الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

كيف يؤثِّر التغيُّر المُناخي في مناطق الأرض المختلفة؟

إن أوَّل ما يتبادر إلى أذهاننا عند قراءة مصطلح "التغيُّر المُناخي" هو الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة، وهذا صحيح ومثبَت وفق دراسات أجرتها وكالات علمية وجامعات ومراكز بحثية حول العالم، إضافة إلى تقريرين شاملين هما تقرير التقييم الخامس ( the Fifth Assessment Report - AR5) للجنة الدولية للتغيُّرات المناخية (the Intergovernmental Panel on Climate Change - IPCC) عام 2014، والتقرير المناخيُّ الخاص (the Climate Science Special Report) عام 2017؛ اللَّذين أكَّدا على حدوث ارتفاعٍ ملحوظٍ في درجات الحرارة.

فوفقاً لتقرير التقييم الخامس؛ شهدت درجات حرارة الجو ارتفاعاً بمتوسِّطٍ قدره 0.85 درجة مئوية (1.53 درجة فهرنهايت) بين عامي 1880 و2012، في حين ارتفع متوسِّط درجات الحرارة عام 2016 بمقدار 0.99 درجة مئوية (1.78 درجة فهرنهايت) عن متوسِّط درجات الحرارة في أواسط القرن العشرين.

وتبعاً لباحثي الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوِّي ( the National Oceanic and Atmospheric Administration - NOAA)؛ فإنَّ معدَّل ارتفاع درجات الحرارة في أوَّل 15 سنة من القرن الحادي والعشرين يساوي معدَّل الارتفاع في النصف الثاني من القرن العشرين، وكذلك شهد عام 2016 درجات الحرارة الأعلى على الإطلاق.

ارتفاع مستمرٌّ لدرجات الحرارة في ظلِّ موجات البرد القارس

من الضروريِّ ملاحظة حدوث انخفاض قياسيٍّ في درجات الحرارة على خلفية الاحترار الحاصل. وقد شهدت السنوات الأربع الماضية (2015-2018) أعلى درجات حرارة على الإطلاق، وتشير جميع المؤشِّرات إلى احتمال استمرار هذا الارتفاع في درجات الحرارة، وفي ظلِّ هذا الارتفاع تشهد أستراليا حالياً موجات حرٍّ شديدة أدَّت إلى أمراضٍ مرتبطة بالحرِّ وخلل في شبكات الطاقة الكهربائية وحرائقَ ووفيَّاتٍ بين أنواع الحيوانات.

المزيد من الأبحاث تربط بين درجات حرارة القطب الشمالي وشدَّة فصول الشتاء

تبيَّن مؤخَّراً أن درجة حرارة المنطقة القطبية الشمالية تتزايد بمعدَّلٍ أسرع بمرتين إلى ثلاث مرات من المعدَّل العالمي، ويقول العلماء أنَّ ارتفاع درجة حرارة الهواء القطبي يضعف فعالية "التيار القطبيِّ النفَّاث"؛ وهو تيَّار هوائي يحيط بنصف الكرة الأرضية الشمالي وتلتقي خلاله الرياح القطبية الشمالية الباردة مع الرياح المعتدلة المدارية في خطوط العرض الوسطى لنصف الكرة الشمالي، وتعمل التيَّارات النفاثة على احتجاز "الدوَّامات القطبية" في المنطقة القطبية الشمالية، لكن عندما تضعف هذه التيَّارات فإن الرياح القطبية تتسرَّب جنوباً.

وتبعاً لذلك؛ تُعدُّ آثار احترار المنطقة القطبية في خطوط العرض الوسطى موضوعاً متزايد الاهتمام في الميدان العلمي، ووجد العلماء فيه بعض النتائج المهمَّة في الأعوام الماضية وهي:

- علاقة احترار المنطقة القطبية بالأحداث المُناخية في الولايات المتحدة:

لقد عزَّز العلماء فهمنا للارتباط بين ارتفاع درجة حرارة المنطقة القطبية والتغيُّرات المُناخية في الولايات المتحدة، وخصوصاً موجات البرد والعواصف الثلجية القاسية في المناطق الشمالية والوسطى، وفي حين حلَّلت دراسات سابقة بياناتِ شهورٍ أو سنواتٍ محدَّدة؛ فقد لجأ باحثون في دراسة جديدة إلى تحليل بياناتٍ تمتدُّ منذ عام 1950 وحتى اليوم، وقد كشف البحث عن وجود علاقةٍ وثيقة بين درجات الحرارة المتزايدة في المنطقة القطبية والظروف الجوية القاسية شتاءً في مناطق شرق جبال الروكي وخصوصاً في شرق الولايات المتحدة.

