علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

الذاكرة الموسيقية؛ الناجي الوحيد من معركة ألزهايمر

يُعدّ ألزهايمر من أهم أسباب الخرف عند المسنين ولاسيما الذين تتجاوز أعمارهم السبعين سنة؛ وهو اضطرابٌ ينجم عن تنكُّس الخلايا العصبية وموتها؛ مما يؤدي إلى تدهور الوظائف الفكرية والسلوكية والاجتماعية بطريقة تجعل أداء أبسط المَهمات تحديًا صعبًا لمريض ألزهايمر.

إنّ فقدان الذاكرة هو العَرَض الرئيسي لألزهايمر، وعادةً ما يظهر باكرًا على شكل صعوبة استرجاع الذكريات القريبة. ومع تقدُّم المرض؛ تسوءُ الذاكرة أكثر وتظهر أعراضٌ أخرى كفقدان القدرة على التركيز والتفكير وتراجع القدرة على اتخاذ القرارات المنطقية وتدني القدرة على التخطيط وتنفيذ المَهمات وتغيُّرات في الشخصية والسلوك والمزاج.

ويمكن وصف مريض ألزهايمر بأنه شخصٌ "يتلاشى" تدريجيًّا. وعلى الرغم من أنه ينسى ذكرياته واحدةً تلو الأخرى، ويفقد ما تعلّمه واكتسبه من خبرات في أثناء حياته؛ لكن هناك بعض الناجين في هذه المعركة الطويلة، فمن هم؟

في عام 2000؛ شُخِّصت السيدة إليزابيث المولودة عام 1920 بألزهايمر، وهي التي عملت سابقًا لصالح الجيش البريطاني ثم انتقلت إلى مجال التعليم وتقاعدت عام 1985، وكانت أبرز هواياتها الموسيقا؛ إذ تعلمت العزف على الأورغن عن طريق قراءة النوتة، وكذلك كانت عضوًا في كورالات الكنيسة في فترة شبابها.

وبعد أن شُخِّصت بألزهايمر؛ خضعت لعدد من الاختبارات التي أبدت تدهورًا واضحًا ومستمرًّا وسريعًا في ملكاتها العقلية؛ فقد أشارت الاختبارات جميعُها إلى درجة شديدة من الخرف المُحدَث بألزهايمر، عدا نوع واحد منها؛ وهي الاختبارات الخاصة بتقييم ذاكرتها الموسيقية!

كانت إليزابيث قادرةً على تعرُّف موسيقا الأغاني التي كانت تحفظها -وإن كانت بغير لغتها الأم-، حتى إنّها كانت تغني معها وتتابع الأغنية بعد انقطاع الموسيقا، إضافةً إلى قدرتها على الشعور بالتغييرات الصغيرة المُحدَثة بنوتات بعض الأغاني ضمن الاختبارات.

هل إليزابيث مجرّد حالة فردية؟ أم أنّ ألزهايمر يعفّ عن الذاكرة الموسيقية؟

في الحقيقة، بعد البحث في الأدبيات العلمية المنشورة نجد أنّ حالة إليزابيث ليست فريدة من نوعها، فهناك تقارير حالات عديدة توثّق الموجودات نفسها وتدعم النظرية التي تشير إلى أن ألزهايمر يعف عن الذاكرة الموسيقية بالفعل! فما تفسير ذلك؟

لا تزال الدراسات ضئيلة في هذا المجال ولا تتجاوز تقاريرَ الحالات المتفرّقة ودراساتِ المجموعات الصغيرة. وعلى الرغم من ذلك؛ تشير النظريات المقترحة إلى أنّ الذاكرة الموسيقية تتألف من عدة أشكال تتأثر بألزهايمر تأثُّرًا متفاوتًا، هذه الأشكال هي:

- أولًا: الذاكرة الموسيقية الإجرائية: هي القدرة على العزف على آلة موسيقية، وتبقى مستمرة لدى جميع الموسيقيين.

- ثانيًا: الذاكرة الصريحة المرتبطة باستذكار الأنغام والكلمات: تبقى عند بعض الموسيقيين وتتلاشى عند البعض الآخر.

ويعود ذلك إلى اختلاف آلية تعلُّم وتشكيل المشابك العصبية الخاصة باكتساب المهارات الموسيقية عن بقية المهارات والنشاطات؛ إذ يُرجَّح أنّ الذاكرة الموسيقية تحتلُّ أماكن متعددة في الدماغ وتشكّلُ روابط قوية فيما بينها يصعب على ألزهايمر خرقها، ولاسيما في المراحل المبكرة. ولكن؛ تلك مجرد فرضيات تحتاج إلى مزيد من الأبحاث لتدعيمها.

كيف يمكن الاستفادة من كل هذا؟

إنّ المثير للإعجاب في قضية الذاكرة الموسيقية وألزهايمر هو أنّ القدرة على تعلُّم الموسيقا تكون جيدةً إلى حدّ ما لدى مرض يجعل وظيفة التعلم عمومًا متدهورة إلى حد كبير. وفي تقرير إحدى الحالات؛ عُلِّمت أغنيةٌ جديدةٌ لسيدة لم تتعلم في ماضيها العزف أو الموسيقا، ومصابة بحالة شديدة من الخرف المُحدَث بألزهايمر، وعندما اختُبِرت قدرتُها على أداء الأغنية استطاعت استرجاعها وتعرُّفها وغناءها -بعد التحريض المناسب لها- بعد أسبوعين كاملين من تعلمها!

وتفتح هذه الموجودات مجالًا واسعًا لتطوير تقنيات جديدة وغير مسبوقة قد تساهم في إبطاء تقدُّم ألزهايمر، أو الحد من آثاره، أو استرجاع (إعادة تعلم) مهارات المريض المفقودة والمتراجعة حالما يُكشَف عن السبب والآلية التي تسبّب بقاء الذاكرة الموسيقية، على الرغم من تلاشي كل ما سواها.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا