الهندسة والآليات > الاتصالات والشبكات

وداعًا للأقمار الصناعية الضخمة.. أقمار CubeSat هي المستقبل

لقد ذهب القمران الصناعيَّان "MarCO A" و"MarCO B" -وهما اختصارٌ لمركب المرِّيخ الأول (Mars Cube One)- إذ لم يذهب أيُّ CubeSats من قبل (CubeSat قمر صناعيٌّ مصغَّر صُمِّم بغرض الأبحاث الفضائية)¹ وراء مدار الأرض المنخفض.

لقد سافر القمران إلى الكوكب الأحمر في مهمَّة؛ لإثبات أنَّ الأقمار الصناعيةَ الصغيرة يمكن أن تكون مفيدةً في الفضاء السحيق.

سارت الأقمار الصناعية MarCO في الرحلة إلى جانب مركبة “InSight Lander” التابعة لوكالة ناسا وفقًا للوكالة، إذ هبطت المركبةُ بنجاح على المريخ قبل الساعة الثالثة بعد الظهر بالتوقيت الشرقي من يوم الاثنين 26 نوفمبر لعام 2018، وبهذا؛ ستفتح InSight آفاقًا جديدة في الوقت الذي تتغلغل فيه بصورة كبيرة في عمق سطح المريخ من المركبات السابقة؛ من أجل استكشاف تكوين جزء الكوكب  الداخليِّ.

ومع ذلك؛ سجَّل MarCO  رقمًا قياسيًّا جديدًا لأقمار CubeSats، ومن المحتمَل أن يكونا قد غيَّرا الطريقة التي تزجُّ بها وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) المركبات الفضائية في العوالم الأخرى.

إذ يقول ناصر شحات (المهندس الهوائي في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا، الذي كتب لـ IEEE Spectrum عن التحديات التي واجهت تصميم هوائيات)MarCo : "الشكل الذي سيبدو عليه MarCO سيمهِّد الطريق لمستقبل أقمار CubeSats في عمق الفضاءِ الخارجي". إنَّ نجاح MarCO في نقل المعلومات من InSight في الوقت الذي هبطت فيه المركبة يفتح الباب أمام نهج جديدٍ في الاتصالات في البعثات المستقبلية؛ وهو نهج "إحضار جهاز اتصالاتك الخاص بك".

في الماضي؛ عندما وصلت البعثات إلى المريخ مثل المركبة الفضائية "Phoenix Lander" أو "Curiosity rover" اعتمدت على أنظمة الاتصالات الخاصة بـ “Mars Odyssey” ومركبة الاستطلاع المريخية (Mars Reconnaissance Orbiter)(MRO)؛ لإرسال المعلومات عن طريق الدقائق الحاسمة للهبوط اللتان وضعا في مدار المريخ سابقًا، ويُشار إليهم من قبل مهندسي ناسا بـ "7 دقائق من الرعب"؛ أي وقت هبوط أيِّ مهمة إلى سطح الكوكب الذي يمكن أن يحدثَ عن طريقه كثيرٌ من الأخطاء.

تتمثل المشكلة في استخدام المركبات المدارية الحالية لإبقاء الأرض على علم بحالة البعثة؛ في أنه غالبًا ما يجب توجيهها إلى مدار جديدٍ لتأدية المهمة بفعالية، ويستغرق هذا وقتًا طويلًا بعيدًا عن مهماتهم الخاصة، إضافةً إلى أنه يستخدم وقودًا إضافيًّا، ويقصِّر فترات حياتهم،

ثم إن مقدار الوقت الذي تستغرقه المركبات المدارية لإرسال المعلومات إلى الأرض ليس مثاليًّا أيضًا، ووفقًا للمهندس الشحات؛ إذا كانت ناسا ومختبر الدفع النفاث قد انتظرا أن ترسلَ MRO تحديثاتٍ بشأن حالة InSight؛ فسيستغرق الأمر 3 ساعات لمعرفة مستجدات المركبة بسبب أوقات الإرسال ومعالجة البيانات.

وبدلًا من ذلك؛ استخدمت الأقمار الصناعية MarCO تقنيةً تُسمَّى (bent-pipe relay) لإرسال البيانات إلى الأرض في وقت قريب من الوقت الفعلي، وبدلًا من تصحيح البيانات وتشفيرها؛ تعمل التقنية على تضخيم الإشارةبعد تحويلها من تردُّد الإرسال إلى تردد الاستقبال فقط. باستخدام التقنية؛ عرف مختبر الدفع النفاث (JPL) ما حدث للمركبة بتأخر قدره 8 دقائق و7 ثوانٍ فقط؛ وهو مقدار الوقت الذي استغرقه انتقال الإشارة فعليًّا من المريخ إلى الأرض.

على أمل أن البعثات المستقبلية يمكنها استخدام أقمار CubeSats مع التقنية الجديدة لتوفير الاتصالات في الوقت الحقيقيِّ للحظات الحرجة في أثناء الدخول في المدار وفي النزول والهبوط بدلًا من تغيير المركبات المدارية الأخرى لمكانها من أجل بضع دقائق من العمل فقط.

