التعليم واللغات > اللغويات

لغة النساء ولغة الرجال: اختلافات وتمييز جنسي!

"المرأة أكثر ثرثرة من الرجل"، "مهارات المرأة في التواصل أفضل من مهارات الرجل"، "هناك أسلوب حديث خاص بالنساء وآخر خاص بالرجال"، "الفرنسية لغة متحيزة جنسيًّا"...إلخ. تثير كل هذه العبارات التي نسمعها فضول اللغويين والكتَّاب، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف تُولَد هذه القناعات في عقول الناس؟ هل هناك حقًّا فرق في اللغة بين المرأة والرجل؟ وإذا كان هناك فرق فكيف يتجلى ذلك لمستخدمي اللغة؟

بداية، سواء أكانت خرافةً أم واقعًا، من المعروف أنَّ المرأة تتحدث أكثر من الرجل، إذ تُظهر دراساتٌ مختصة أنَّ النساء تستخدمن ما يصل إلى 20 ألف كلمة وسطيًّا في اليوم، في حين يستخدم الرجال 7 آلاف فقط، ولكن مثل هذا الحكم يثير الجدل ويذهب إلى حد كونه موسومًا بالتمييز الجنسي. ومع ذلك فقد أثبت العلماء أنَّ هذا الفرق بين الجنسين ضئيل وغالباً ما يصعب دحضه، وذلك عن طريق التفسيرين الآتيين: 

أولًا: وجود بروتين يدعى FOXP2، أو ما يُعرف باسم "بروتين اللغة" (يمكنكم الاطلاع على مقال سابق عن هذا البروتين من هنا )، الذي يتجلى دوره في تمييز القدرات اللغوية بين الجنسين، فالنساء –لا سيما الفتيات الصغيرات– تتفوقن على الفتيان الصغار بامتلاكهن بروتين اللغة أكثر بنسبة 30%. ومن المؤكد أن هذا لا يعدُّ دليلًا على أنَّ المرأة أكثر ثرثرة من الرجل، ولكنه يفسر حقيقة أفضلية الفتيات الصغيرات على الفتيان الصغار في المهارات اللغوية.

ثانيًا: بخصوص قضية أنَّ المرأة تتحدث أكثر من الرجل، هناك أيضًا فرضية علمية متقدمة تعود إلى الإنسان البدائي (نياندرتال)، ومفادها أنَّ البشر الحديثي الولادة أضعف من الثدييات الأخرى، ممَّا يتطلب اهتمام الأم بهم على نحوٍ خاص (كالرضاعة الطبيعية عدة أشهر والحماية)، ولذلك كان من الضروري أن تبقى المرأة في المسكن لضمان بقاء أطفالها على قيد الحياة ومن ثمَّ الحفاظ على الجنس البشري، في حين كان الرجل يذهب للصيد لسدِّ حاجة عائلته ومتطلباتها، وهكذا وُلدت ظاهرة المرأة ربة البيت والرجل في العمل. أصبحت هذه الظاهرة مثيرة للجدل اليوم بوصفها متحيزة جنسيًّا ضد النساء، ومن ناحية أخرى هذه هي الطريقة التي اكتسبت بها المرأة مهاراتها في مجال التواصل، وذلك بفضل الحياة الاجتماعية التي طورتها في المسكن وفي أثناء تعليم أبنائها.

تعدُّ هذه الاختلافات بين المرأة والرجل اليوم متطورة غريزيًا وسوف تتوغل فينا، ولكن المجتمع تطوَّر بعد ذلك، ولم تعد المرأة حديثًا مرتبطة بكونها ربة البيت، ولكن تبقى اللغة فحسب دون تغيير، لماذا؟ وعلى الرغم من تطوُّر مجتمعاتنا ما تزال المرأة والرجل متأثرين بالاختلافات بين الجنسين، مما يؤثر بدوره في طرائق تحدثنا إلى بعضنا بعضًا وفي طرائق تفكيرنا.

يقول اللغوي السويسري (تشارلز بالي): "اللغة -بحكم تعريفها- ليست حقيقة اجتماعية فحسب، فمن بين جميع المؤسسات الاجتماعية هي من أكثر الطرائق التي تُقرِّبنا من أصول المجتمع لأنها الأكثر غريزية [...]". وتجيب (مارينا ياجيلو) عن تساؤلاتنا نوعًا ما بطرحها أسئلة عن اللغة الفرنسية: "إذا كانت اللغة تتَّسم بالتمييز الجنسي فهل يمكن علاجها؟ [...] وهل يكفي إزالة المصطلحات العنصرية أو المتحيزة لقمع العقليات المتحيزة جنسيًّا أو العنصرية؟" أهمُّ ما في هذه الاقتباسات هو أنَّ اللغة تطورت بفكرة أنَّ النوع المذكر أكثر نبلًا من النوع الأنثوي، وذلك بسبب تفوق الذكور على الإناث المتجسد سابقًا، ولكن ألن يكون عندها هذا الاختلاف الجنسي في اللغة مجرد فكرة أكثر من كونه واقعًا؟ ما يزال هذا بالطبع موضوعًا مثيرًا للجدل ويتطلب دراسات فردية.

المصدر:

Yaguello، M. (2002). Les mots et les femmes : Essai d’approche sociolinguistique de la condition féminine. Paris : Petite Bibliothèque Payot.

هنا