العمارة والتشييد > التشييد

هل يصمد الكوكب في وجه صناعة التشييد المتنامية؟

بدأ الوقت ينفد بما يتعلَّق بتطوير أداء قطَّاع البناء والتشييد من ناحية استهلاك الأبنية للطاقة، ولهذا السبب يجب الالتزام بأهداف اتفاقية باريس للمناخ، وخاصةً أنَّ كثافة الطاقة* لكلِّ مترٍ مربع من الأرض المشيدة بحاجةٍ لأن تزداد حتى نسبة 30% وفق إحدى الدراسات الحديثة.

وجد تقرير الحالة العالمي الذي أُصدِر من قبل اتحاد التشييد والبناء العالمي عام 2017، استمرار تنامي قطَّاع البناء عالميًّا؛ إذ بلغت مساحة الأرض المبنية 235 مليار مترٍ مربَّع عام 2016. ومن المتوقَّع في العقود الأربعة القادمة أن تُضاف إليها مساحة تُقدَّر بـ 230 مليار مترٍ مربَّع، أي ما يعادل إضافة مساحة اليابان سنويًّا أو إضافة مساحة مدينة باريس أسبوعيًّا إلى الأرض حتى عام 2060.

يُعَدُّ قطَّاع التشييد والبناء مسؤولًا عن إطلاق نسبة 39% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، إذا أخذنا بعين النظر توليد الطاقة المُستَهلكة من قبل الأبنية. وتؤدي الزيادة في التعداد السكاني إلى زيادةِ الوضع سوءًا، خصوصًا بين عامي 2010 و2016 رافعًا بذلك مساحة الأرض المبنيَّة، فتزداد احتياجات الطاقة لهذه الأبنية. ويكفينا أن نعلم أنَّ زيادة الطلب على الطاقة اللازمة للأبنية المشيَّدة في هذه الفترة تعادل كامل احتياج ألمانيا من الطاقة في الفترة ذاتها.

ستدق ساعة الخطر قريبًا إن صدقت معلومات التقرير التي تقول أنَّ أكثر من نصف الأبنية المُتَوقَّع تشييدها مستقبلًا حتى عام 2060 ستُشيَّد في العشرين سنةً القادمة، وسيُشَيَّد ثلثا هذه الأبنية في البلدان النامية حيث اشتراطات طاقة الأبنية غير مطبَّقة على نحوٍ فعَّال.

ويطرح التقرير -الذي أُعِدَّ من قبل وكالة الطاقة الدولية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للبيئة- المشكلة ثمَّ يتحدث عن الحلول منخفضة الكربون التي تتضمَّن كفاءة استخدام الطاقة، وهناك العديد من الأمثلة في العالم التي تظهر بوضوح أنَّه يمكن تحقيق الهدف المنشود بمواصلة الجهود الحثيثة في هذا السياق.

ولا تزال تعهُّدات اتفاقية باريس للمناخ قاصرةً حتى الآن عن الوصول إلى الحد السنوي من تخفيض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون البالغ 4.9 غيغا طن سنويًّا، ولا يمكن تحقيق ذلك أصلًا إن لم تسعَ الدول إلى اعتماد استراتيجياتٍ منخفضة الكربون في قطاع التشييد؛ إذ تعتمد الأبنية المُشَيَّدة على التقنيات الموفرة للطاقة، وتزداد ضرورة ذلك إذا علمنا أنَّ انبعاثات غاز Co2 الناتجة عن قطاع التشييد ازدادت بنسبة 1%  سنويًّا بين عامي 2010 و2016، مسببةً إطلاق 76 غيغا طن.

وحسب التقرير، فإنَّ تحسين كثافة الطاقة في قطاع التشييد بنسبة 30% يتطلَّب تطوير أداء المباني المُشَيّدة من ناحية استهلاك الطاقة بنسبةٍ تتجاوز 2 بالمئة سنويًّا حتى عام 2030، وهذا يعني أن يقترب استهلاك الطاقة من الصفر، وبهذا يجب العمل على أن يكون مقدار انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن الأبنية في حدوده الدنيا (وربما معدومًا)، ليكون أحد المعايير الأساسية الناظمة لقطاع التشييد في العقد القادم.

