علم النفس > الصحة النفسية

اللاجئ من منظور نفسي

سمعنا جميعًا عن رحلات تسلُّق المرتفعات ورحلات السير على الأقدام آلاف الكيلومترات بوصفها نوعًا من التحدي والترفيه، وعلى الرغم من المشقَّة الناجمة عن هذا النوع من الرحلات؛ لكنها لا تُضاهي أبدًا مشقَّة الأفواج السائرة أميالًا بحثًا عن الأمان والاستقرار.

وقد سجلت المملكة المتحدة في نهاية عام 2015 دخول أكثر من 123 ألف لاجئ أراضيها، علمًا أنه لم يشهد عالمنا أفواجًا للاجئين مثل هذه الأعوام. وكان هذا الانتشار الكبير لمخيمات اللاجئين نتيجة تحوُّل عالمنا إلى مساحة لنزاعات تترك آثارها من موتى وفارّين من غمام الحرب.

وتقبع تحت قباب المخيمات مآسي اللجوء والهجرة؛ إذ يعاني اللاجئون أشدَّ التجارب إيلامًا نفسيًّا فتؤثر في صحتهم العقلية والجسدية بسبب أحداث وصراعات دفعتهم للهروب من موطنهم.

وأن يكون الفرد لاجئًا لهي أزمة في حدِّ ذاتها ولها عواقبها على صحته العقلية، فضلًا عن المشكلات الناجمة عن التشريد من الموطن الأصلي؛ فاللاجئ يعاني أزمات ترتبط بهويته وانتمائه واتزانه الداخلي الذي يجب الحفاظ عليه بعد تلك التجربة.

وربما يكون من الصعب تحديد أشكال التجارب التي يمرون بها، فالصدمة التي تصيب اللاجئ -سواء أكانت إصابة تعرض لها أم خسارة سكنه- تدفعه للهروب، إضافةً إلى الإحساس الأهم الذي يواجهه وهو الظلم؛ إذ تحكُم تصرُّفات الأفراد المسيئة على صورة المهاجرين العامة؛ مما قد يصعّب اندماجهم في مجتمعاتهم الجديدة.

ما آثار التجربة في اللاجئين؟

نرى في بعض الأطفال مرونة تمكنهم من التكيف بطرائق صحية ومثمرة مع الخبرات والأحداث الصعبة التي يمرون بها دون أن يظهر عليهم أعراض مَرضية، ولكن؛ هناك مَن يؤثر تعرُّضُهم لأحداث مؤلمة -كهجرة أو لجوء- تأثيرًا كبيرًا في أدائهم اليومي؛ فقد سجلت الدراسات في العديد من الدول مستويات عالية من الاكتئاب والضغط النفسي بين اللاجئين الصغار السن، وكذلك صدمة الهجرة التي يمكن أن تنقسم إلى ثلاث مراحل:

1- فترة ما قبل الهجرة: يواجه اللاجئون الأطفال وذووهم مشكلات اجتماعية جمَّة تحول دون اندماجهم وتنميتهم اجتماعيًّا وتعليميًّا مع المجتمع المستضيف.

2- في أثناء الهجرة: يفقد العديد من الشباب الذين انفصلوا عن أهلهم الدعمَ المادي أو المعنوي من أهلهم.

3- فترة ما بعد الهجرة: يجد الأطفال والمراهقون من اللاجئين -بعد أن يلتقوا مع ذويهم من جديد- أن وجودهم واندماجهم مقترنان بتعلم لغة جديدة، وتواجههم مشكلة إعادة هيكلة لهويتهم؛ متضمنة التعامل مع العزلة الاجتماعية المفروضة عليهم التي يمكن ربطها باختلاف الثقافة واللغة وفقر المعيشة.

كذلك تتزايد لدى اللاجئين مشكلات الصحة العقلية التي ترتبط بالتجارب التي مروا بها قبل الهجرة كصدمة الحرب ومواجهات العنف التي عاشوها وعواقب الهجرة كالانفصال عن عائلاتهم وصعوبات ترتبط بإجراءات اللجوء ونقص المسكن. وربما يفسّر هذا السببَ الذي يجعل اللاجئين أكثر عرضةً للإصابة باضطرابات عقلية -مقارنةً بالسكان المحليين-؛ إذ سُجِّلت لديهم مستويات عالية من الاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة واضطراب القلق.

- نظرة متفائلة تعكس وضع هذه الفئة في الغربة:

على الرغم من أنّ المخزون البحثي عن الاضطرابات النفسية المرتبطة بتجربة الهجرة واللجوء أشار إلى معدلات مرتفعة من الاضطرابات النفسية لدى الشباب كاضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب واضطرابات سلوكية؛ ولكنّ العديد من المهاجرين الشباب أحرزوا تفوقًا وإنجازًا أكاديميًّا عاليًا، وهم يتمتعون بقدرات استثنائية تفوق أقرانهم من البلد نفسه.

وفي الختام؛ لا بُدّ من أن نذكرَ أنه على الرغم من صعوبة تجربة اللجوء لما تحمله من آثار سلبية؛ فقد قدّم هؤلاء إلينا معنى مهمًّا للمضي قُدمًا في حياتنا؛ إذ مهما كانت قساوة التجربة التي مررنا بها لا بُدّ من تجاوزها وتحويل الألم الناتج عنها إلى قوة ونجاح.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا