الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

لماذا يوجد بلاد غنية وبلاد فقيرة؟ وماذا يعلم الاقتصاديون عن حالات النمو؟

دققت جميع الأطراف المعنية على نظريات الاقتصاديين وأسلوب عملهم على مدار العقد الماضي؛ وذلك بسبب إخفاقات الاقتصاديين الفكرية في الفترة التي سبقت الأزمة المالية في عامَي 2007- 2008، وعلى الرغم من هذه الجهود؛ فقد كان الركود الذي أعقب الأزمة أكثر قسوة؛ إذ محا الركود ربع الناتج المحلي الإجمالي لكل اقتصاد من الاقتصاديات المتقدمة، ومع ذلك؛ فإن هذه الدول لم تتأثر كثيرًا فبقيت لديها القدرة لينتهي ثراء الفرد أربعة أضعاف عمَّا سبق.

لكن ما النمو الاقتصادي؟

النمو الاقتصادي: هو زيادة في إنتاج السلع والخدمات في فترة محددة، وإذا أردنا أن نُحدِّد أكثر فيجب أن يزيل النمو آثار التضخم.

لهذا السبب؛ تريد جميع البلدان نموًّا اقتصاديًّا إيجابيًّا، مما يجعل النمو الاقتصادي المؤشر أكثر مشاهدة.

وكتب روبرت لوكاس "Robert Lucas"؛ وهو خبير اقتصادي حائز على جائزة نوبل: "عندما تبدأ بالتفكير في الفجوة بين الدول الفقيرة والغنية، من الصعب بعدها أن تفكر في أي شيء آخر". والمشكلة أن الاقتصاديين لا يعرفون كثيرًا عن النمو وأسبابه ومشكلاته، وبإمكاننا أن نلخص معرفتهم فيما يأتي:

-يعرفون أن اﻟﻨمو اﻟﻤﺴتدام ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺗﺞ اﻟﻤﺤﻠﻲ اﻹﺟﻤﺎﻟﻲ ﻟﻠﻔﺮد قد بدأ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ.

- يعرفون -أيضًا- أن البلاد بإمكانها أن تصبح غنية فقط عن طريق الاستمرار باﻟﻨﻤﻮ ﻋﻠﻰ ﻓﺘﺮات ﻃﻮﻳﻠﺔ.

- وأن اﻟﻨﻤﻮ يكون على نحو أساسي عن طريق استخدام تقنيات جديدة ﻟﻜﻲ يصبح أكثر إﻧﺘﺎﺟﻴﺔ، وعن طريق اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ أﻓﻜﺎر ﺟﺪﻳﺪة.

لنرتب الآن أفكارنا، فهناك ثلاثة خطوط عريضة يمكن الانطلاق منها:

بدايةً لننطلق من التواريخ الأولى من عام 1956؛ عندما طور روبرت سولو وتريفور سوان Robert Solow and Trevor Swan على نحو مستقل نماذج تقوم على أساس فكرة أن النمو هو نتيجة لتراكم رأس المال، وقد بيَّنت نماذجهم كيف يمكن للبلدان الفقيرة اللحاق بالبلدان الغنية، ولكن خيبة الأمل كانت أن هذه النماذج لم تستطع أن تفسر لماذا نمت البلدان الغنية في المقام الأول.

ثم سعى (لوكاس) وغيره من الاقتصاديين، منهم بول رومر"Paul Romer" إلى إصلاح ذلك بإضافة وصف لكيفية تطوير المعرفة ونشرها قصصًا بسيطة عن كيفية عمل النمو.

لكن لم تخلُ هذه النماذج من العيوب؛ إذ يكمن العيب الأول في أنها غالبًا ما تكون غامضة. وكتب بول كروغمان "Paul Krugman" -وهو أحد الحاصلين على جائزة نوبل- أنهم شاركوا في وضع افتراضات فيما يخصُّ تأثير الأشياء غير القابلة للقياس في الأشياء الأخرى غير القابلة للقياس؛ أي لم تكن لهذه النماذج تطبيقات عملية.

أما العيب الثاني فتمثل في أنَّ بعض الاقتصاديين ينتقلون من الفقر إلى الثروة عن طريق إتقان التقنيات الحديثة، وهذا أمر جيد، لكن معظم هذه التقنيات لا تُشير إلى العقبات الهائلة التي تمنع عديدًا من البلدان الفقيرة من النمو.

