منوعات علمية > منوعات

الوصول إلى المعرفة

يقول كارل جاسبرز: "جوهر الفلسفة ليس امتلاك الحقيقة بل البحث عن الحقيقة".

إنَّ مفهومي الحقيقة والمعرفة مختلفان عن بعضهما بعضًا، وعلى الرغم من ذلك فَكثيرٌ من الناس تُساوِي بينهما.

فالحقيقة هي أيُّ شيءٍ يمكن أن يذهب في اتجاه مطلق، فهي لا تُبتكر لأنَّها موجودة بواسطة الفكر والحواس، وتُعدُّ الحقيقةُ أساسَ كلِّ بَحثٍ .

أما المعرفة فتشير إلى فهم الشخص الصحيح للطبيعة الحقيقية للواقع، وتتطلب ثلاثة شروط وهي: أن تكون صحيحة، وأن تؤمن بها أي( يجب أن نؤمن بأنَّ الحقيقة صحيحة لكي نعرفها)، وأن توجد بعضُ الحقائق الأخرى التي تُضفي الشرعية لكي ينبع الإيمان من هذه الحقيقة الشرعية .

كانت هناك عدة طرائق لاختبارِ الحقيقة التي نعرفها:

إذا كانت المعرفة هي المعتقد الحقيقي إضافةً إلى بعض الحقائق الشرعية، فكيف ينبغي علينا وضع معايير لتقييم هذه الحقائق الشرعية؟

لقد ركَّز الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت Rene Descartes على هذه المشكلة بالذات، إذ تَطلُب ديكارت أن تنبثق الاقتراحات جميعها للمعرفة الحقيقية على الطريقة الهندسية، وهي المفتاح لإيجاد المعرفة الحقيقية، وهذا النهج يُسمَّى المنهجية، وهي نظرية معرفية تنص على:" أنَّنا  نعرف أيَّ معتقد حقيقي معين إذا توصلنا إلى هذه المعرفة أو أَنتجناها باتباع طريقة صحيحة، ومن الأمثلة على ذلك: لنفترض أنَّ أحدهم يسألني ما إذا كنت أعرف العبارة: "كوب القهوة الخاص بي أزرق"، دعنا نطلق على هذا البيان "ص"، فقد تتطلب المنهجية قبل أن أتمكن من معرفة "ص"، أنَّه يجب أن أَتَّبِع طريقة مناسبة أعرف بها "ص"،  ولِكي تعرف أيَّة حقيقة محددة، يجب إتباع طريقة مناسبة للوصول إليها.

الواقعية:

استخدم بيرس Peirce الواقعية أولاً  كنظرية للمعنى، فيُشارُ إلى النظرية بالسؤال: كيف يمكنك أن توضح الفكرة في معناها؟ فقد لخَّص مبدأ توضيح معنى الأفكار:"فكر في التأثيرات التي يمكن أن تحمل توجهات عملية مع اعتبار تصورنا للهدف كيف يكون؟  وعندها مفهومنا لهذه التأثيرات هو كل تصورنا للهدف، فمثلًا فكرة الصلابة فالشيء صلب إذا لم يُخدش أو يُشوَّه بواسطة مواد أخرى.

في حين يؤكد وليم جيمس William James"  أنَّ الحقيقة تحدث نتيجةً لفكرة تكون مناسبة وتصنعها الأحداث الحقيقية"، ويوضح ذلك عن طريق رجل ضائع في الغابة، يتضور جوعًا، ويرى طريقَ الأبقار والأسباب التي ينبغي أنَّ تؤدي إلى منزل المزارع، إذا كان كذلك فإنَّه يُنقذ نفسه.

يَتبَعُ ديوي Dewey جيمس James بقوله:" إنَّه يجب صنع الحقائق،  وهذا لا يعني أنَّني أستطيع أن أُعلِن الحقيقة لتكون ما أريد أن يكون، لكنَّه أشبه بالتحقيق الذي يعمل على حلِّ بعض المشاكل أو الحاجات الكبيرة، فالحقيقة هي التي تفي بشرط التحقيق".

اختبار التوافق:

لقد ذكر أرسطو Aristotle اختبارَ التوافق بإيجاز شديد، وكتب:"إنَّ قول ما هو أنَّه ليس هو، أو ما ليس هو أنَّه هو، فهو زائف، في حين أنَّ القول بأنَّ هو ما هو، أو ما ليس هو أنَّه ليس ما هو، فهو صحيح".

هذه النظرية هي اختبار بين ما أؤمن به عن حقائق معينة والحقائق نفسها، هل تتوافق؟ هل اعتقادي هو ملخص صحيح عن الحقيقة أو الحدث أو الفكرة؟ فإذا قلت: "أعتقد أنَّها تمطر" خارج نافذتي، وهي تمطر، ثم وصفت الأحداث على نحوٍ مناسب فبذلك تكون قد وصفتها بصدق.

اختبار الإثبات:

هو يحاول الإجابة عن هذا السؤال:"ما الذي يجعل مقولة صحيحة أم خاطئة؟ كيف يمكن ذلك؟

إجابات آير Ayer:

الإجابة هي أنَّنا نختبر صحة فرضية تجريبية عن طريق رؤية ما إذا كانت تفي بالوظيفة التي صُمِّمت لتحقيقها، وقد رأينا أنَّ وظيفة الفرضية التجريبية هي تَمكيننا من توقع التجربة، وﺑﻧﺎءً ﻋﻟﯽ ذلك إذا كانت الملاحظة اﻟﺗﻲ ﻟﮭﺎ ﻣﻘﺗرح ﻣﻌﯾن ﻣطﺎﺑﻘﺔ ﻟﺗوﻗﻌﺎﺗﻧﺎ، ﯾؤكَّد حقيقة ھذا اﻟطرح

يعترف Ayer بأنَّه لا يوجد يقين في هذه العملية، فإذا جاءت التجربة وِفقًا للتوقعات، فقد تُحسَّن المصداقية، فليس هناك شك في أنَّها سَتُكرَّر، وإذا لم يحدث ذلك ، فقد تُطرح أسئلة عن التجربة، فإذا كانت ناجحة مرة أخرى، يرفق احتمال أكبر أنَّها صحيحة إلى البيان.

إنَّ البصيرة الأساسية لنظرية المعرفة هي أنَّ المعرفة ليست مجرد مسألة إذا كان هناك دليل على وجود معتقد معين في وقت معين، وإنَّما مسألة كيفية قيام الشخص بالأدلة جميعها. لذا، سواء كان هناك اعتقاد معين مؤسس بوجهٍ صحيح بالنسبة لي أم لا، فإنَّه يتعلق بالآلية التي شكلت بها الإيمان. وكيف شكلت هذا الاعتقاد بالتوافق مع الفضائل الفكرية، والاختبارات المكتسبة بمرور الوقت، أو بطريقة تعكس التعامل البسيط مع الأدلة أو عمليات الاستدلال العشوائية.

باختصار، تبقى بعض الأشياء مجهولة للبشر، ولكن إذا قمنا بممارسة الفضائل الفكرية، فيمكننا تحقيق معرفة حقيقية عن أشياء مهمة .

المصادر:

هنا

هنا

هنا