغ على توليد موجات غاما البدئية؛ إذ تبيَّن أن الصوت قادر على فعل ذلك أيضًا في مناطق أخرى؛ لذا استخدم Tsai صوتًا أقل ضجيجاً بتردد 40 هرتز فيُمكنُ للإنسان سماعه  بدلًا من الترددات العالية للأمواج فوق الصوتية، وأدى تعريض الفئران لهذا الطنين ذي الوتيرة الثابتة مدة ساعة واحدة فقط يوميًّا مدة أسبوع إلى انخفاض كبير في كمية الأميلويد (amyloid) المتشكل في المناطق السمعيَّة، وتحفيز الخلايا الدبقية الصغيرة والأوعية الدموية أيضًا، ويقول Tsai: " ما برهنّا عليه هنا أنه بإمكاننا استخدام نمط حسيٍّ مختلف تمامًا لتوليد موجات غاما في الدماغ".

 

إضافةً إلى ذلك؛ ساعدت هذه الطريقة على تطهير الجزء القريب من الحُصين - قسم مهم مرتبط بالذاكرة -، وتأثيراتها لم تكن واضحة في اختبارات كيمياء الدماغ فحسب؛ بل بالناحية الوظيفية أيضًا؛ إذ كان أداء الفئران التي خضعت للمعالجة أفضل في مجال المهام الإدراكية.

شهدت إضافة العلاج بالضوء تأثيرًا متزايدًا؛ إذ أُزيلت اللويحات البروتينية الضارة في عدد من مناطق الدماغ بما فيها القشرة الدماغية للفص الأمامي وتنشيط الخلايا الدبقية التي تتجمع حول اللويحات البروتينية.

 

متى يمكن تطبيق الآلية على الإنسان؟

يمثل اكتشافُ آلياتٍ جديدة للطريقة التي يعمل بها الجهاز العصبي للتخلص من المخلفات وتنسيق النشاطات المختلفة خطوةً متقدمة نحو تطوير علاجات لجميع أنواع الاضطرابات العصبية، ولكن تطبيق اكتشافاتٍ كهذه على الدماغ البشري سيتطلب مزيدًا من العمل؛ خصوصًا مع احتمال وجود اختلافات في كيفيَّة تشكل موجات غاما في أدمغة الفئران والبشر المصابين بآلزهايمر والجدير بالذكرأنَّ اختبارات السلامة الأوليَّة لم تُظهر لحد الآن؛ أي آثار جانبية واضحة للعملية.

المصادر:

هنا

هنا