كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

معجم ميشيل فوكو مدخل نحو فلسفته

ولد ميشيل فوكو في "15 تشرين الثاني/أكتوبر من عام 1926، وتوفي في 25 حزيران/يونيو 1984" فيلسوفٌ فرنسيٌّ كان يحتل كُرسيًّا في الكوليج دو فرانس، أُطلقَ عليه اسم "تاريخ نظام الفكر"، يُعتبر من أهمِّ فلاسفة ِالنصفِ الأخيرِ من القرن العشرون؛ إذ عالج عدَّة مواضيعٍ جدليَّةٍ مثل الإجرام والعقوبات والممارسات الاجتماعية في السجون، وابتكر مُصطلح "أركيولوجية المعرفة".

يوضِّح الزواوي "المترجم" رؤيته لتيار أساتِذة الفلسفة في العالمِ العربيِّ، فيستثني منهم القليل مثل أعمال المُفكر جورج طرابيشي "معجم الفلاسفة" وبعض الإشارات من المؤلفات العامة، وحسب وجهة نظره؛ فإنَّ المجتمع العربي يفتقد الأعمال الناشئة في المجالِ الفلسفيِّ، ويوضِّح أنَّ الحالة العامة تُعاني من نقصٍ كبيرٍ في التأليف الذي يَعرض ويناقش المذاهب والتيارات والمدارس الفلسفية، وقد نشأت هذه الظاهرة بعد ما قدَّمه جيل الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين؛ مثل زكريا إبراهيم، وعثمان أمين...إلخ.

وهذا ما أنتج نقصًا كبيرًا في القواميسِِ والمعاجم الفلسفيَّةِ، وخاصةً العربية منها، ويوضِّح المترجم في مقدمته فكرةً في غايةِ الأهمية عند قراءة  هذا العمل؛ وهي الالتزام بفلسفة فوكو التي تقرُّ بأنَّه "لا وجود للجوهر والثبات"، فما سوف يقدِّمهُ هُنا هو ترجمةٌ للمصطلحاتِ الفلسفيَّةِ كما قدمها فوكو "حسب سياقها التاريخي"، وهذا بهدف تتبع المصطلحات نحو مرحلةٍ أعمق من التفهم والتشرُّبِ لها.

والمؤلفة "جوديث ريفال" تصف عمل فوكو الفلسفي بأنَّهُ يمتازُ بالتعقيدِ والأسلوب الباروكيّ "baroque"؛ وهي كلمة برتغالية تعني الغريب الشكل والغير متناسق؛ ويشير إلى أسلوبٍ فنيٍّ ظهر في أوروبا في القرن السادس عشر وامتد حتى القرن الثامن عشر.

تصف فوكو بقدرتهِ على اقتباس المصطلحات الفلسفية الموروثة من قبل المفكرين الآخرين، وتحويلها ليبدع مفاهيمًا جديدةً، حتى أنَّه يرفع كلمات عامة ومتداولة نحو مفهومٍ فلسفيٍّ مميَّزٍ، تصف المؤلفة مصطلحات ميشيل فوكو عندما بالمختبرِ الفلسفيِّ، وتعني بذلك أنَّ المصطلحات تُنتج وتثبَّت ثم تُختبر، وقد تُترك أو تتحول وتتوسع عبر حركة دائمة من الاستئناف والانتقال، وتشير إلى أنَّ تمنياتها لهذا العمل بألَّا يكون مجرَّد مجموعة من الألفاظ المرقمة بحسب الترتيبِ الأبجديِّ، وإنما أن يكون محاولةً لإعادة بناء التنوع في الإشكاليات المتعاقبة أو المركبة.

معجم ميشيل فوكو:

يخوض المعجم  في شرح ثلاثة وثلاثون مصطلحًا، وقد بُنيت أهمية هذه المصطلحات واختيرت حسب رأي الكاتبة، وأوضحت في الكتاب أنَّ الخوض في تطوير المصطلحات والتعريفات التي استخدمها فوكو يعود بنا إلى كتاب "أقوال وكتابات" الذي قدَّمه، وسوف يشار إليه بالمعجم الذي نلخصه حاليًّا بعلامة "DE".

يناقش الكتاب مجموعةً من المصطلحات بَدءًا من مصطلح "الآنية" وانتهاءً بمصطلح "الحقيقة"، وتُقدَّم المصطلحات عن طريق رؤية فوكو إليها، وهذا عبر مسيرةٍ فكرية عالجت أهم الأفكار التي يقوم عليها المجتمع، وسوف نعرض شيئًا منها بإيجاز.

يُوصف مصطلح "الرقابة" الذي تكرَّرَ في معجم فوكو بطريقةٍ دائمةٍ ومستمرة ابتداء من عاميّ 1971-1972، وكان "مصطلح الرقابة" يعني في البداية سلسلة من آليات الرقابة التي ظهرت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ولم تكن وظيفته معاقبة الانحراف بل تصحيحه، فلم يعد مفهوم الرقابة بعد القرن التاسع عشر قائمًا على ما يفعله الأفراد وإذا ما كان هذا الفعل يتناسب مع القانون أم لا، بل أصبح قائمًا على فكرة "ما يمكن أن يفعلوه بالأفكار"، وعلى ما هم قادرون على فعله، وعلى المواضيع التي في استطاعتهم فعلها وعلى وشك فعلها، ويتناسب هذا الامتداد للرقابة الاجتماعية مع: توزيع مكاني جديد للثروة الصناعية والزراعية.

وإضافةً إلى ذلك؛ يرى فوكو أنَّ الرقابة يجبُ ألَّا تقتصرَ على العدالة فقط، وإنَّما عبر السلطات الجانبيَّة الأُخرى "مؤسسات علم النفس، التحليل النفسي، علم الإجرام، الطب، علم التربية، آليات المساعدة، الجمعيات الخيرية".

توضَّح في أقسام أُخرى فكرة فوكو عن الجسد والجنسانية؛ الاستثمار السياسي، وقسَّم ذلك إلى تيارٍ سياسيٍّ يرُاقَبُ به الجسد، فيكون وسيلةًَ تحت يد السلطة عن طريق التعذيب والتمثيل والترويض، بدءًا من المدرسة وانتهاء بالمصنع، ودخل فوكو من هذا الباب إلى علم الجنسانية "بوصفها ظاهرة تاريخية وثقافية نعترف بها". وشارك في هذه المرحلة محادثاتٍ مع الحركة المثلية "المثليين جنسيًّا"، وأنَّ هذا لمثالٌ واضحٌ عن الصراع والنضال من أجل الأجساد، وهو أحد العوامل التي تشير إلى أنَّ الجنسانية مسألة سياسية، وقد نَشر كتابه "تاريخ الجنسانية" في العام 1984.

يفصل ميشيل فوكو في القسمَين المتتاليَين في "جمالية الوجود" و"الأخلاق" بأنَّ هناك نمطَين من الأخلاق مختلفَين جذريًّا، وهما الأخلاق اليونانية الرومانية المتجهة نحو الخلق، وتتعلق بأن نجعل للحياة أثرًا فنيًّا "التي يُقصد بها جمالية الوجود"، والأخلاق الدينيَّة التي تتعلق بطاعة نظامٍ من القواعد؛ وهذا ما يُفقِد الأخلاق قيمتها الذاتية، فتبدأ بالانحدار حتى الاختفاء جزئيًّا، وتشير الكاتبة في هذه الأقسام إلى رؤية فوكو في الفَصل بين هذين النمطَين من الأخلاق وعلاقتهما بجمالية الوجود، ومن هذه الشروحات تُستخدَم كلمة "الأفروديزيات" في وصف المادة الأخلاقية الأساسية عند الحضارة اليونانية، أو ما سُمِّيَّ بالنمط الأخلاقي المتجه نحو الخلق، وقد وردت هذه الكلمة نسبةً إلى آفروديت؛ آلهة الحب والجمال والجنس في الحضارة اليونانية، وفي تحديده لهذه الكلمة بيَّن فوكو أن هذه الأفروديزيات لا تُحدِّد قائمة الممنوعات والمسموحات "كما هو الشأن في المسيحية" بقدرِ ما تعبِّر عن صياغة عامة للممارسة الجنسية، وتتناول العمر الذي يُستحسَن فيه الزواج وإنجاب الأولاد، والوقتَ الذي يجب أن تُمارس فيه العلاقة الجنسية.

