الكيمياء والصيدلة > علاجات صيدلانية جديدة

وداعاً للوخز بالإبر.. طرائق جديدة لتشخيص ومراقبة الداء السكري

لعل أهم التحديات التي تواجه العاملين في المجال الصحي ومرضى الداء السكري هي تشخيصه ومراقبته، إذ يُراقب الداء السكري بقياس تركيز الغلوكوز في الدم عند المرضى، ويسعى المريضُ دومًا إلى إبقائه ضمن الحدود الطبيعية.

وكما نعلم؛ فإنَّ الوسيلة المستخدمة حاليًّا هي شرائط قياس غلوكوز الدم التي تحتاج إلى وخز الجلد للحصول على قطرة من الدم، وتؤخذُ عادة من إصبع اليد؛ كما هو موضح بالصورة. (1).

لكن هل هذه هي الطريقة الوحيدة الممكنة؟ وهل الدم هو السائل الوحيد الذي يمكن قياس تركيز الغلوكوز فيه ومراقبة الداء السكري بواسطته؟

الصورة (1). يُراقبُ غلوكوز الدم حاليًّا بالاستعانة بقطرة من الدم المحيطي ويُحلّل بشرائط قياس الغلوكوز

يمكنُ مقايسةُ الغلوكوز بأكثر من طريقةٍ مختلفةٍ عن الطريقة السابقة، فلنتعرفها معًا..

أولاً:مراقبة تركيز الغلوكوز في الدموع!

اتّخذت الدراسات الجديدة الدموعَ وسيلةً لقياس تركيز الغلوكوز، إذ وُجِد أنَّ تركيزه في الدمع يرتبطُ مع تركيزه في الدم.

وعليه؛ استخدمَت هذه الدراسات عدساتٍ صنعيةٍ تتركبُ من مادةٍ بلوريةٍ غروانيةٍ بوليميرية (PCCA:polymerized crystalline colloidal array)،  تعمل حساسًا لتركيز الغلوكوز في الدمع.

أما آلية ذلك؛ فتكمن في انتباج (انتفاخ) المادة البوليمرية الداخلة في تكوينها بمقدارٍ يتناسب مع تركيز الغلوكوز في الدموع.

و تساعد هذه الخاصة على قياس تركيزه باستخدام أمواجٍ إلكترومغناطيسيةٍ بتواترٍ معين؛ فعند تسليط الأمواج على العدسات؛ تتبعثر هذه الأمواج بطريقةٍ تتوافق مع مقدار انتباجها، ومن ثَمَّ مع تركيز الغلوكوز؛ كما هو موضح بالصورة (2).

صورة(2). تختلف حدة الأمواج الإلكترومغناطيسية أو الضوئية المتبعثرة من العدسات حسب تركيز الغلوكوز في السائل الدمعي نتيجة الاختلاف في مدى انتباج المادة البوليميرية المكونة للعدسات (PCCA)

ثانياً: تسليطُ ضوءٍ على الجلد يُشخّص الداء السكري!

من الممكن أن يكون تسليطُ الضوء على الجلد طريقةً جديدةً لتشخيص المراحل الأولية من الداء السكري وأمراض القلب، لكنَّ هذه التقنيةَ قد تُكون أسهل وأسرع لتشخيص هذه الحالات المرضية مقارنةً بالطرائق المعتمدة حاليًّا؛ كالفحوصات الدموية مثلًا، إضافة إلى إعطائها تقييمًا لعوامل الخطورة المرضية كالوزن الزائد والتاريخ العائلي؛ والتي تؤدّي دورًا كبيرًا في الإصابة بهذه الأمراض.

وتعمل هذه الطريقة على مبدأ بسيط؛ هو أنَّه يمكن للغلوكوز في الدم وسوائل الجسم أن يرتبط عشوائيًّا مع جزيئات العديد من البروتينات المختلفة في الجلد والأنسجة الأخرى.

