كتاب > روايات ومقالات

"علي ونينو" بين الحب والأرض

تتحدَّث علي ونينو عن قصة حب لم يكتفِ فيها قربان سعيد بسرْد أحداث رومنسية، ولم يكلِّف نفسه عبء خَلْق حبكة روائية معقَّدة، بل راح ينقل بسلاسة وبساطة معالم ثقافة مختلطة بإيجابياتها وسلبياتها.

تدور أحداث الرواية أواخر الحرب العالمية الأولى (1918-1920) في منطقة القوقاز، في باكو تحديدًا؛ تلك المدينة الجميلة العالقة بين الشرق والغرب، والتي تحمل في ملامحها كلًّا من الثقافتين الأوروبية والآسيوية، ويتلاقى فيها عديد من الأعراق البشرية والديانات والثقافات واللغات المختلفة.

إنَّها تحمل من الحب والانسجام بقدر ما عانت لنيلهما، والتي ما لبثت أن لوَّثتها منصَّات البترول التي جعلت منها مدينة ثريَّة مستقلة؛ ممَّا أوقعها ضحيةَ حرب ليست حربها فيما بعد.

ويقع علي خان شيرفانشير؛ الشاب المسلم الشيعيِّ ذو الأصول الأذربيجانية وسليل عائلة المحاربين -الذين سطَّروا تاريخ باكو بدمائهم- في حب نينو كيبياني؛ الأميرة الجورجية المسيحية الأرثوذكسية المتمرِّدة وذات التطلُّعات الأوروبية.

فقد كان عليهما أن يتغلَّبا على عداء الدم والثأر والفضيحة ليكونا معًا، متنقِّلين من شوارع باكو الصاخبة الممتلئة بالحياة إلى قرى داغستان الجبلية النائية، ومنها إلى قصور إيران.

فقد كانت الحرب التي تدور داخل كلٍّ من البطلين أكبر من الحرب التي عايشاها؛ ذلك الصراع الداخلي الذي نعرفه جيدًا لتحديد الهوية والانتماء، في الوقت الذي أصبحت فيه باكو معلَّقة بين قارتين.

فترى تطور شخصية علي؛ الفتى المدلَّل وريث الأسرة الثريَّة المحاربة الذي يتباهى بامتيازاته التي لم يكلِّف نفسه عناء الحصول عليها، وإذْ به يتحوَّل إلى رجل عليه أن يشارك في اتخاذ القرارات السياسية، وأن يحمل السلاح مدافعًا عن تاريخه الذي طالما تباهى به.

إنَّه يحاول جاهدًا أن يقف في المنتصف، وأن يحافظ على تاريخه دون أن يبقى منغلقًا على نفسه، ولكنَّ جذوره تشدُّه من كلِّ جهة.

فيعقد المقارنات بين الشرق والغرب محاولًا أن يوازن بين حبه لنينو وتعلُّقه بباكو، فمن الذي سينتصر في النهاية؟!

إنَّ الأصول المشتركة للكاتب وأبطاله جعلت من الرواية مرجعًا ثقافيًّا يتحدَّث عن منطقة القوقاز وشعوبها وتاريخها المعقَّد.

فقد كان قربان سعيد صحفيًّا وأديبًا، ومستشرقًا ألمانيًّا يهودي الأصل، ينتمي إلى أسرة تعمل في مجال النفط.

فهو قد وُلِد في باكو عاصمة أذربيجان عام 1905م، وكان اسمه الحقيقي "ليف نسيمبوم"، وتحوَّل إلى "أسعد بيك" بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى واعتناقه الإسلام.

ويتحدَّث في روايته عن تاريخ المنطقة، وعن عادات أهلها وتقاليدهم، وعن جمال الحرملك في بيوت المسلمين، وعن الذوق الأوروبي المرهف، وعن النظرة المختلفة لكلٍّ من الأوروبي والآسيوي إلى الحياة والجبال والصحراء وحتى إلى المرأة...