- علاقة احترار المنطقة القطبية بالأحداث المناخية الأوراسية (منطقة آسيا وأوروبا):

لقد أثبت الباحثون مؤخَّراً ارتباط موجات الشتاء والرياح الباردة نسبياً في سبيريا بذوبان الثلوج في بحرَي بارنتس وكارا في نهاية فصل الخريف. وفي دراسةٍ أُخرى؛ وجد العلماء انخفاض فعالية الدوامات القطبية انخفاضاً ملحوظاً في الأعوام الـ 37 الماضية سامحةً بذلك للرياح القطبية بالنفاذ، وهذا ما يفسِّر درجات الحرارة المنخفضة المتكرِّرة وسط أوراسيا.

- علاقة احترار المنطقة القطبية بالأحداث المُناخية المتطرِّفة:

ربط العلماء احترار المنطقة القطبية وذوبان الثلوج فيها مع الظواهر المُناخية الشديدة في أمريكا الشمالية، فمثلاً عندما تستمرُّ ظاهرة مُناخية ما أيَّاماً عدَّة - الأمر الذي ينتج عن تبدُّل أنماط اتجاه الرياح - فإنَّ من شأن هذا الاستمرار إحداثَ موجات جفافٍ وبرودة وحرٍّ مستمرَّة وشديدة.

لمَ لن يمنع الاحترار العالميُّ العواصفَ الثلجية القاسية؟

على الرغم من كون الطقس البارد أمراً غريباً في ظلِّ الاحترار العالميّ؛ لكنَّ الأغرب أنَّنا قد نشهدُ موجاتِ ثلوجٍ كُبرى في المستقبل، وذلك وفقاً لدراسةٍ من المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوِّي (the National Center for Atmospheric Research)، وقد وجد الباحثون أنَّ من شأن التغيُّر المُناخي تقليل إجمالي كمِّية الثلوج التي قد تهطل في الولايات المتحدة في القرن الحالي، لكنَّه غالباً لن يكبح جماح أعاصير "نوريستر" Nor'easters التي تضربُ السواحل الشرقية للولايات المتحدة.

تُعدُّ أعاصير "نوريستر" نوعاً مميَّزاً من العواصف تُحدِث ظواهرَ جويةً شديدةً وفيضاناتٍ شاطئية على السواحل الشرقية للولايات المتحدة لتؤدِّي إلى انتكاسات عظيمة وخسائرَ فادحة.

صورة فضائية لإعصار النوريستر

والسؤال هنا؛ كيف تؤدِّي درجات الحرارة المرتفعة إلى عواصفَ ثلجية كارثية؟

يوضِّحُ البحث أنَّ أثر عاصفةٍ ما يرتبط بعدِّة عوامل مثل طول الموسم الثلجيِّ، وقدرة الغلاف الجوِّي على حمل المزيد من الماء، وارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات التي تغذِّي العواصفَ القوية، والطاقة المتزايدة المختزنة في الجوِّ الحارِّ التي تدعم حدوث العواصف عندما تتوفَّر العوامل السابقة.

وعلى الرغم من أنَّنا سنشهد عواصف أقلَّ في المستقبل؛ لكنَّ هذه العواصف ستكون أشدَّ عند وقوعها.

الحل بين أيدينا

الخبر الجيِّدُ في خضمِّ هذه التغيُّرات هو أنَّنا نملك التقنيات والحلول اللَّازمة لمواجهة الاحترار العالمي.

ويرتبط جزء كبير من الحل بتقليل كمِّية الانبعاثات الغازية التي تنطلق إلى الجوِّ وتعمل على حبس الحرارة.

وكذلك يمكننا إنجازُ أفعالٍ فردية لتقليل مساهمتنا في الانبعاثات الكربونية.

ومع ذلك؛ علينا توحيد الجهود العالمية لمواجهة التغيُّر المناخي.

للتعرُّف إلى الخطوات الفردية الممكن عملها؛ يمكنكم قراءة المقال الآتي:

هنا

وكذلك يمكنكم الاطلاع على ظاهرة أُخرى ناتجة عن التغيُّر المُناخي - وهي الهجرة الجماعية - من المقال الآتي:

هنا

المصادر:

 هنا

هنا

هنا