الطبيعة والعلوم البيئية > علم الأرض

جبالُ الأنديز ولغز أصل القارَّات

لقد شغل لغز تشكُّل القارات ومنشئها بالَ العلماء والباحثين مدة طويلة، ولكن قد يحلُّ بحث جديد ذلك اللغز ويقدِّم تصوُّراً جديداً عن نشأة قارات الأرض.

فتعرَّفوا معنا القصة الكاملة.

تُعَدُّ جبال الأنديز أطول سلسلة جبال متواصلة في العالم؛ إذ تمتدُّ على طول 7000 كيلومتر على الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية، وتُعدُّ حافة الأنديز -حيث تلتقي الصفيحتان التكتونيتان د- مثالاً لانزلاقٍ تكتونيّ ثابت ومستمرٍّ انزلقت فيه صفيحةٌ تحت الأُخرى لتشكِّل في النهاية نطاق الجبل الذي نراه اليوم.

تبين الصورة جبال الأنديز على السواحل الغربية لأمريكا الجنوبية

وقد عمل باحثون من جامعة (رايس) -في موضوع البحث عن لغز تشكُّل القارات- على بحث جديد يجمع بين عنصر ضئيل مفقود؛ وهو صخرة عمرها 66 مليون سنة دفنها بركان قديم، وقاعدة بيانات للتركيب الكيميائي لجميع الصخور التي حلَّلها العلماء في القرن الماضي، وذلك للإجابة عن السؤال: لم توجد قارات على سطح الأرض؟ وأين تنشأ؟

وفي ورقة نُشِرت في مجلة Nature Communications؛ كان الجواب الأول: حيث نشأت الجبال نشأت القارات.

وقد قال الباحث الرئيسي (مينغ تانغ) من جامعة (رايس): "إنها مثل الأحجية، هناك جزء مفقود في هذا اللغز القارِّي، ويبدو أننا وجدنا الإجابة".

وأضاف: "إنَّ معظم مناطق الأرض مستوية حاليّاً؛ لأنها الحالة المستقرة للقشرة القاريَّة، لكننا وجدنا أنه عند تشكُّل القشرة بدأت عمليات بناء الجبال. وإذا كانت نتائجنا صحيحة؛ فإنَّ كل قطعة أرض نجلس عليها الآن قد بدأت مع عمليات بناء الجبال بسطوح جبلية، مثل الأنديز أو التبت".

صورة جوية لجبال الأنديز

الحلقة المفقودة:

إن الحلقة المفقودة هي معدن نادر يدعى النيوبيوم niobium؛ إذ يوجد في الطبقة الوسطى من الأرض التي تُدعى "الوشاح"، وكذلك يوجد في القشرة المحيطية -قشرة الأرض الخارجية المغطاة بالبحار والمحيطات- إلى جانب "النيوبيوم" معدنٌ نادر آخر هو "التنتالوم"، ويوجد هذان العنصران بنسب ثابتة عادة.

ويتّصف هذان العنصران بخواص كيميائية متشابهة جدّاً ويؤدِّيان سلوكاً متماثلاً تقريباً في معظم العمليات الجيولوجية؛ فإذا قِسْتَ نسبتَي "التنتالوم" و"النيوبيوم" في القشرة الأرضية فسوف تجدهما متماثلتين تقريباً؛ وهذا يعني أنه عندما تجد مزيداً من "النيوبيوم" في صخرةٍ ما؛ ستجد مزيداً من "التنتالوم". وعندما تجد قليلاً من "النيوبيوم"؛ ستجد قليلاً من "التنتالوم" أيضاً.

