الهندسة والآليات > التكنولوجيا

كيف يمكن تزويد الذكاء الاصطناعي بحسٍّ عام وسرعة بديهة؟

منذ عدة سنوات؛ كان يتابع المبرمجون في شركة DeepMind بحماسٍ برنامجَ ذكاءٍ اصطناعيٍّ من تطويرهم. وقد علَّم نفسه كيفية لعب لعبة Breakout (وهي لعبة إلكترونية بسيطة عبارة عن رمي اللاعب كرةً على حائط من الطوب لكي تختفي الطوبة التي تصدمها الكرة).

استخدم المبرمجون تقنيةَ التعلُّم العميق Deep Learning التي تُزوّد برنامج الذكاء الاصطناعي بكميات ضخمة من البيانات، وفي النهاية يبدأ البرنامج بتمييز بعض الأنماط ضمن هذه البيانات. في حالة لعبة الطوب هذه؛ كانت البيانات التي زُوِّد البرنامج بها عبارة عن الفعاليات التي تظهر على الشاشة؛ أي مجموعة البكسلات التي تُمثِّل الطوب، وتلك التي تمثل الكرة، إضافةً إلى المضرب الذي يستخدمه اللاعب في ضرب الكرة. ولم يُزوَّد برنامج الذكاء الاصطناعي بأيِّ معلومات مُسبقة عن قواعد اللعبة أو كيفية لعبها؛ بل تُرك ليتفحص نتائج كل فعل من أفعاله وإلى ماذا تقود. فشل أداء البرنامج فشلًا ذريعًا في أثناء محاولات اللعب الأولى، ولكنْ مع المحاولة رقم 600 أصبح البرنامج يُطبِّق حركاتٍ تُماثل تلك التي يُطبِّقها اللاعبون البشر الخبراء في لعبة الطوب هذه. وساد نوع من الاعتقاد حينها بأن برنامج الذكاء الاصطناعي قد أظهر قدرة على استخلاص المفهوم القائم وراء اللعبة؛ أي إنه أبدى قدرًا من محاكاة التفكير البشري ومن ثم الإدراك البشري.

لم يَدُم هذا الاعتقاد طويلًا؛ إذ أعاد علماء حاسوب في شركة Vicarious عام 2017 اختبارَ لعبةِ الطوب على برنامج ذكاء اصطناعي يُطوَّر ليكون شبيهًا بذلك الذي استخدمته شركة DeepMind. بعد تأدية البرنامج عددًا من المحاولات توصّل -كما السابق- إلى احتراف اللعبة. وأدى العلماء بعد ذلك تغييرات بسيطة في اللعبة؛ إذ جعلوا المضرب الذي يقذف الكرة أعلى قليلًا مرةً، وأضافوا منطقة لا يمكن للكرة تحطيمها في وسط منطقة اللعب في مرة أخرى. يمكن للاعبٍ بشريٍّ أن يتأقلم مع هذه التغييرات البسيطة بسرعة، ويعود إلى أدائه السابق المحترف في اللعبة، ولكن الوضع كان مختلفًا مع برنامج الذكاء الاصطناعي؛ إذ استمر في اللعب بالطريقة نفسها التي احترفها سابقًا، ولم يُبدِ قدرةً على التأقلم السريع مع الوضع الجديد.

يُعلِّق على ذلك أحدُ علماء الحاسوب القائمين على التجربة؛ فيقول: «نحن البشر لا نُميِّز الأنماط فحسب؛ بل نبني نماذج مفاهيمية عن الأشياء التي نراها أو نختبرها، فنفهم السبب والتأثير». نملك نحن البشر مخزنًا من الحسِّ العام والبديهة التي تُساعدنا في كثير من المواقف المختلفة؛ ولهذا فإننا عندما نُصادف لعبة الطوب التي عُدِّلت قليلًا نفهم أنها مشابهة لسابقتها، وهي على الأغلب تملك القواعد والأهداف نفسها. في حين لم تفهم خوارزمية الذكاء الاصطناعي أيَّ شيءٍ عن مفهوم اللعبة، وكل ما فعلته هو ملاحقة الأنماط التي عندما تغيرت وجب على الخوارزمية إعادة التعلم من جديد دون الاستفادة من الخبرة التي اكتسبتها عن اللعبة السابقة قبل التغيير.

تُشكِّل خوارزميات التعلم العميق عصبَ تطبيقات الذكاء الاصطناعي المحيطة بنا؛ إذ تعتمد Alexa عليها في تمييز الكلام، وكذلك سيارات Waymo الذاتية القيادة، إضافةً إلى تطبيق Google للترجمة. وتوظف شركةُ Baidu التقنيةَ الصينيةَ أكثر من 2000 مهندس ليعملوا على تلك الخوارزميات. وعلى مدى سنوات يبدو من الواضح أنَّ تقنيات التعلُّم العميق تلك ستستمر في التحسن دون توقف حتى الوصول إلى مستوى ذكاء مرن وشامل مشابه للذي يملكه شخصٌ بشري.

ولكن؛ يُصرح بعض العلماء اليوم بأن تقنيات التعلم العميق ستصطدم بجدار ما؛ إذ إنه بطريقة خوارزميات التعلم العميق ذاتها لن تنتج يومًا ذكاءً عامًّا؛ لأن الذكاء العام المماثل للذكاء البشري ليس قائمًا فقط على تمييز الأنماط؛ بل يُنبِّهون بأنه علينا إيجاد طريقة لإكساب الذكاء الاصطناعي بعض التفكير النقدي؛ وهي التي -في حال نجاحنا بتزويده بها- ستُثمر عن مجموعة كبيرة من الأجهزة الأكثر أمنًا وفائدة للجميع.

ولكن كيف تبدو المحاكمة المنطقية لآلة؟ وإذا كانت تقنيات التعلم العميق عاجزةً عن إيصالنا إلى هذه النقطة؛ فهل من حل آخر على المدى المنظور؟

تابعونا في مقالنا المقبل..

المصادر :

1- هنا