الطبيعة والعلوم البيئية > الطاقات المتجددة

البيتكوين .. الطاقة والانبعاثات وتغيُّر المناخ!

برزت العملات الرقمية في العقد الأخير بروزاً ملحوظاً بعد انتشار تقنيات البلوك تشين. وأهمُّ ما يُميِّز هذه العملات هو غياب الحاجة إلى مؤسّسات الصرافة لتداولها؛ إذ تجري هذه العملية بَدءاً بالتعدين؛ فما لغز تعدين البيتكوين؟ ولماذا يستهلك كماً هائلاً من الطاقة؟

برزتِ العملات الرقمية والبيتكوين تحديداً في العقد الأخير بروزاً ملحوظاً، وحازت اهتمام الكثير من الخبراء الماليِّين والتقنيِّين كونها تُلغي الحاجة إلى مؤسَّسات الصرافة لإجراء عمليَّات التداول؛ إذ يعتمد تداول هذه العملات على تقنيَّات البلوك تشين Blockchain أساساً لتأكيد الهوية والمصداقية.

ولكن مع هذه الشهرة تأتي نتائجُ جسيمة؛ إذ تمتلك العملات الرقمية -على الرغم من كونها رقميةً بالكامل دون وجود عملة نقدية لها- بصمةً كربونيةً مرتفعة، وتنتج هذه البصمة عن إحدى أهمِّ مراحل التداول وهي عملية تعدين البيتكوين.

تجري عملية التعدين أساساً ضمن شبكةٍ من حواسيب الند للند peer-to-peer ويطلق عليهم اسم "المصادقين" أو "المُعدِّنين" وهم من ينجزون "إثبات العمل".

وإثبات العمل مجموعةٌ من البيانات تنجزها شبكة الحواسيب لتأمين عملية إنتاج الكتلة التي تُعدُّ جزءاً أساسياً من تعدين البيتكوين، وتكمن الصعوبة هنا في أنَّ إنجاز هذا الإثبات عمليةٌ مُكلِفة وعشوائية وذات احتمال نجاح قليل، لذلك يترتَّب على المصادقين إنجازُ العديد من العمليات ضمن الشبكة للحصول على إثبات صحيح عشوائياً على أحد الحواسيب، وهنا يتَّضح القسم الأول من استهلاك الطاقة الهائل؛ إذ لا يمكن الاستمرار بعملية التعدين دون إنتاج كتلة (Block) جديدة، وهي التي تتطلَّب تكرار العملية السابقة الذكر.

أين يكمن استهلاك الطاقة؟

في بحثٍ نُشِر في جامعة ساسكس University of Sussex البريطانية، قدَّر الباحثون استهلاك الطاقة اللازم لتعدين البيتكوين سنوياً بـ 3.38 تيرا واط ساعي؛ وهذا أكبر من استهلاك دولة جامايكا بالكامل من الكهرباء عام 2014. ليس ذلك فحسب؛ بل إن هذا الاستهلاك يتزايد على نحو أُسيٍّ وقد تجاوز عتبة 73 تيرا واط ساعي في أثناء الأشهر الماضية (هنا)، وأشار أيضاً بحثٌ نشر في مجلة Nature Sustainability إلى كون الطاقة اللازمة لتعدين العملات الرقمي قد تجاوزت تلك اللازمة للتنقيب عن المعادن الطبيعية.

وبنتيجة هذا الاستهلاك؛ فإن تعدين البيتكوين قد سبَّب انبعاث قرابة 3-13 مليون طن مكعَّب من غاز ثاني أكسيد الكربون CO₂ في أثناء النصف الأول من 2018.

وإذا ما استمرت عمليات التعدين بالشروط والظروف الحالية؛ فسوف تكون مساهمةً رئيسةً في رفع درجة حرارة الكوكب بأعلى من درجتين مئويتين في العقدين القادمين؛ إذ قُدِّرت هذه الأرقام استناداً إلى طرائق توليد الطاقة الحالية.

وهنا تُؤدِّي متطلَّبات طاقة البيتكوين الهائلة فتحَ الباب للمزيد من الصعوبات المرتبطة بها والنقاشات الشائكة فيما يخصُّ الأمكنة اللازمة للحوسبة والتعدين على سبيل المثال؛ وذلك لتحجب النقاش عن السؤال الأهم وهو: ما الأضرار البيئية لتلك العمليات بالكامل؟

بدأ باحثون من جامعة هاواي في مانوا UH Manoa البحث عن الإجابة؛ فقد لجأوا إلى تحليل المعلومات عن كفاءة استخدام الطاقة في الحواسيب اللازمة في التعدين  والمناطق الجغرافية التي يتركَّز فيها المعدِّنون والانبعاثات الناتجة عن عملية توليد الكهرباء اللازمة. واستناداً إلى تلك المعلومات؛ وجد الباحثون أن طاقة البيتكوين اللازمة أنتجت قرابة 69 مليون طن مكعَّب من غاز ثاني أكسيد الكربون في عام 2017.

وقد أشار البحث إلى كون التغير المناخي ينتج أساساً من قطاعات النقل والإسكان والغذاء، وإذا ما استمرَّت فورة البيتكوين على النحو الحالي؛ فسوف يكون القطاع الرابع الأهم في السلسلة.

واستناداً إلى ما سبق؛ فإننا نجد أنَّ الضرر البيئيَّ الأكبر يتمركز في عملية إنتاج طاقة التعدين اللازمة، وعلى مطوِّري العملات الرقمية تركيز عملهم على تخفيف هذا العبء وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة إلى جانب الخطوة الأهم على الإطلاق؛ وهي التحول للاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة العديمة البصمة الكربونية، وإلا فسوف نكون أمام نتائج كارثية في عقدين من الزمن، وربما أقل.

الحل بين أيدينا.

المصادر:

هنا

هنا

هنا