الطبيعة والعلوم البيئية > زراعة

هل تُسهم النباتات في تغيُّر المناخ أيضاً؟!

تزدادُ نِسب ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي يومياً نتيجة النَشاطات البشرية المختلفة؛ ما يؤثِّر سلباً على جميع عناصر البيئة، ولكن ما تأثير ذلك على النباتات خصوصاً؟ وكيف لهذا التأثير أن يساهم بدوره في تغيُّر المناخ؟

تابعوا معنا هذا المقال عن أحدث الدراسات التي تجيب عن هذه الأسئلة...

لاحظَ علماءُ النبات - عند ارتفاع مستويات ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي - أنَّ معظم النباتات تنجز عملاً غيرَ اعتيادي وهو زيادة سماكة أوراقِها، وبما أنَّ نشاطات الإنسان تزيد من نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي فإننا سنلاحظ انتشار النباتات ذات الأوراق الثخينة في المستقبل.

وكذلك فإنَّ نتيجة هذه الاستجابة الفيزيولوجية قد تتَّسع لتؤدِّي إلى تأثيراتٍ تفوقُ زيادة ثخانة أوراق النباتات فحسب؛ إذ اكتشف عالمان اثنان من جامعة واشنطن أنَّ من شأن هذه الزيادة أن تؤدِّي إلى تفاقم آثار تغيُّر المناخ لأنَّها تخفض كفاءة النباتات في عزل الكربون الجوي، وهو جانبٌ لا تأخذه نماذج دراسة التغيُّر المناخي في عين النظر.

وقد أعلن باحثون من جامعة واشنطن في بحثٍ نُشر في مجلة Global Biogeochemical Cycles أنَّهم عندما دمجوا هذه المعلومات مع نماذجَ عالمية لدراسة المناخ - عند شروط مستويات ثاني أوكسيد الكربون الجوي المرتفعة المتوقَّعة لاحقاً في هذا القرن - فإنَّ معدَّل امتصاص الكربون المتوقَّع إنجازه من قِبل النباتات سيكون أقلَّ نسبياً؛ تاركاً قرابةَ 5.8 بيتاغرام أو ما يعادل 6.39 مليون طن من الكربون غير الممتصِّ في الغلاف الجوي سنوياً.

وإنَّ هذه المستويات من الكربون تماثل كمية الكربون المنطلِقة في الغلاف الجوي كلَّ عام نتيجة انبعاثات الوقود الأحفوري الناتجة عن النشاطات البشرية والتي تقدَّر بـ 8 بيتاغرام أو 8.8 مليون طن.

ولدراسة تأثير تثخُّن الأوراق على المناخ؛ جمع علماء النبات كمِّيات كبيرة من البيانات عن الاستجابة بتثخين الأوراق لمستويات ثاني أوكسيد الكربون المرتفعة، متضمِّنةً مستويات ثاني أوكسيد الكربون الحيوية التي قد نشهدها قريباً في هذا القرن، وقد اتُّفقَ على دمج الآثار الفيزيولوجية المعروفة لتثخين الأوراق على نماذج المناخ لاكتشاف أيِّ أثرٍ (إن وجد) قد يسببه هذا التثخين عالمياً.

وقد جُمعت وأُعدَّتِ البيانات المستخلَصة عبر سنوات من التجارب حول كيفية تغيُّر استجابة أوراق النبات للظروف البيئية المختلفة في دراسة للباحثين في أوروبا وأستراليا، وكذلك دُمجتِ البيانات المستخلَصة عن استجابات ثاني أوكسيد الكربون في نماذج نظام الأرض المستخدَمة على نطاق واسع لعرض أثر العوامل المختلِفة على أنماط المناخ العالمي.

وتتَّصف النباتات بالمرونة والاستجابة لمختلف الظروف البيئية، لكن حتى الآن لم يعمل أحدٌ على تحديد تأثير هذا النمط من الاستجابة على دور النباتات في كوكبنا.

