الاقتصاد والعلوم الإدارية > سلسلة أساسيات الاقتصاد

ما الذي قد يعنيه مجتمع غير نقدي للمستقبل؟

كان لنمو أنظمة الدفع غير المباشر (بطاقات الائتمان والدَّيْن) والانتشار الواسع لتقنيات الاتصال والخدمات المصرفية المفتوحة دورًا في التطور الواقع في البنية التحتية للدفع الإلكتروني؛ إذ بدأ استخدام الأوراق النقدية بالتباطؤ.

ففي المملكة المتحدة باتت فقط 34% من المدفوعات تُدفَع نقدًا، وتُعَدُّ بطاقات الدَّيْن أكثر الأساليب شيوعًا للدفع منذ عام 2017؛ وذلك وفقًا لـ "UK Finance". أما في السويد فالعمليات النقدية لا تمثل أكثر من 2% من إجمالي العمليات، ومن المتوقع أن تصبح النسبة 0.5% في حلول عام 2020.

وبناء على ذلك؛ ستأتي نقطة سيصبح فيها الحفاظ على البنية التحتية لدعم المعاملات النقدية غير مجدٍ من حيث الكلفة، فذلك سيسرع الانتقال إلى طرائق الدفع الرقمية.

ويخشى الخبراء أن ارتفاع الرسوم المصرفية على المعاملات النقدية وبدء البنوك بتقليص عدد فروعها نتيجة لذلك سيجبر الشركات التخلي عن المعاملات النقدية حتى قبل أن يصبح العملاء جاهزين لذلك.

وقد حذر تقرير صدر مؤخرًا عن "Access to Cash Review" أنَّ التوجه إلى مجتمع غير نقدي على نحو أبكر من اللازم قد يعني أن الملايين من الناس أصبحوا مستبعديْن من النظام المالي بذلك سيكونون عرضة للاستغلال.

وهذا ما يؤكد ضرورة تعاون كل من الحكومات والبنوك وشركات التقنيات المالية معًا، لكي يكون الانتقال من مجتمع نقدي إلى مجتمع غير نقدي سلسًا قدر الإمكان، ويضمن حماية الأشخاص الذين لم يسبق لهم التعامل مع البنوك كالمسنين وغيرهم من الفئات غير المؤهلة بعد لهذه النقلة.

فوائد المجتمع غير النقدي:

قد تؤدي النقود المادية دورًا كبيرًا في الجريمة، كالرشوة والتهرب الضريبي والتزوير والفساد وتمويل الإرهاب أيضًا، نظرًا إلى كونها قد تكون مجهولة المصدر ولا يمكن تعقبها. أما في حالة المدفوعات غير النقدية فهذا الأمر لا يمكن حدوثه لوجود سجلات قابلة للتتبع، إضافة إلى تقنيات منع الاحتيال وحماية المدفوعات عن طريق التشفير.

وأصبحت المعاملات أكثر أمانًا من أي وقت مضى عن طريق تقنيات التعرف إلى الصوت والوجه ومسح الشبكية واستخدامها في تقنيات الدفع.

ويوفر المجتمع غير النقدي مجالًا أوسع لمزيد من السياسات النقدية، فعلى سبيل المثال؛ تواجه الحكومات في المجتمع النقدي تحديات في تحفيز الاقتصاد في فترة الانكماش الاقتصادي؛ إذ تلجأ إلى خفض أسعار الفائدة، ولكن ما يحدث هو أن الناس تُكدِّس أموالها عوضًا عن استثمارها، وهذا يعني أن الحكومات والبنوك المركزية تتمتع بسلطة نقدية محدودة في ظل المجتمع النقدي.

لكن في ظل نظام المدفوعات الرقمية والمجتمع غير النقدي لن يكون الناس قادرين على سحب أموالهم من النظام المالي؛ أي ستؤثر الحكومات والبنوك المركزية بنحو أكبر في الاقتصاد عن طريق السياسات النقدية المتبعة؛ إذ يمكن تطبيق سعر فائدة سلبي في فترة الانكماش الاقتصادي؛ أي يدفع الناس للبنوك مقابل تخزين ودائعهم المالية، بدلًا من كسب الفائدة عن هذه الودائع، ويهدف هذا إلى تحفيز الاستثمار وتعزيز الإنفاق بدلًا من جمع الأموال.

