العمارة والتشييد > التصميم المعماري

المنزل المتحرك

هل تخيلتم يومًا أنَّ منازلكم ستتمكَّن من تغيير شكلها عندما تشاؤون؟.. يسعدنا إخباركم بأن ذلك أصبحَ ممكنًا الآن ولن يكلفكم سوى ضغط زرٍّ واحد.

تعالوا معنا في مقالنا الآتي لنصطحبكم في جولةٍ سريعةٍ إلى مدينة طهران للاستمتاع بمشاهدة أحد هذه المنازل المتحركة، الذي اجتمعت الفخامة في تفاصيله وتقسيماته الداخلية مع مرونةِ وروعةِ واجهاته المتحركة التي تشبه "الصناديق"، ممَّا شكَّل اندماجًا أعطى العمارة مفهومًا ورونقًا جديدًا.

يقع هذا المنزل الاستثنائي في شمال مدينة طهران، والتي تُعدُّ منطقةً تعجُّ بالشقق الفخمة، ويعود تصمُيمه إلى المعماري الإيراني علي رضا طالباني الذي حاز مؤخرًا جائزةً في المعرض العالمي للعمارة الذي أقيم في أمستردام نهايةَ العام الماضي.

ولأرضِ المشروع أبعادٌ تتحكَّم بالمخطَّط -على غرار الكثير من المشاريع الأخرى- ممَّا أنتج واجهةً ضيقةً مقارنةً مع طول المبنى باتجاه الداخل، ولمَّا كانت الحاجة أم الاختراع أصبح وجود واجهةٍ متحركة أمرًا لا مفرَّ منه لتعويض ضيق الواجهة، وضغط الزر هو كلُّ ما يلزمك للحصول على منزلٍ بطابعٍ مختلفٍ كليًّا.

صُمِّم المنزل ليحقِّق الانفتاح والانغلاق المستمَد من المنازل التقليدية الإيرانية التي تحوي قسمين للمعيشة؛ قسمًا صيفيًّا وقسمًا شتويًّا مع مراعاة الخصوصية الأسرية التي تُعَدُّ نقطةً حساسة عند الشعب الإيراني.

يتمتَّع المنزل في فترات الصيف بشرفاتٍ كبيرةٍ وفتحاتٍ عديدةٍ تسمح بتهوية المنزل، أمَّا شتاءً فتُغلَقُ هذه الفتحات والشرفات للحفاظ على الحرارة داخل المنزل وإبقاء برد الشتاء القارس خارجًا، وقد أضفى هذا التغير المستمر في المبنى شخصيةً وطابعًا مزاجيًّا متدرِّجًا بين الانفتاح والانطوائية.

يتألف المنزل من سبعة طوابق؛ تضمُّ قبوين لاستراحة العائلة وممارسة الرياضة، وطابقًا أرضيًّا مخصَّصًا لركن السيارات وتدبير المنزل، وتحتلُّ النشاطات الاجتماعية الطابقين الأول والثاني، ويؤمِّنُ الطابقين الثالث والرابع قسمًا خاصًّا بالعائلة.

يتكوَّن المشروع من أربعة أقسام (كتل) رئيسية؛ قسمين ثابتين (fixed) وقسم متحرِّك (mobile) وهو واجهة المبنى، و فراغ (void) محصور بين القسمين الثابتين يسمحُ للضوء بالدخول إلى المبنى في أيام الشتاء خصوصًا عندما يكون القسم المتحرِّك مغلقًا ويحوي ممرَّاتٍ معلَّقةً تربط القسمين الثابتين ببعضهما.

من الأمور الرائعة حول هذا المنزل تكيُّفه مع احتياجات ساكنيه، إذ يتغير ترتيب ووضعية الغرف الخاصة بالضيوف -الموجودة في الطابق الثاني- مثلًا في حال وجود ضيف، ويمكن أن تغيِّرَ المكاتب وغرف تناول الطعام -الموجودة في الطابقين الأول والثالث- بعضًا من تفاصيلها المتعلِّقة بالمظهر تبعًا لرغبات القاطنين، ويستطيعُ القاطنون التمتُّع دائمًا بظروف إضاءةٍ تعطي انطباعاتٍ مختلفة، وقد يكون بعض هذه "السيناريوهات" موجودًا افتراضيًّا في نظام إدارة المبنى (BMS program).

أُنشئت نافورةٌ مائية بدءًا من الحدِّ الفاصل المسموح بالبناء ضمنه ولمسافة 3 أمتار باتجاه الداخل، ممَّا أمَّن إضاءةً كافيةً ومميزةً لطابقي القبو، إذ تنكسرُ أشعةُ الشمس أثناء اختراقها الماء وتعطي انعكاسات في غاية الروعة.

استُخدِمت في تدوير الصناديق (الغرف) نفس الآلية البسيطة المستخدمة في تحريكِ أرضيات المسارح ومنصَّات عرض السيارات، وصُنِع النظام الإنشائي في ألمانيا وفقًا لرغبة المالك صاحب العلاقات بشركاتٍ صناعيةٍ ألمانيةٍ متقدمةٍ في مجال التحكُّم الرقمي باستخدام الحاسوب، ممَّا أتاح له إمكانيَّة جعل البعض من موظفيه يتدخلُّون في عملية التصنيع لإكسابهم بعض الخبرة ليتمكَّنوا من أداء عمليات الصيانة مستقبلًا.

شكَّلت تفاصيلُ الدرابزون ونظام التحكم بتهوية المبنى قضيةً أساسيةً في تصميم الغرف المتحركة، وكان الحل الأمثل باستعمال درابزون قابل للطي، وشُطِفت حواف الصناديق لجعلها تتحرَّك بسلاسة.

نُمذِجت المنشأة حاسوبيًّا وطُبِّقت التحليلات الستاتيكية والديناميكية على المبنى باستخدام برنامج sap2000، وقد أخذت الشركة المصنَّعة بالحسبان أن تكون الحمولات الرئيسية محملَّةً على جوائز غرف المعيشة على نحوٍ أساسي كون المنزل يتحرَّكُ جزئيًّا.

وبسبب تعدُّد الوضعيات التي يمكن أن تأخذها الغرف صُمِّمت الجملة الإنشائية على أكبرِ تراكبٍ ممكنٍ للحمولات مع التحكُّم في مرحلة التصميم بدرجة الاهتزاز المتوقَّع أثناء الحركة لمنع تعرُّض الغرف المتحركة لتشوهاتٍ دائمة.

إنَّه منزلٌ رائعٌ فعلاً، لكنكم ستعيدون التفكير مليًّا قبل شراء واحد مثله إن علمتم سعره، إذ بلغت تكلفة بنائه وتصميمه قرابة 4 مليون دولار، وصُرِفَ سبع هذا المبلغ لإنشاء الغرف المتحركة.

وإنَّ ما كان في الماضي مجرد أوهامٍ وتخيلات أمسى اليوم واقعًا ملموسًا، فإلى أين ستصل بنا عجلةُ التقدُّم العلمي والتكنولوجي وإلى متى ستستمر بمفاجأتنا؟

المصدر: 

هنا

هنا