ويجب تحسين أداء المباني من ناحية استهلاك الطاقة لتفوق نسبة 2 إلى 3% في العقد القادم، خاصَّةً في الدول التي بُنِيَ فيها حديثًا ما يقارب 65 % من مجمل الأبنية المُتَوقع تشييدها حتى عام 2060.

وعلى غرار العديد من القطاعات التي يتحدث عنها اتفاق باريس للمناخ، فإنَّ قطَّاع التشييد والبناء يشهد انخفاضًا في مقدار الانبعاثات الناتجة عن حركة البناء، لكنَّه انخفاضٌ بسيطٌ وبطيءٌ للغاية ويحتاج إلى مزيدٍ من الجهود المتضافرة لمعالجة النمو المتسارع في إنشاء الأبنية كثيفة الكربون ذات كفاءة الطاقة المنخفضة.

تكمن إمكانية توفير الطاقة في الأبنية في تطوير أداء هذه الأبنية ولهذا فائدةٌ جليةٌ عالميًّا؛ إذ أنَّ المباني الموجودة حاليًّا التي تتَّصف بأنها عالية الكفاءة من ناحية استهلاك الطاقة تقدِّم رؤيةً لتحقيق الوفر في استهلاك الطاقة في الوحدات البنائية يتجاوز مقدار الطاقة التي استهلكتها دول مجموعة العشرين في العام 2015.

وهناك العديد من الأمثلة العالمية عن الأبنية عالية الكفاءة في استهلاك الطاقة، ومنها مبنى Edge في أمستردام ذو الاستهلاك شبه المعدوم للطاقة؛ إذ صُمِّمَ المبنى ليعتمد في إنارته على الضوء الطبيعي واستخدام الطاقة الشمسية في إنتاج الكهرباء، بالإضافة إلى اعتماد تقنيات تهويةٍ ذكيةٍ تستجيب لأوامر المستخدم. وبالإضافة إلى هذه التقنيات، لا بُدَّ من اعتماد إدارةٍ بنَّاءةٍ  للبناء تشتمل -على سبيل المثال- خدمة تقاسم النفايات وفرزها ثمَّ تدويرها كما في فرنسا.

يحدِّد التقرير مجموعةً من الأمور للوصول إلى الهدف المنشود بانخفاض انبعاثات الكربون من الأبنية:

- الالتزام الطموح والشفاف: لا بدَّ من اعتماد سياساتٍ إستراتيجية وتحفيز سوق البناء في هذا السياق عن طريق الإشارة إلى الدور الحيوي للأبنية المستدامة.

- إصدار قوانين ملزمة بهدف تطوير أداء الأبنية وخفض استهلاك الطاقة فيها إلى حدوده الدنيا.

- التنبيه لاعتماد التكنولوجيا منخفضة الكربون حلًّا لاستدامة البناء على المدى الطويل.

- توفير المعلومات اللازمة بهدف إزالة الشكوك لدى صنَّاع القرار والمستثمرين عن الأبنية الخضراء منخفضة الكربون؛ إذ تنشط حركة التمويل لتحويل الأبنية التقليدية إلى أبنيةٍ مستدامة.

في ختام هذا المقال، لا بدَّ من أن نؤكِّد أهمية احترام الأرض التي نعيش عليها ونحافظ على بيئتنا ونرمِّم الضرر الذي أُلْحِقَ بها، وهذا واجبٌ على كل القطَّاعات التي تتخلل حياتنا وعملنا؛ ومنها قطاع العمارة والتشييد. وقد آن الأوان لندرك أنَّ الهدف لا يكمن فقط في الحصول على بناءٍ متميزٍ وجميل، بل يجب أن يكون صديقًا للبيئة التي تحتويه في الوقت نفسه.

المصدر: 

هنا

هنا