الفيزياء والفلك > علم الفلك

الصورة الأوليّة لأفق الحدث لثقبٍ أسود

في خطوةٍ استثنائيّة رائعة.. وحدثٍ أقل ما يمكن وصفه به أنّه إنجازٌ تاريخيّ؛ تمكّن علماء الفلك أوّل مرّة من التقاط صورةٍ لأفق الحدث لثقبٍ أسود.

قبل نحو مئة عام قدّم الفيزيائيّ ألبرت أينشتاين وصفًا جديدًا لقوّة الجاذبيّة، وفي هذا الوصف تؤثّر الجاذبيّة في الأشياء بِثَني نسيج الزمكان وتشويهه. وبعد عدّة سنوات كان العالم الفلكي الألمانيّ كارل شوارزتشايلد يحارب مع الجيش الألمانيّ على الجبهة ضد روسيا في الحرب العالميّة الأولى، بوصفه مسؤولًا عن حساب اتجاه إطلاق الذخيرة، وبطريقة ما حصل على نسخة من ورقة أينشتاين، فوجدَ فيها فكرةً رائعة.

وجد شوارزتشايلد أنَّك إذا أخذت جسمًا كرويًّا وضغطته الى حجمٍ صغير بما فيه الكفاية؛ فإنَّه تبعًا لحسابات أينشتاين سيمتلك جاذبيّة هائلة لا يفلت شيءٌ من قبضتها حتّى الضوء، وهذا ما يُسمّى ثقبًا أسود.   

عندما علم أينشتاين بهذه النتيجة الّتي توصّل إليها شوارزتشايلد لم يصدّق! لم يقتنع أنَّ أجسامًا كهذه قد تكون بالفعل موجودةً في مكان ما في كوننا. وعلى الرغم من هذا -وبعد عدّة عقود- تزايدت الأدلّة النظريّة على وجود الثقوب السوداء. فقد وجد العلماء أنه عندما ينفذ الوقود النووي الّذي يجعل النجوم تتألّق؛ تنفجرُ بعض النجوم في حدثٍ كونيّ جلل يسمّى "مُستعِرًا أعظم"، يقذف فيه النجم المتهاوي مكتنفاتِه في الفضاء، ليبقى قلبه يُصارع الجاذبيّة الى أن ينهار على نفسه تحت تأثير قبضة الجاذبية مشكِّلًا ثقبًا أسود.

وإضافة الى الأدلة النظريّة؛ تزايدت الأرصاد والملاحظات الفلكيّة الّتي تؤكد وجود الثقوب السوداء أيضًا، فقد أظهرت الدراسات الّتي تُعنى بمركز مجرّتنا درب التبانّة أنَّ النجوم تدور  حول المركز بسرعاتٍ هائلة، ما يُشير إلى وجود جسمٍ خفيّ فائق الكتلة (أربع ملايين مرّة ضعف كتلة شمسنا) يمتلك جاذبيّة هائلة تدفع النجوم الى هذا السلوك الغريب، والجِرم المرشّح بالطبع هو ثقبٌ أسود.  

وبالتأكيد؛ فإنّ الدليل الأقوى هو التقاط تموّجات الجاذبيّة الّتي تسببها الثقوب السوداء في نسيج الزمكان، وقد رصدها العلماء أوّل مرة عام 2015، إذ كان التفسير المنطقي الوحيد لنمط هذه التموّجات هو وجود ثقبين أسودين في مكان ما في أقاصي الكون، يدوران أحدهما حول الآخر، ثمّ يندمجان معًا مسببَين تموجاتٍ عملاقة في نسيج الزمكان.

ومع كل هذه الأدلة النظريّة وبيانات الأرصاد التجريبية لم نتمكن من رؤية الثقب الأسود على نحو مباشر، وهذا ما تغيّر الآن!

فاعتمادًا على مصفوفةٍ تتألف من ثمانية تلسكوباتٍ حول العالم، تُسمّى معًا "تلسكوب أفق الحدث" أو Event Horizon Telescope، تمكن العلماء من التقاط أوّل صورةٍ لثقبٍ أسود، وهذه هي:

تمثّل هذه الصورة أولَ دليلٍ ملموس على صحّة نظرية أينشتاين وحقل جاذبيته المهول، وكأنَّنا نرى أينشتاين مجددًا على قيد الحياة. وتمثّل هذه الصورة بالنسبة للفيزيائيّ براين غرين -الكاتب الأصلي لهذا المقال- دليلًا على قدرة البشرية وإصرارها على الاكتشاف، ومن ثمَّ فهم الكون. فماذا تمثّل بالنسبة إليك؟

شاركنا رأيك في التعليقات.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

روابط من مقالاتنا القديمة

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا