البيولوجيا والتطوّر > الأحياء الدقيقة

رحلة البحث عن مخبأ فيروس نقص المناعة المكتسب لدى البشر، الجزء الثاني

المصابون يساهمون في إيجاد العلاج:

اختُبر هذا المشروع على أجسام أشخاص مصابين بفيروس متلازمة نقص المناعة المكتسبة، وسجلوا تبرعهم بأجسامهم بهدف الدراسة قبل ستة أشهر من موتهم بسبب حالاتٍ غير مرتبطة بنقص المناعة المكتسب. تناول جميع المشاركين مضادات ART عند التسجيل في الدراسة، وطُلب من بعضهم التوقف عن تناوله في أثناء الدراسة. وقد جمع فريق Gianella عينات الدّم في خلال فترة حياة المتبرعين، إضافةً إلى خمسين نوعًا تقريبًا من الأنسجة المختلفة بعد موتهم. وقد أظهرت العينات المأخوذة من الأشخاص الذين توقفوا عن تناول ART أماكن معاودة الفيروس لنشاطه، في حين أعطت العينات المأخوذة من الأشخاص الذين استمروا بتناول العقار أدلةً عن مخابئ الفيروس.

لم يتحقق الباحثون من وجود فيروس HIV في دم المتبرع الأول - الذي استمر بتناول ART - حتى موته، لكنهم وجدوا فيروسات حية تقريبًا في الأنسجة الستة والعشرين التي فُحصت بعد موته. وقد وصفت Janice Clement؛ مختصة البيولوجيا المرضيَّة في جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور/ميريلاند، المشروع بالمذهل، وتقول: "نادرًا ما يستطيع الباحثون الحصول على عينات النسيج بالسرعة الكافية لقياس مستوى وجود الفيروس بعد موت المصاب بفيروس HIV، وهم عادةً لا يعلمون فيما إذا كان الشخص الميت يتناول مضادات الفيروسات القهقرية".

تشرح الصورة المرفقة آلية عمل مضادات الفيروسات القهقريَّة؛ فهي مزيجٌ من الأدوية المضادة لفيروس HIV التي تستخدم يوميًا في معالجة الفيروس، وعلى الرغم من عدم قضائها عليه، نجد أنها تحافظ على حياتنا عن طريق خفض كميَّة الفيروس في الجسم ومنعه من التطور والتسبب بالإصابة، كذلك تحمي الجهاز المناعي وتقلل من خطر انتقال الفيروس.

هل يمكن لفيروس HIV الوصول إلى دماغنا؟

أظهر بحث Clement أن فيروس HIV يميل إلى التمدد إلى الدماغ مسببًا مشكلات عصبية بسبب عجز معظم العقاقير المضادّة للفيروسات القهقريَّة عن عبور الحاجز الدماغي الدمويّ. وفي الاجتماع، قدَّمت Clements وزملاؤها الدليل الأول على أنَّ فيروس نقص المناعة المكتسب عند القرود Simian Immunodeficiency Virus) SIV) الذي يتشابه كثيرًا مع فيروس نقص المناعة البشري HIV يمكنه البقاء على قيد الحياة في الحبل الشوكي لقرود المكَّاك التي أخذت العقاقير المضادة للفيروسات القهقريَّة، ويكون سريع الانتشار بعد توقف الحيوانات عن أخذ العَقار. وتقول Clementd: "إن هذا لا يشبه أي فيروسٍ عالجناه سابقًا".

أما Nicolas Chomont؛ عالم الفيروسات في جامعة مونتريال - كندا، فيقول: "إنَّ سلوك فيروس HIV معقدٌ في الأنسجة التي نعرف أنها مخابئ خاصة به، وتتغير مستوياته صعودًا وهبوطًا. ويُشاع أنَّ هذه المخابئ موجودةٌ في كل مكان، ويمكن أن يكون ذلك صحيحًا بالفعل" ويضيف: "حتى لو كان ذلك صحيحًا، نحتاج أن نفهم إن كانت الفيروسات الموجودة في الدماغ هي ذاتها الموجودة في إصبع القدم الكبير".

يذكر أن تعقب هذه الأنماط عبر الزمن يمكن أن يتطلب تحديد آثار الفيروس في مخابئه عند المصابين الأحياء، وهي مهمةٌ شاقة للغاية. ويقول Thomas Hope؛ عالم الخلية من جامعة نورث ويست إيفانسون - إلينوي: "يجب أن نعرف بالضبط أين نبحث عندما يتعلق الأمر بأحداث شديدة الندرة كهذه".

استخدام تقنية PET في الدراسة:

في اجتماع معهد NIH قدم Hope تقنية تصوير جديدة طُبقت على قرود المكاك المصابة بفيروس SIV، إذ حُقنت الحيوانات بأجسامٍ مضادة ترتبط مع الفيروس، مما جعله مرئيًا بالتصوير المقطعي بإصدار البوزيترون (PET (Positron Emission Tomography لأجسام القرود.

كشفت هذه الطريقة انتشار فيروس SIV عبر الخلايا المخاطية في أحشاء الحيوانات والعقد اللمفاوية في غضون ساعات من العدوى. وكان Hope قد بدأ معالجة قرود المكاك المصابة باستخدام العقاقير المضادة للفيروسات القهقريَّة بهدف تحديد مكان العقار ومدى سرعته في خفض مستويات SIV، مع وضع الباحثين خطةً لإيقاف العلاج بعد ستة أشهر وفحص القردة وتحديد مواقع معاودة نشاط الفيروس.

يذكر أن فريقًا آخر سيبدأ في وقتٍ لاحق من هذا العام واحدةً من أولى دراسات التصوير بتقنية PET على مجموعتين من الأشخاص إحداهما حاملةٌ لفيروس HIV في الدم، والأخرى غير حاملةٍ للفيروس. وبحسب Thomas Henrich؛ الباحث بالأمراض المعدية في جامعة كاليفورنيا - سان فرانسيسكو والمشرف على الدراسة، فإن فريقه يأمل بتقدير ما سيحدث إثر توقف المرضى الذين يتناولون ART عن أخذ العقار. كذلك يرغب فريق Gianella باختبار تقنية تصوير PET على آخر هِبةٍ للمتبرعين المشاركين بالدراسة.

في النهاية، يقول Hope: "يتطلب العمل على الأماكن التي يختبئ فيها HIV من الباحثين أكثرَ من مجرد قياس مستويات الفيروس في الدم". ويضيف: "ستكون الخلايا المناعيَّة الدمويَّة عاملًا ضعيفًا مقارنةً مع المخابئ المجهولة.. نحن نعلم أن الفيروس موجود هناك".

المصدر: هنا