وينتقل بك من مشاهد الأوبرا الغربية إلى المواكب الجنائزية ليوم عاشوراء، ومن أسرار الحرملك إلى السهرات الأوروبية الصاخبة على بُعد شارعين من سيِّد علي مصطفى الملَّا الشيعي المتعصِّب، إلى رفاق الطفولة الذين ذهبوا ضحية حروب لا تعنيهم وهم متخبِّطون بين الواجب الوطني وبين أفكارهم المتمرِّدة.

إنَّ الرواية تتركك أمام عديد من التساؤلات؛ عن الانتماء والأرض والثقافة والدين والحب...

ومن أكثر الاقتباسات إثارة للجدل فيما يتعلِّق بالنظرة السائدة عن الشرق والغرب آنذاك، ما جاء على لسان دادياني الجورجي العجوز مخاطبًا عليًّا: ((أنت تملك روح رجل الصحراء، وربما يكون ذلك الفرق الحقيقي بين الرجال؛ رجال الغابات ورجال الصحراء.

إنَّ حالة الثمل الشرقي الجاف تأتي من الصحراء؛ فهناك الرياح والرمال الحارة التي تحوِّل الرجال إلى سكارى، وهناك يكون العالم بسيطًا وبلا مشاكل.

فالغابات ممتلئة بالأسئلة، أمَّا الصحراء فوحدها التي لا تسأل ولا تعطي ولا تقطع الوعود، ولكنَّ وقود الروح يأتي من الغابة. فرجل الصحراء -وأراه أيضًا لديه وجه واحد- لا يعرف سوى حقيقة واحدة، وهذه الحقيقة ترضيه.

أمَّا رجل الغابة، فله وجوه عدَّة.

إنَّ المتعصِّب يأتي من الصحراء، أمَّا المبدع، فيأتي من الغابة، وربما كان هذا هو الفرق الأساسي بين الشرق والغرب)).

نُشرت علي ونينو أوَّل مرة في فيينا باللغة الألمانية عام 1937م، ثمَّ نُسيَت في خضم الفوضى التي رافقت الحرب العالمية الثانية، حتى عثرت عليها الناشرة الألمانية "جينا غرامان" في مكتبة للكتب المستعملة في برلين وأعادت نشرها، وتُرجمت إلى أكثر من 30 لغة فيما بعد.

وما كان لمثل هذه الرواية الرائعة إلا أن تكون مصدر إلهام للكثير من الأعمال الفنية، إذ مثَّلت الفنانة " تمارا كفيسيتادز" علي ونينو في مجسَّمين بطريقة مبهرة؛ ففي مدينة باتومي على حافَّة البحر الأسود تراهما يقتربان من بعضهما؛ ليتَّحدا حتى يصبحا جسدًا واحدًا، ثمَّ يعودان ليفترق أحدهما عن الآخر؛ ليعيدا إلى الذاكرة قصة الحب التراجيدية التي عاشها البطلان، وعن المعاناة التي طالما تخلَّلت قصتهما نتيجة لهذا الاختلاف.

ويمكنكم الاطلاع على تفاصيل هذا العمل الفنِّي عن طريق مقالنا الآتي :

هنا

وقد استعادت الرواية ألقها من جديد عام 2016؛ إذ حُوِّلت إلى عمل سينمائي ضخم يحمل اسم البطلين، من إخراج الأميركي الهندي "آصف كاباديا"، وبطولة الممثل الفلسطيني " آدم بكري " في دور علي، والممثلة "ماريا فالفيردي" في دور نينو، والذي ناقش بدوره الأفكار الرئيسة في الرواية مع تغيير بسيط في مجرى الأحداث والحوارات.

هنا

معلومات الكتاب:

اسم الكتاب: علي ونينو

الكاتب: قربان سعيد

المترجم: أميمة بهلول

دار النشر: دار الكلمة للنّشر والتوزيع

عدد الصفحات: 254 صفحة