الكيمياء والصيدلة > الإنسان والإدمان

تأثير الماريغوانا في الجانب الإبداعي.. حقيقةٌ علمية أم ادعاءٌ كاذب؟

كثيراً ما يدّعي مستخدمو القنَّب أنَّ له القدرة على تعزيز قدراتهم الإبداعية، ويحفز لديهم حالةً يختبرون فيها أفكارًا غير عادية وأصيلة. وفي هذا السياق يقول ستيف جوبز صاحب العقل المبدع الذي لا يمكن إنكاره: "أفضل طريقة لوصف تأثير الماريجوانا والحشيش هي أنها تجعلني أشعر بالاسترخاء والإبداع".

ولكن أظهرت الدراسات العلمية نتائج متعاكسة بما يتعلق بأثر الحشيش على الناحية الإبداعية والقدرة المعرفية للمتعاطي، فعلى سبيل المثال تشير بعض الأبحاث إلى أنه يمكن تحسين جوانب من الأداء الإبداعي عند تعاطي مخدر القنب (الحشيش)؛ أي في مهام إبداعية معينة أو في بعض عناصرها التي سنتعرف إليها لاحقًا، بالمقابل بينت دراسات أُخرى عدم وجود فروقات إحصائية مهمة في القدرة الإبداعية بين المتعاطي وغير المتعاطي.

لكن قبل أن نتعرف هذه الدراسة لابد من التعريف بأهم المقاييس التي استُخدمت لقياس القدرة الإبداعية عند الأشخاص المشمولين في الدراسات.

1-مقياس الذكاء:

لتحديد ذكاء الأشخاص المشاركين بالدراسة؛ استخدم العلماء اختبار رافين المُقنَّن للمصفوفات المتتابعة       (Shortened Raven's Standard Progressive Matrices)، ويرمز له اختصارًا SPM.

تتكون كل مهمة من هذا الاختبار من نمط أو تسلسل بياني يفتقد لقطعة واحدة لإكمال التسلسل، وتتمثل مهمة المشارك في الدراسة باختيار القطعة المفقودة الصحيحة من قائمة من الخيارات، وتزداد صعوبة المهام مع تقدم المشارك عبر الاختبار.

2-التفكير المتباعد (divergent thinking):

يُقصَد بالتفكير المتباعد العثور على أكبر عدد ممكن من الحلول لمشكلة غير واضحة المعالم، وهي عملية يشار إليها غالبًا باسم "العصف الذهني".

وتُقيَّم القدرة على التفكير المتباعد باختبار الاستخدامات البديلة (AUT: Alternative Uses Task)، التي تتطلب من الأفراد المشاركين في الدراسة إعطاء أكبر عدد ممكن من الاستخدامات البديلة التي يفكرون بها لأداة معينة أو عنصر محدد كالكتاب مثلًا، وتُحسب نقاط الإجابات المقترحة، وتُقيَّم نتائج هذا الاختبار اعتمادًا على أربعة عوامل:

- المجموع الكلي للإجابات.

- المرونة: ويُقصَد بها عدد الفئات المختلفة المقترحة لاستخدام الشيء الواحد، على سبيل المثال "الاستخدامات المنزلية".

- الإبداع: أي مقارنةُ كل إجابة بإجابات المشاركين الأخرى. فعلى سبيل المثال؛ تحتسب نقطة واحدة للإجابات التي أُعطيت من قبل 5% من المشاركين تحت اسم "غير عادي"، أما الإجابات المقدمة من قبل 1٪ فقط من المشاركين يُحتسب لها نقطتان تحت اسم "فريدة من نوعها".

- مقدار التفصيل في الإجابة: على سبيل المثال؛ مَن أجابَ: يُستخدم الكتاب "حاجزًا للباب" يُحتسب له 0 نقطة، أما من أجاب: "حاجزًا للباب لمنع إغلاقه بوجود الريح القوية" فله نقطتان: نقطة لتوضيح صفق الباب، ونقطة للحصول على تفاصيل إضافية عن الرياح.

من بين هذه المعايير الأربعة عُدّت المرونة العنصر الأكثر شفافية من الناحية النظرية والحرز الأكثر ثباتًا وموثوقيةً من الناحية التجريبية.

3- التفكير المتقارب (convergent thinking):

يحدث التفكير المتقارب عند محاولة العثور على حل ممكن لمشكلة محددة جيدًا، فيُقدَّم للمشتركين في الدراسة ثلاثة مفهومات يُفترَض أنها غير مترابطة، ويُطلب منهم تحديد مفهوم واحد يمكن أن يرتبط بالمفهومات الثلاثة السابقة، وتُقاس القدرة على التفكير المتقارب من طريق مهمة ربط المتباعدين (RAT: Remote Associates Task). في هذه المهمة تُقدَّم ثلاث كلمات دون أن تتصل إحداها بالأخرى للمشاركين (على سبيل المثال: الوقت، الشعر، والتمدد) ويُطلب منهم إيجاد رابط (الرابط للمثال السابق هو الطول).

بعد التعريف بالمقاييس المستخدمة في الدراسة لنتعرف إلى هذه الدراسة التي تحرّت التأثيرات الحادة للقنب على الإبداع:

في هذه الدراسة حُلِّل تأثير إعطاء جرعة منخفضة (5.5 ملغ) أو عالية (22 ملغ) من القنب المُتبخِّر في مهام الإبداع -وتحديدًا مركب 9-دلتا تتراهيدروكانابينول والمعروف بالرمز THC- بالمقارنة مع دواء وهمي (placebo)، وذلك بالاعتماد على مهام التفكير المتباعد (مهمة الاستخدامات البديلة AUT) والتفكير المتقارب (مهمة ربط المتباعدين RAT) المشروحة سابقًا عند عدد من مستخدمي القنب المنتظمين.

وقد كان تصميم الدراسة عشوائيًا، ومزدوج التعمية، ومضبوطًا بالدواء الوهمي، واختُبِر كل مشترك على حدة، وأكملوا مهمَّتَي الإبداع AUT وRAT.

وبتفصيل أكبر؛ عند الوصول إلى مركز الدراسة طُلب من المشاركين استكمال اختبار المصفوفات المتتابعة المعيارية SPM في غضون 10 دقائق لتحديد مستوى ذكائهم. بعد ذلك أُعطي دواء الدراسة (القنب)، وبعد ست دقائق من إعطائه طُلِب من المشاركين الإشارة إلى التأثيرات الشخصية للأدوية مرتين قبل الانتهاء من مهمتي الإبداع وبعدها. لاحقًا؛ أُعطي المشاركون الاختبارين AUT وRAT مطبوعَين، ومُنِحوا مهلة 10 دقائق لإكمال كل مهمة، وإضافة إلى ذلك طُلب من المشاركين تقييم مزاجهم بعد الانتهاء من مهمتي الإبداع.

النتائج:

كما هو متوقع؛ أظهر المشاركون في حالة تعاطي الجرعة العالية "22 ملغ" THC انخفاضًا ملحوظًا في النتائج بالمقارنة بالدواء الوهمي ومع الجرعة المنخفضة للـ THC في كل من العناصر الأربعة في اختبار الاستخدامات البديلة (AUT).

خلافًا للتوقعات؛ لم تُظهِر جرعة 5.5 ملغ THC أيَّ زيادة في أي عنصر من عناصر AUT مقارنة بالدواء الوهمي.

على عكس التوقعات؛ لم يكن هناك تأثير للقنب على عدد العناصر الصحيحة عند حل مهمة ربط المتباعدين RAT.

لذلك خَلُصت الدراسة إلى أنَّ القنب بالجرعة المنخفضة ليس له أي تأثير في الإبداع، في حين أن القنب بالجرعات العالية يضعف التفكير المتباعد والقدرة على إيجاد حلول لمشكلات غير واضحة المعالم.

المصدر:

هنا