والمصيبة أن نظرية النمو ليس لديها أية أجوبة عن ماهية هذه العقبات!

ثم أتت سلسلة ثانية من البحوث التجريبية؛ إذ سعى الاقتصاديون إلى الحصول على بيانات اقتصادية بحثًا عن العوامل التي قد تفسر الاختلافات في النمو، وركز بعضهم على البلدان تركيزًا فرديًّا ومستقلًّا، وعلى التقنيات المستخدمة المعروفة باسم "محاسبة النمو" لتحديد المساهمات النسبية لرأس المال والعمالة؛ وبقيت المشكلة المتمثلة في أنَّ كثيرًا من الأحيان تُعزى النسبة الكبيرة من النمو إلى بقايا غير مفسرة، ويمكن أن نفسرها أحيانًا على أنها تمثل تقدمًا في التكنولوجيا، ولكن إذا أردنا تفسيرها على نحو أفضل، على حدِّ تعبير موسى أبراموفيتش "Moses Abramovitz" -وهو خبير اقتصادي آخر- فهي "مقياس جهلنا"..

وقارن باحثون آخرون بين البلدان بحثًا عن روابط بين الخصائص الاقتصادية والسياسية ومعدلات النمو، ومع ذلك -كما أشار سولو" Solow"- فإن هذا المشروع لم يكن مصدر إلهام كبير، ويعود السبب إلى العدد الهائل للمتغيرات التي من الممكن أن تكون مهمة بمفردها أو مجتمعة. فعلى سبيل المثال؛ قد تجد إحدى الدراسات أنَّ هناك عاملًا معينًا -ولِنقُل هو المعدل الذي تُنشَأ عنده الشركات- يرتبط ارتباطًا جوهريًّا بالنمو، ولكن في الواقع؛ قد يكون هناك شيء آخر مرتبط بخلق الأعمال غير مدرج في الدراسة هو الذي يؤدي الدور الأهم في هذا النمو.

وهناك مجموعة ثالثة من الباحثين تتطلَّع إلى التاريخ للاستفادة من الدروس، وتشريح الثورة الصناعية، والثروات المتباينة للمستعمرات الأوروبية السابقة وما إلى ذلك، وعلى الرغم من أنها متوقفة بسبب قلة البيانات ولم تتمكن إلى الآن من تقارب أفكارها لفهم النمو لكنها أكثر الطرائق الواعدة؛ إذ تُناقَش أمورٌ مثل:

أصول الثورة الصناعية.

الأهمية النسبية لحقوق الملكية الآمنة.

إلى أي مدى تتسامح الثقافات مع الطموح الشخصي؟

فتلك هي الأسباب التي جعلت إحدى المستعمرات الأوروبية غنية وأخرى فقيرة.

يجب أن تكون مثل هذه القضايا في الأساس هي الأكثر أهمية، ولكن إذا أخذنا مثال النمو الاقتصادي السريع للصين في ثمانينيات القرن الماضي؛ فإن الخبير الاقتصادي سيشرح ذلك بالقول إنه بدأ عندما ازداد رأس المال وبسبب تبنِّي التكنولوجيات الأجنبية على الرغم من أنه -وعلى نحو واضحٍ جدًّا- حَدَثَ نتيجة قرار سياسي ناتج عن تخفيف سيطرة الدولة على النشاط الاقتصادي.

وسنقول بالمثل أنَّ نمو الصين في المستقبل سيعتمد على مدى تطورها ونشر تكنولوجياتها الجديدة، لكن ذلك في الحقيقة يعتمد على القرارات المتعلقة بالحَوكمة الاقتصادية التي يتخذها قادتها، وهي التي ستتأثر بدورها بالقوى الاجتماعية والجيوسياسية التي لا يفهمها الاقتصاديون ويتجاهلونها عمومًا.

وقد يتخيل الاقتصاديون أنه إذا كُلِّفوا بمسؤولية بلد فقير فسيستطيعون تنميته، ولكن معادلة النمو التي لا تأخذ في الحسبان التعقيدات الاجتماعية والسياسية ليست معادلة ناجحة على الإطلاق.

 

المصادر:

هنا

هنا