وإضافة إلى معدَّلات امتصاص الكربون المنخفضة، فإنَّ درجات الحرارة العالمية قد تزداد بمقدار 0.3 إلى 1.4 درجة مئوية أعلى من الزيادة التي توقَّعها باحثو ودارسو التغيُّر المناخي.

وإن كان لهذه الحالة - وهي زيادة ثخانة الأوراق في مستويات ثاني أوكسيد الكربون - أثرٌ كبير في مجال التغيُّر المناخي المتوقَّع؛ فمن المهم أن تأخذ نماذج تغيُّر المناخ بعين النظر الجوانبَ الأُخرى من فيزيولوجية النبات وسلوكه عند العمل على توقُّع الحالة المناخية المستقبلية.

ولا يعلم العلماء السبب الكامن وراء تثخُّن أوراق النباتات عند ارتفاع نسب ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، لكنَّ هذه الاستجابة قد لوحظت لدى أنواع مختلفة من النباتات كالأشجار، والمحاصيل الرئيسة كالأرُزِّ والقمح والبطاطا، وأنواع أخرى من النباتات التي تمارس عملية "التمثيل الضوئي ثلاثي الكربون"*، وهو أحد أنواع التركيب الضوئي والذي يمثّل نسبة 95 % من أنواع التركيب الضوئي على سطح الأرض.

يمكن للأوراق أن تثخن بقيمة ثلاثة أضعاف؛ ما يغيِّر من نسبة السطح إلى كتلة الورقة، ويغيِّر نشاطات الورقة مثل التركيب الضوئي وتبادل الغاز والتبريد التبخري وتخزين السكر. وكذلك تُعدُّ النباتات مؤثِّراتٍ مهمَّة على البيئة، فبدونهم لن يحتوي الغلاف الجوي للأرض على الأوكسجين الذي نتنفَسه، وقد كانت استجابة تثخين الأوراق هذه نقطة بداية مثالية لفهم تأثير التغيُّرات في فيزيولوجيا النبات على مناخ الأرض.

يُقدَّر حالياً تركيز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي بقرابة 410 أجزاء في المليون، ويمكن أن يرتفع في هذا القرن ليصل إلى 900 جزء في المليون، في حين كان تركيز ثاني أوكسيد الكربون المستخدم في الدراسة 710 أجزاء في المليون، وقد اكتشف الباحثون عن طريق الدراسة أيضاً أنَّ آثار هذه الظاهرة قد تكونُ أسوأ في مناطق محددَّة من العالم، على سبيل المثال أظهرت أجزاء من كتلة أوراسيا (الكتلة الأرضية المؤلَّفة من آسيا وأوروبا) وحوض الأمازون زيادةً متوقَّعة في درجات الحرارة، ومن المحتمل أن تعيق الأوراق الثخينة في هذه المناطق عمليات التبريد التبخري للنباتات وتشكيل الغيوم.

ونحن نأمل أن تُظهِر هذه الدراسة ضرورة أخذ  استجابات النبات لتغيُّر المناخ في عين النظر في توقُّع المناخ المستقبلي؛ إذ توجد العديد من التغيُّرات في فيزيولوجيا النبات وسلوكه والتي قد تطرأ نتيجة تغيُّر المناخ، وهي تغيُّرات يمكن أن يدرسها العلماء لاحقاً.

ومن المعلوم حالياً أنَّه حتى التغيُّرات الصغيرة ظاهرياً في النباتات كهذه؛ لها أثر عالمي على المناخ لكننا مع ذلك نحتاج معطيات أكثر حول آليات استجابة النبات لمعرفة كيفية تغيّر النباتات بدقة عالية،

إذن؛ فالإنسان ليس الكائن الوحيد الذي يمكن أن يؤثِّر على المناخ.

هامش:

*التمثيل الضوئي ثلاثي الكربون:

هنا

المصادر:

هنا

هنا