التعليم واللغات > اللغويات

الخلايا العصبيّة ودورها في تطوّر اللغة

يتميزُ البشر من غيرهم من المخلوقات بفعلهم جميع أنواع الأمور التي لا يستطيع غيرهم فعلها؛ مثل اللغة التي تمثل قدرةً ينسبها الباحثون إلى امتلاكنا أدمغةً كبيرة ومُتخصصة، ولكن وِفقًا لهذه الدراسة؛ فإنَّ الحجم ليس كل شيء، إذ تشير النتائج إلى أنَّ التغييرات المُهمة في خلايا الدماغ العصبية قد أدّت دورًا رئيسًا في تطوُّر اللغة.

ففي القرن التاسع عشر؛ حدّد علماء الأعصابِ مناطقَ صغيرة منَ الدماغ البشري (مثل: باحة بروكا في القشرة الأمامية وباحة فيرنيك في القشرة الصدغية) وربطوها باللغة، ووجدَ العلماء أنّ القدرة اللغوية ليست محصورةً في مناطق الدماغ المنفصلة فقط، إنّما تتطلبُ اتصالًا وثيقًا فيما بينها. فمثلًا؛ إنَّ المرضى المصابين بتلفٍ في الحزمة العصبية المقوّسة للدماغ (Arcuate Fasciculus) -التي تتكون من حُزم مُتعددة من الألياف العصبية التي تربط مناطق بروكا وفيرنيك- يعانون صعوبة شديدة في التحدث وفهم الآخرين. وعلى الرغم من امتلاك بعض الحيوانات ذاتِ الأدمغة الصغيرة مناطقَ تتطابق تقريبًا مع تلك الموجودة في الدماغ البشري؛ فإنَّها تؤدي وظائف أخرى مُختلفة. وقد أشارت عدة دراسات إلى أنَّ خلايا أدمغة البشر مُتصلة على نحوٍ مختلفٍ عن تلك الموجودة في المخلوقات الأخرى.

ولمعرفة ما إذا كانت الحزمة العصبية المقوسة (Arcuate Fasciculus) قد أُعيدَ توصيلها على مدى تطوّرِ البشرية؛ اتّجه فريق بقيادة عالم الأنثروبولوجيا أو علم الإنسان (جيمس رايلينغ James Riling) من جامعة إيموري في أتالانتا- جورجيا إلى تقنيةٍ تُدعى التصوير بالانتشار (Diffusion Tensor Imaging)، وهذا النوع من التصوير بالرنين المغناطيسي يصوّر الأنسجة بالكشف عن تدفق المياه داخلها، ممّا يسمح للعلماء بتتبع الألياف العصبية الطويلة التي تربط أجزاء الدماغ. وقد أجرى الباحثون مَسحًا لأدمغة عشرةٍ من البشر الأحياء وثلاثة قردة ميّتة منَ الشمبانزي وقردَين ميتَين منَ المكاك، وكذلك فَحصوا قردًا حيًّا منَ الشمبانزي وآخر حيًّا منَ المكاك، وذلك من أجل التحقق منْ أنّ أيَّ اختلافات رأَوها لم تكن بسبب المواد الكيميائية المستخدمة للحفاظ على الأدمغة الميتة.

وأظهرتِ الفحوصاتُ فوارقَ هائلة ما بين البشر والقرود، فعلى الرغم من اتصال الحزمة العصبية المقوّسة بالقشرة الأمامية للمخلوقات الثلاثة -متضمنةً باحة بروكا عند البشر- فقد تبيّن أنها تمتد بعمقٍ في الأجزاء المرتبطة باللغة من القشرة الصدغية للبشر فقط؛ مثل باحة فيرنيك. أمَّا قردة الشمبانزي فلم تُكَوِّن الحزمة العصبية المقوَّسة لديها سوى روابط محدودة للغاية مع مناطق القشرة الصدغية المُشابهة لمنطقة فيرنيك، وكان هناك القليل من الأدلة على مثل هذه الصّلات في قرود المكاك؛ حسب تقارير الفريق في Nature Neuroscience.

واستنتج الباحثون أنَّ تطوّر المناطق اللغوية المتخصصة في الدماغ البشري كان مصحُوبًا بإضافة خلايا رئيسة جديدة عبر الحزمة العصبية المقوّسة، وكانت النتيجة النهائية هي أنَّ منطقة فيرنيك التي ترتبط بفهم معنى الكلمة قد أصبحت مُرتبطة بقوّة بمنطقة بروكا، التي تؤدي بدورها دورًا مُهمًّا في تكوين الجُمل وفهمها.

ويقول باحث اللغة في جامعة طوكيو في اليابان (Kuniyoshi Sakai) أنَّ النتائج قد برهنت تفرّد الدماغ البشري عمَّا سواه، لأنَّه كان يُفترض على نطاق واسع بأنَّ هياكل الدماغ الأساسية متشابهة جوهريًّا بين البشر والقِردة، ويُوضح كذلك عالم الأنثروبولوجيا في جامعة جيمس ماديسون في هاريسونبيرغ بولاية فرجينيا (توماس شونمان Thomas Schoenemann) بأنّ تقنية صورة الانتشار بالرنين المغناطيسي هي أسلوب واعدٌ لفهم كيفية اتصال خلايا أدمغتنا، لكنه يُنبّه لأنّ هذا النهج يجب أن يتكرر مع مزيدٍ منَ العيّنات قبل استخلاص استنتاجات نهائية.

المصدر: 

هنا

هنا