وفي هذا السياق؛ يُشبِّه "بروس" و"لفينبوتيل" من جامعة غرونينغين في هولندا الغلوكوز بالـ"صمغ" نتيجة لهذه الخاصة. ويُعرف هذا الارتباط بالغلكزة (Glycation)، وينتج عنه بروتينات تُعرف باسم المنتجات النهائية للغلكزة المتقدمة (AGEs: Advanced Glycation End Products).

والجديرُ بالملاحظة هنا أنَّ هذه البروتينات تجعلُ الأنسجة أكثر صلابةً؛ متضمّنةً جدران الأوعية الدموية،  الأمرُ الذي يسهم في ارتفاع ضغط الدم.

إضافةً إلى ذلك؛ وجد العلماء أن هذه الظاهرة هي إحدى أهم الآليات المسببة لمضاعفات الداء السكري؛ فبحسب دراسة أُجريَت من قبل فريق Itzel Uribe Jiménez وزملائه في المكسيك؛ كان تركيز هذه البروتينات في الدوران مؤشرًا جيدًا على توقع خطورة الإصابة بالداء السكري.

تتراكم بروتينات الـ AGEs هذه في أنسجتنا مع تقدمنا في السن، وهذا أمرٌ طبيعي، لكنّ هذا التراكم يكون أسرع عند المصابين بالداء السّكري أو في مراحله الأولية منه لدى الأفراد الذين لم يُشخَّص لديهم بعد.

وهنا وجد العلماء أنه يمكن قياس مستويات هذه البروتينات الأخيرة من خلال الجلد؛ إذ إنّها تعكس الضوء الفلوريسيني المشعّ انعكاسًا مختلفًا عمَّا تفعله البروتينات الأخرى.

وعلى هذا؛ تُطوَّرُ حاليّاً أداةٌ صغيرةٌ يدويةٌ سُميَّت بقارئة الـ AGEs، وهي تصدر ضوءًا فلوريسينيًّا على الجلد، ثم تستقبل الضوء المرتد، ما يمكّنها من قياس كمية الـ AGEs.

وتمكنُ مشاهدةُ الآلية التي تعمل بها هذه الأداة وصورة عنها في الصورة (3).

صورة (3). توضح الصورة (A) الآلية التي يعمل بها الجهاز، في حين توضح الصورة (B) شكل الجهاز الذي يكشف الـAGEs في الجلد

أجرى فريق ولفينبوتيل هذا التحليل في دراسة امتدت 30 سنة في هولندا لأشخاص في حالات الصحة والمرض، وشملت الدراسةُ 70 ألف شخص لم يُعانِ أيٌّ منهم من الداء السكري أو أمراض القلب في بداية الدراسة.

وبعد أربع سنوات؛ وجد الفريق أن خطورة إصابة أولئك الذين لديهم مستويات مرتفعة من هذه البروتينات بالداء السكري أو أمراض القلب كانت أكبر.

وبناءً على ذلك؛ اقترح ولفينبوتيل إمكانية استخدام هذا الاختبار لتقصّي الداء السكري وأمراض القلب في التجمعات السكانية أو الأماكن غير الطبيةِ كالسوبر ماركت، وتجبُ هنا الإشارةُ إلى أنَّ المُشككينَ بهذه الطريقة يرفضون إجراء هذا النوع من الاختبارات على الناس قبل إنهاء المراحل السريرية الداعمة لصحة نتائجها.

وعلى الرغم من أنَّ هذه الطريقة غير مؤذية جسديًّا (ضوءٌ يُسلَّط على الجلد فقط)؛ فقد يكون التشخيص الخاطئ للداء السكري دافعاً لبعض الناس إلى تناول أدوية ذات تأثيراتٍ جانبية دون الحاجةِ إليها.

المصادر:

1. Hu, Yumei, et al. Biosensors and Bioelec-99.

2. هنا

3. هنا