النيوبيوم

التنتالوم

إنَّ القشرة القاريَّة غريبة وفقيرة نسبيّاً بالنيوبيوم، وقد عَلِمَ مختصو الجيولوجيا بهذا الاختلال عقوداً مضت، وأرجعوا السبب إلى كونِ العمليات الجيوكيميائية المنتجة للقشرة القارية تزيل "النيوبيوم" منها، فالسؤال: أين "النيوبيوم" المفقود؟

دفع هذا السؤال المزعج الباحث تانغ إلى قضاء وقت فراغه في الاطلاع على قاعدة بيانات "جيوكيمياء صخور المحيطات والقارات" GEOROC التابعة لمعهد ماكس بلانك، التي تحتوي على مجموعة شاملة من تحليلات الصخور البركانية؛ ذلك أنَّ محتوى القشرة القاريَّة من "النيوبيوم" هو أقل بنسبة 20% من المحتوى المفروض مقارنة بصخور بقية المناطق، وعلى الرغم من وجوده على نحو طبيعي في عديد من مناطق الانزلاق القاري لكنَّه مفقود أيضاً في مناطق محددة مشكِّلَة الجبال -مثل منطقة جبال الأنديز- ومن المرجّح أن هذا النقص مرتبط بلغز تَشكُّل القارات، وأنّنا باكتشاف سبب النقص سوف نقترب خطوة من إدراك عملية تشكّل القارات.

صورة جوية لجبال منطقة تييرا ديل فويغو في أوشوايا، الأرجنتين.

قصة الزينوليت (الصخور الدخيلة):

تُعرَف المناطق التي تتشكل فوق الانزلاقات القارية مثل منطقة جبال الأنديز باسم "الأقواس القارّية"؛ وهي مناطق ذات طابع خاص لأن سماكة القشرة هناك تبلغ ضعف سماكة القشرة القارية العادية. ولسوء الحظ؛ فإن تركيب الصخور الكيميائي في قاع تلك الصفائح ما يزال لغزاً؛ إذ لا يمكن الوصول إليها.

الزينوليت

وعندما تتحرك الصفائح التكتونية تحت قشرة الأرض وتدخل الوشاح، فإنها لا تختفي؛ بل تغرق نحو اللب مثل غرق الأوراق في قاع البحيرة.

وعندما تغرق هذه الصفائح، فإنها تحتفظ ببعض شكلها، وتكشف عمَّا بدا عليه سطح الأرض منذ ملايين السنين.

ولحسن الحظ؛ كانت جبال "سييرا نيفادا" في غرب الولايات المتحدة الأمريكية منطقة نشطة في بناء الجبال، مثل جبال الأنديز اليوم.

ولفَهْم هذه الظاهرة؛ حُلِّلَتْ عينة من الصخور التي تشكلت قبل 66 مليون سنة ودُفِعت إلى السطح في انفجار بركاني منذ 25 مليون سنة.، إنَّ هذه الصخرة -التي تسمى الزينوليت (الصخور الدخيلة)- تشكلت في الأصل في عمق "سييرا نيفادا" عندما كانت المنطقة قوساً قاريّاً نشطاً، ومن المرجّح أن تكون هذه الصخرة دليلاً لفهم القشرة الأرضية أسفل جبال الأنديز؛ إذ كشف التحليل عن احتواء "الزينوليت" على محتوى إضافي من "النيوبيوم" وهذا ما يُرجِّح وجود "النبيوبيوم" المفقود في أسفل الأقواس القارية.

ويعود محتوى "النيوبيوم" المرتفع إلى كونه يُحتجَز عميقاً بسبب الظروف الفريدة تحت هذه الطبقة السميكة من قشرة الأرض وهي الأقواس القارية؛ إذ يتعرض الوشاح لضغط مرتفع يؤدِّي إلى تبلور أحد فلزات "التيتانيوم" وهو "الروتيل"، ويحتجز هذا الروتيل كميات كبيرة من "النيوبيوم" على عكس "التنتالوم" الذي تكون كميته أقل، ويتصف "الروتيل" بالكثافة العالية، لذلك يغوص عميقاً في القشرة بينما ترتفع الصخور الأخرى نحو السطح.

وبذلك؛ فإنّ القشرة القارية العادية تفتقر إلى "النيوبيوم" الذي من المحتمل أن يكون قد تشكَّل في ظروف الأقواس القارية. وهذا يعني أن أماكن مثل الأنديز قد شَهِدَتْ بدايات القارات التي نعرفها اليوم.

ومن يَعلم! ربما بدأت أية قطعة أرضية نقف عليها اليوم بهذه العمليات.

المصادر:

هنا

هنا

هنا