وهناك فائدة محتملة أخرى لنظام المدفوعات غير النقدية؛ وهي الفرصة التي يخلقها هذا النظام؛ إذ يمكن خلق عملات بديلة محلية تهدف إلى تشجيع الإنفاق في اقتصادات محددة. ومن الأمثلة على ذلك وحدة TEM (وحدة نقدية بديلة) في اليونان؛ فلا يُسمَح لأي شخص بالاحتفاظ بأكثر من 1200 وحدة، ولا أن يكون مدينًا بأكثر من 300 وحدة؛ مما يعني أنه لا يمكن تخزينها مثل النقود العادية، ولا يمكن تداولها إلا في مدينة "Volos"، وهذا ما يعمل على تحفيز الاقتصاد في تلك المدينة.

قد تسمح النقود الرقمية أيضًا بوضع بعض الشروط فيما يخصُّ إنفاقها، فعلى سبيل المثال؛ يمكن إنفاق الأموال على المشتريات الأخلاقية، وفي حال إنفاقها على غير ذلك يمكن خفض قيمتها.

مشكلات محتملة للمجتمع غير النقدي:          

تُتَعقَّب وتُسجَّل المعاملات بسهولة في حالة المعاملات الرقمية؛ مما يثير المخاوف بشأن الخصوصية ومَن يمكنه الوصول إلى تلك البيانات؛ إذ لا يتمتع الأشخاص العاديون بميزة إخفاء هوية حساباتهم المصرفية التقليدية، أما الأغنياء فيكونون أكثر جاهزية لتأمين خصوصيته.

ويعود الاعتماد على التقنيات الحديثة المعتمِدَة على أنظمة تكنولوجيا إلى سبعينيات القرن الماضي، وهي تحمل في طياتها كثيرًا من المخاطر، فالتكنولوجيا معرضة لحدوث خلل أو انقطاع أو خطأ، ويُترَك الناس دون أية نقود احتياطية ودون القدرة على إجراء معاملات في لحظات حاسمة محتملة.

إضافة إلى ذلك، ومع الانتقال لجعل المدفوعات تُنجَز عبر الإنترنت، سيكون هناك خطر متزايد لحدوث جرائم مثل سرقة الهوية، والاستيلاء على الحسابات، والمعاملات الاحتيالية وغيرها من الانتهاكات التي قد تتعرض لها البيانات بسبب ارتفاع حجم المعاملات غير النقدية؛ مما يجعل المستهلك العادي عرضة لها على نحو أكبر.

ويشكل المجتمع غير النقدي خطرًا على الذين لا يملكون حسابات مصرفية، ويفتقرون إلى الاستقرار من الناحية المالية ولا يملكون الوسائل التكنولوجية الخاصة، فسيعاني هؤلاء تهميشًا ويجدون أنفسهم دون دعم وغير قادرين على تلقي مساعدات مالية، وقد اختبرت عديد من المنظمات الخيرية إمكانية تقديم مساعدات مالية باستخدام وسائل دفع غير مباشرة مثل بطاقات الائتمان والدَّيْن وغيرها.

وفي الختام؛ من الواضح أن المجتمع سيستفيد من التغيرات الواقعة في طريقة إنفاق الأموال، وستتمتع الشركات بانخفاض التكاليف الناتج عن ذلك، إضافة إلى زيادة الكفاءة والإنتاجية.

ومع ذلك؛ فإن اعتماد هذه التقنيات يجب أن يُنجَز على مراحل وتدريجيًّا، ويجب وضع أنظمة قوية تدعم وتساعد من يكافحون للوصول إلى التكنولوجيا للتعايش مع المجتمع غير النقدي، إضافة إلى وضع أنظمة وحلول للحالات التي قد تفشل فيها التكنولوجيا.

المصادر:

هنا