بدأت السبع دقائق من الرعب لـ InSight عندما انفصلت المركبة عن منصة الرحلة التي حملتها وحمتها طوال الطريق إلى الكوكب الأحمر. بعد أخذ بضع دقائق لتوجيه نفسها؛ فعَّلت المركبة  رادارها لمساعدتها على اكتشاف السطح، وبعد ذلك؛ نُشر الساقان وتخلصت المركبة الفضائية من درعها الحراري قبل أن تطلقَ مظلاتها؛ إذ يقول شحات: "الأمر برمته فائق السرعة".

وعمومًا؛ عملت MarCO  في 19 دقيقة، إذ بدأت الأقمار الصناعية إرسال القياس عن بعد نحو 7 دقائق قبل دخول InSight، وواصلت إرسالها في غضون 7 دقائق من الهبوط، وتوقفت نحو 5 دقائق بعد الهبوط. في غضون تلك الـ 19 دقيقة؛ أبقت أقمار CubeSats مختبر JPL على علم بما يحدث بأقرب ما يكون للزمن الحقيقي، و لا تزال JPL تعتمد على MRO لتأكيد البيانات التي أرسلها MarCO.

وبصرف النظر عن إثبات أن اتباع نهج "إحضار جهاز اتصالاتك الخاص بك" يمكن أن يعمل في مهام مستقبلية؛ فإنَّ الأقمار الصناعية MarCO أظهرت عديدًا من الحيل الهندسية الجديدة أيضًا. إنَّ الهوائيات العاكسة التي سبق أن استُخدمَت منذ عدة أشهر تملك أداءً ممتازًا، وفقًا لشحات؛ فهي عبارة عن هوائيات مسطحة مصمَّمة لتقليد طبق على شكل قطع مكافئ في الوقت الذي تُستهلك فيه مساحة أقل بكثير.

إضافةً إلى ذلك؛ صُمِّم هوائيُّ الحلقة ذي التردد العالي جدًّا الذي تلقَّى البيانات من InSight خصوصًا لأقمار MarCo، كما هو الحال مع جهاز Iris V2 CubeSat Deep-Space Transponder (مرسل لأعماق الفضاء - ومستقبل له) الذي مكَّن أقمار CubeSats من التواصل مع الشبكة على الأرض التابعة لوكالة NASA؛ حتى إن الأقمار الصناعية MarCO التقطت صورًا للأرض والمريخ في أثناء رحلتهم، وهو مشروع جانبيٌّ قصير لم يكن في الأصل جزءًا من الخطَّة وفقًا لشحات.

قد تكون MarCO هي أوَّل قمرٍ CubeSats في الفضاء السحيق؛ ولكنَّها لن تكون الأخيرة. إذ يقول شحات: "هناك مزايا مختلفةٌ تأتي مع CubeSats فيما يخصُّ أهداف مهمة محدَّدة يمكن أن تكون مفيدة". إن صغر حجمها وبساطتها ورخصها يجعل من السهل إرسال قطع الغيار، وهناك بعض التطبيقات القائمة على كوكبة من النجوم التي لا يمكن تنفيذها بسهولة إلا مع أقمار CubeSats.

تعدُّ بعثة الاستكشاف الجديدة التابعة لناسا أوَّل رحلة لمركبة أوريون(Orion ) الفضائية الجديدة على نظام الإطلاقِ الفضائي ستحمل ثلاثة مشاريع لأقمار CubeSat مختلفة في الفضاء السحيق، ويأمل شحات في أن تكون هناك فرصةٌ لوضع قمر CubeSat في مدار كوكب المريخ لمعرفة المدَّة التي سوف ينجو فيها ومدى أدائه.

ستدين هذه البعثات وغيرها ببعض من نجاحها إلى الأقمار الصناعية MarCO وما تعلَّمه مهندسو JPL منهم في أثناء هبوط InSight، ولكن فيما يتعلق بالأقمار الصناعية نفسها؛ فإنهم يستمرون في تجاوز المريخ بعد تأدية عملهم الذي يستغرق 19 دقيقة.

كان آخر شيءٍ أرسلوه إلى الأرض صورةً أخذتها InSight بعد دقيقتين من الهبوط، والتقطت الصورة بواسطة كاميرا تقع تحت سطح المركبة؛ إذ أكدت أنَّ المركبة قد استقرت في بقعة مكَّنتها من إجراء أبحاثها.

الآن؛ سوف ينجرف MarCO A وB إلى الفضاء العميق بعد أن مهدا بالفعل الطريق أمام أقمار CubeSats لتتبعهما خارج الأرض؛ إذ يقول شحات: "نحب أن نقول إن MarCO هي تشق الطريق الآن للبعثات المستقبلية".

المصادر :

1- هنا

2- هنا