الهندسة والآليات > التكنولوجيا

كيف يمكن تزويد الذكاء الاصطناعي بحسٍّ عام وسرعة بديهة؟ (٤)

على مدى 34 عامًا، وظف الباحث دوغ لينات (Doug Lenat) فريقًا من المهندسين والفلاسفة الذين كتبوا (25) مليون سطر برمجي؛ لتعليم الكمبيوتر قواعد الحس العام والبديهة؛ إذ تعتمد فكرة (لينات) على أننا نستطيع الوصول إلى برامج تملك حسًّا عامًّا عن طريق كتابة كل قواعد الحس العام الممكنة يدويًّا، واحدة تلو الأخرى.

«الماء رطبٌ» هي إحدى تلك القواعد المكتوبة. قاعدة أخرى قد تكون شيئًا من هذا القبيل: «معظم الناس يعلمون الاسم الأول لأصدقائهم».

وبناءً على هذه القواعد؛ يمكن لبرنامج يعتمد عليها أن يتنبأ بأن شخصًا ما قد تعرض للبلل تحت المطر في حال كان قميصه رطبًا. وعلى الرَّغم من أن هذه الطريقة تتطلب جهدًا بشريًّا أكبر من طريقة التجميع المعرفي - crowdsourced الواردة في مقالنا السابق- فإنها تتميز بأن الباحثين يتحكمون كاملًا بقاعدة البيانات تلك، ومن ثم يستطيعون تعديلها لتحسين نتائج التنبؤات التي تعتمد عليها.

فقدت هذه الطرائق بريقها وشعبيتها العلمية عندما بدأت خوارزميات التعلم العميق بالانتشار، وعلى الرَّغم من أن مشروع السيد «لينات» قد رُخص للاستعمال في أنظمة الرعاية الصحية والخدمات المالية وحتى بعض المشاريع العسكرية؛ فإن أي تقدم يحرزه يستغرق الكثير من الوقت والمال؛ فقد تجاوزت كلفة المشروع الـ200 مليون دولار أمريكي.

في مكان آخر وضمن نهج مختلف، عمل باحثان في شركة DeepMind على طريقة هجينة تجمع التعلم العميق مع المنهج التقليدي القائم على التلقين المباشر لبناء نظام قادر على المحاكمة الرياضية، وُدرب البرنامج على لعبة للأطفال تدعى fizz-buzz وتعتمد فكرتها على العد تصاعديًّا بدءًا من الرقم (1)، وفي كل مرة ينطق الطفل كلمة fizz إذا كان الرقم يقبل القسمة على (3)، بينما ينطق كلمة buzz في حال كان الرقم يقبل القسمة على (5).

في حال الشبكات العصبونية التقليدية لن يكون البرنامج قادرًا على لعب اللعبة إلا مع أرقام سبق له أن رآها في أثناء التدريب. دَرّبْه حتى الرقم (100) وسيعمل بكفاءة حتى ذلك الرقم، لكنه لن يملك أي فكرة فيما إذا كان (105) fizz أو buzz.

لكن النظام الهجين الذي طوره الباحثان في شركة DeepMind بدا قادرًا على «فهم» القاعدة وراء اللعبة، وتمكن من التعامل مع أرقام جديدة دون أي مشكلة؛ أي إنه تمكن من تعميم القاعدة للتعامل مع أحداث جديدة تمامًا.

يوافق يان لوكن (Yann Lecun) رئيس قسم أبحاث الذكاء الاصطناعي في شركة (فيسبوك) مع كثير من الانتقادات الموجهة للذكاء الاصطناعي، بأنه يحتاج إلى الكثير من البيانات للتدريب، وبأنه لا يملك حسًّا عامًّا أو بديهة، وبأنه لا يستطيع تعميم القاعدة والاستنتاج. لكنه يصرّ بأنه خوارزميات التعلم العميق قد تمكننا من حل جميع هذه المشكلات في حال وُضعت بصورة صحيحة، كما أنه لا يتفق مع رؤية (تشومسكي) بأن العقل البشري مزوّد بقواعد مسبقة مبنية فيه، وإنما يرى بأن البشر يطورون كل مهارات الاستنتاج عن طريق تفاعلهم مع البيئة المحيطة وحسب. ولكن ومع هذا الاعتقاد فإن السيد (لوكن) يقرُّ بأنه لا يملك فكرة دقيقة عن الطريق الذي سيساعد خوارزميات التعلم العميق على حل هذه المشكلات، التي لا تزال عالقة فيها. هنالك العديد من الاقتراحات التي تبدو واعدة حاليًّا على الصعيد النظري، لكننا لن نستطيع التيقن قبل أن نجربها عمليًّا.

وفي خضم هذه التساؤلات والمحاولات، يطفو سؤال فلسفي على كامل الجدال التقني: هل يعدُّ الحصول على ذكاء اصطناعي مزوّد بحس عام وقدرات استنتاجية شبيهة بما لدى البشر فكرةً جيدة؟!

قرع الدكتور نيك بوستروم (Nick Bostrom) في جامعة أوكسفورد جرس الإنذار عام 2016 محذّرًا من مخاطر الذكاء الاصطناعي ومن إمكانية تطويره لنفسه بسرعة ليتمكن في فترة زمنية قصيرة من تجاوز الذكاء البشري.

هناك أيضًا المهندس ورجل الأعمال (إيلون ماسك-Elon Musk) المقتنع جدًّا بهذه المخاطر، إلى حد تأسيسه لشركة غير ربحية من ماله الخاص بقيمة مليار دولار أمريكي مخصصة لضمان تطوير ذكاء اصطناعي آمن.

يرى بعض الباحثين في المجال أن هذه المخاطر المحتملة يجب أن تعطينا دافعًا أكبر لتزويد الذكاء الاصطناعي بالحس العام؛ إذ إن سذاجة الأنظمة الذكية المتوفرة حاليًّا هي الشيء المخيف، لكنَّ ذكاءً اصطناعيًّا مزوّدًا بشيء من الحس العام لن يمحو البشرية للحفاظ على الموارد الطبيعية لكوكب الأرض؛ مما يجب أن يجعلنا حريصين أكثر على مد أنظمة الذكاء الاصطناعي بشيء من هذا الحس المشترك مع البشر.

ولكن حتى مع ذكاء اصطناعي لا يشكل خطرًا وجوديًّا على البشرية، يبقى الخطر الاجتماعي والاقتصادي قائمًا؛ فذكاء أكبر يعني قدرة على تأدية أعمال جديدة اعتاد البشر تأديتها، مما يعني مزيدًا من تناقص فرص العمل وطبيعة الأعمال التي يتفرد البشر بتأديتها.

وأنتم ماذا تظنون؟ شاركونا آراءكم في التعليقات..

المصادر :

1- هنا

2- هنا