يقول ميشيل فوكو: "اجعل من حياتك أثرًا فنيًّا"، ولمَّح إلى هذه الفكرة في ثنايا نصوصه الأدبية العديدة في سنوات الستينيات.

يشير ميشيل فوكو في قسم "الجينالوجيا" في كتابهِ "الكلمات والأشياء"، إلى أنَّ الجينالوجيا أعمقُ من دراسةِ الأصلِ والعودةِ إلى التاريخ، بل هي دراسةٌ معرفيَّةٌ للآنية بالكامل، ويسمح علم الجينالوجيا بالنظر إلى أيِّ موضوعٍ بطريقةٍ متناسقةٍ ومنسجمةٍ، وذلك بدءًا من نصوصه الأولى حتى نصوصه الأخيرة، ويشير فوكو إلى أنَّ ثمة ثلاثة ميادين جينالوجية في حوزتنا؛

·         جينالوجيا تاريخية عن نفسها أو عن ذاتنا، وفي علاقتنا مع الحقيقة.

·         جينالوجيا مع السلطة، التي تسمح لنا بأن نتشكل أو نتكوّن بوصفنا موضوعًا أو ذاتًا فاعلة على الآخرين.

·         جينالوجيا أخلاقية، التي تسمح لنا أن نتشكل أو نتكوّن بوصفنا فاعلين أخلاقيين.

تُكمل الكاتبة مسيرة التعريفات مثل "السلطة، العقل/العقلانية، المقاومة/الاختراق، المعرفة، الجنسانية" وغيرها من التقديمات التي توضِّح رؤية فوكو، وتتناول بها تفسيره للنص الذي قدمه الفيلسوف إيمانويل كانط "ما التنوير؟".

يمثِّل هذا الكتاب الواقع في 136 صفحة مفتاحًا للدخول إلى عمق فلسفة ميشيل فوكو ورؤيته للمجتمع والسياسة الحيوية، ولِمَ كان مهتمًا جدًا باللغويات مثل معظم الفلاسفة، فإنّه يجب علينا تفهُّم تعريفه للمصطلحات التي اعتمد عليها في تقديمه، يُعتبر الكتاب باب الدخولِ الأمثل نحو عالم فوكو ودراسة أعماله الكبيرة.

معجم المصطلحات:

1- الآنية

2- الأركيولوجيا

3- الأرشف

4- التنوير

5- المؤلف

6- السياسة الحيوية

7- الرقابة

8- الجسد

9- الخارج

10- الانضباط

11- الخطاب

12- الجاهزية

13- الابستيمية

14- جمالية الوجود

15- الأخلاق

16- الحدث

17- التجربة

18- الجنون

19- الجينالوجية

20- الحكمانية

21- الحرب

22- التاريخ

23- المعيار

24- السلطة

25- الأشكلة

26- العقل

27- المقاومة

28- الجنسانية

29- الاهتمام بالنفس

30- التذويب

31- الذات

32- الحقيقة

معلومات الكتاب:

العنوان: معجم ميشيل فوكو.

الكاتبة: جوديت ريڤال.

قدَّمت هذا الكتاب جوديت ريڤال؛ وهي أستاذة الفلسفة المعاصرة في جامعة باريس الغربية "ننتير"، ومن أهم أعمالها:

-          ميشيل فوكو، تجارب الفكر، قُدِّم في عام 2005.

-          ميشيل فوكو، فكر الانفصال، قُدِّم في عام 2010.

-          سوء فهم فلسفي: فوكو - دريدا، قُدِّم في عام 2014.

ترجمة وتقديم وتعليق: الزواوي بغوره، أستاذ الفلسفة المعاصرة بقسم الفلسفة، كلية الآداب، جامعة الكويت.

دار النشر: دار سؤال للنشر، لبنان، بيروت.

دار صوفيا للنشر، الكويت، حولي.

تاريخ النشر: 2018.

عدد الصفحات: 136.