البحث العلمي والمنهجية العلمية > البحث العلمي

أساسيات إحصائية في الأبحاث العلمية

"من غير المعقول التخطيط لإجراء أية دراسة في العلوم الطبيَّة دون مشورة الإحصائي"؛ هذا ما كتبه هنريك لاكس Henrik Luykx خبير الإحصاء الطبي الهولندي سنة 1949.

يشغل الإحصاء دورَ حجر رشيد في الأبحاث الطبية؛ إذ إنه يُفسِّر الأرقام والرموز المتناثرة ويُحوِّلها إلى معلومات مفهومة قيِّمة. يدخل في خطوات بناء الدراسة من ألفها إلى يائها بَدءًا بمرحلة تخطيط الدراسة إلى تصميمها، وجمع البيانات وتحليلها وأخيرًا رسم استدلالات منطقية من العينة الصغيرة لمجموعة كبيرة من السكان. تتطلَّب هذه العملية تخطيطًا هادئًا ومتَّزنًا للدراسة، واختيارًا مناسبًا للعيِّنة وللاختبار الإحصائي المطبَّق عليها، فاستخدام طرائق إحصائية غير مناسبة يحمل خطورة الوصول إلى استنتاجات خاطئة قد تؤدي إلى عواقب وخيمة؛ منها اتِّهام الباحثين بالممارسة غير الأخلاقية. 

ظهر الإحصاء الطبي medical statistics بوصفه فرعًا من علم الإحصاء منذ أكثر من 40 عامًا، ويُمثِّل تاريخه جدلية مستمرَّة ما بين الاستمرار والتغير بوصفه علمَ تطبيق أساسيات إحصائية في العلوم الصحية والطب متضمِّنة علم الأوبئة والصحة العامة والطب الشرعي والأبحاث السريرية، إضافة إلى كونه محطَّ أنظار أغلب التحقيقات الطبية، والمشتبه به الأول في حال وقوع خطأ ما. علمٌ قادرٌ على تنظيم البيانات والمعلومات وفق قاعدة أساس رسميَّة وعلى نطاق واسع، ثم إنه يأخذ المتغيرات البيولوجية بعين النظر. 

يُقسم علم الإحصاء إلى فرعين أساسيَّين؛ هما:

1) الإحصاء الوصفي Descriptive Statistics:

يُساعد الإحصاء الوصفي على وصف البيانات على نحوٍ مفهوم، أو تلخيصها أو إظهارها. ويُساعد الإحصاء الوصفي عمومًا على إظهار الأنماط في مجموعة البيانات، ولكنه لا يُمكِّن الباحثين من الوصول إلى استنتاجات للفرضيات المطروحة، فالإحصاء الوصفي ببساطة طريقة لوصف البيانات.

يستخدم الإحصاء الوصفي قياسَ درجة التشتُّت ومقاييس الانحراف المعياري والنزعة المركزية: المتوسط، والوسيط، والمنوال.

مثال: درجات الضغط داخل جمجمة عشرة مرضى تعرَّضوا لإصابة شديدة بالرأس مقاسة بالميلي متر الزئبقي هي (13,32,35,42,30,19,32,27,36,31). نُعيد ترتيب هذه الدرجات من الأدنى إلى الأعلى لأخذ فكرة واضحة عن الضغط داخل الجمجمة عند التعرُّض لهذه الإصابة: (13,19,27,30,31,32,32,35,36,42).

المتوسط الحسابي Mean: هو مجموع القيم مقسومة على عدد هذه القيم. ويمكن أن يتأثَّر المتوسط الحسابي بالمتغيرات المتطرِّفة؛ فعلى سبيل المثال: متوسط بقاء مرضى التسمُّم بالفوسفور العضوي داخل العناية المركَّزة يمكن أن يتأثَّر بمريض واحد تمتدُّ إقامته خمسة أشهر نتيجةً لتسمم الدم.

معادلة المتوسط الحسابية:

     إذ: ∑- تُمثِّل المجموع   x- كل قيمة N- عدد القيم

( الجواب بالعودة إلى المثال الأول: (29.7mmHg).

الوسيط Median: هو القيمة الوسطى في مجموعة القيم المرتبة. في حال وجود عدد زوجي من القيم يحسب الوسيط عن طريق المتوسط الحسابي للقيمتَين المتوسطتَين. (الجواب بالعودة إلى المثال: 31+32/2=31.5mmHg).

التباين Variance: هو مقياس للتشتت الإحصائي للقيم الممكنة عن القيمة المتوقَّعة (المتوسط الحسابي)، ورياضيًّا هو مجموع تربيع لانحرافات القيم الممكنة عن المتوسط.

   إذ: xi القيم الممكنة – x متوسط المجتمع – N عدد القيم.

الجذر التربيعي للتباين: هو الانحراف المعياري Standard Deviation الذي يدلُّ على مدى امتداد مجالات القيم ضمن مجموعة البيانات الإحصائية

 

تكمن أهمية الانحراف المعياري بكونه يُمثِّل القيمة الحقيقية لمدى انتشار البيانات في العينة نظرًا إلى عدِّ المتوسط مجرَّد تقدير عن العيِّنة المدروسة.

تقتضي الخطوة اللاحقة في الإحصاء الوصفي تمثيلَ مقاييس النزعة المركزيَّة (المتوسط والانحراف المعياري على وجه الخصوص) ضمن رسم بياني واضح ومفهوم، وبحسب كيفيَّة توزُّع المتغيرات البيولوجيَّة يظهر نمطان أساسيَّان له:

التوزيع الطبيعي Normal Distribution (توزيع غاوس):

إحدى أهم التوزيعات الاحتماليَّة والأكثر انتشارًا واستخدامًا في الإحصاء الطبي، منحني التوزيع الطبيعي القياسي له شكل "الجرس" متناظر بمحور أفقي (المحور x) يُمثِّل الانحرافات المعياريَّة، والمحور العمودي (المحور y) يُمثِّل المتوسط الحسابي للعينة.

يوضِّح هذا الرسم البياني الوزنَ عند الولادة (بالكيلوغرام) عند 3.226 طفل حديثي الولادة. 

تُوضِّح خاصيَّة التناظر بالرسم البياني عن المتوسط الحسابي معطيات العيِّنة عن طريق رسم البيانات من العيِّنة داخل شكل الجرس أو توضِّح نتائج الدراسة في حال تكرارها أكثر من مرَّة، وفي هذه الحالة سوف نحصل على متوسط "متوسط العينات". 

التوزيع الملتوي Skewed Distribution:

توزيع غير متناظر للمتغيرات عن المتوسط الحسابي؛ وله شكلان: توزيع ملتوٍ التواءً سالبًا؛ إذ تتركز كتلة التوزع في الجهة اليمنى من الرسم البياني، وتوزيع ملتوٍ التواءً موجبًا؛ إذ تتركز كتلة التوزع أيسر الرسم مؤديةً إلى ظهور ذيل أيمن في الجهة نفسها من الرسم. يُستخدم التوزيع الملتوي أقل من الطبيعي؛ لأنه يُعَدُّ أقل دقة في إظهار النتائج؛ إذ إنَّ المتوسط الحسابي سَيُكَبِّر الاتجاه الحقيقي للتوزيع البياني أو يُقلِّله؛ ما قد يظهر بيانات مُضللة.  

2)  الإحصاء الاستنتاجي Inferential Distribution:

يقدِّم الإحصاء الاستنتاجي تحليلًا لبيانات عيِّنة محدودة واستنتاج استدلالات تُعَمَّم على المجتمع بأكمله؛ فعلى سبيل المثال: لنفرض أننا نريد جمع بيانات عينة كبيرة من السكان، كمعرفة متوسط طول جميع الرجال الموجودين في مدينة فيها أكثر من مليون نسمة، ومن غير المُجدي والنافع قياس طول كل رجل، ثم حساب المتوسط؛ وهنا يأتي دور الإحصاء الاستنتاجي. وجب في هذا النوع من الإحصاء أن تُجمع عيِّنات صغيرة لتُمثِّل العيِّنة الأكبر. أمَّا عملية جمع العيِّنات فهي مُعرضة لمشكلات كبيرة أولها عدم الدقة؛ لذلك توجد بروتوكولات وطرائق مضبوطة لجمعها. أمّا طرائق الإحصاء الاستنتاجي فهي:

1- تقدير المقاييس كالمتوسط الحسابي والانحراف المعياري.

2- اختبار الفرضيات الإحصائية أو ما يُسمى باختبار الأهمية.

مثال: طُلب من أربعين شخصًا تعبئة استبيانين؛ أحدهما عن عدد المشروبات الكحوليَّة المتناولة في الثلاثين يومًا الأخيرة، والآخر عن عدد مرات أداء أعمال عدوانية متهوِّرة. وُضِعت الدرجات ضمن معادلة مناسبة ليُجرى بعدها التسليم بصحة فرضيَّة العدم H0 (عدم وجود ارتباط بين شرب الكحول والأعمال العدوانيَّة)، وأخيرًا تُحسب الاحتماليَّة (القيمة P) وهي قيمة عددية تتراوح بين 0 و 1 للبتِّ بمدى صحة فرضيَّة العدم (هل كانت صحيحة أم خاطئة؟).

يقدِّم كلٌّ من الإحصاء الوصفي والاستنتاجي رؤية ثاقبة عن طبيعة البيانات التي جُمِعت، فهما يُكمِّلان بعضهما بعضًا، ودون اجتماعهما لا يمكن الحصول على الصورة كاملةً؛ فهما يشكِّلان أداة قويَّة للوصف والتَّنبؤ. 

المصادر:

1)  هنا

2) هنا

3) هنا

4) هنا

5) هنا

6) هنا

7)  هنا