الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

ما الفرق بين الأسطورة والخرافة؟

لقد آثر الإنسان طوال الجزء الأكبر من تاريخه ألا يُواجه الواقع مواجهة مباشرة وأن يستعيض عنه بأخيلته وصوره الذاتية؛ لأن مواجهة الواقع المباشرة تتطلَّب منه بذل جهد كبير وترويض ذاته على إطراح ميولها الخاصة جانبًا واستخلاص القوانين الكامنة وراء الظواهر بعد قبولها على ما هي عليه (وهذه سمة من سمات التفكير العلمي وتُدعى التجريد).

وبعبارة أخرى؛ يبدأ التفكير العلمي عندما يقبل الإنسانُ الواقعَ كما هو، لا كما يتمنى أن يكون.

وحالت عقبات كثيرة ليتَّصل الإنسان مباشرةً بالعالم عن طريق العلم، باذلًا جهودًا كبيرةً ليستطيع السيطرة على عقله ومن ثم السيطرة على العالم. ويُعدُّ التفكير الأسطوري والخرافي من هذه العقبات التي أخَّرت ظهور العلم وهي التي لا تزال تُشوِّه صورة المعرفة العلمية حتى يومنا هذا عند فئات كثيرة من البشر.

وتُعرَّف الأسطورة بأنها: حكاية مقدسة تقليدية، تتناول قصص الآلهة وموضوعات الحياة الكبرى وقضايا الإنسان المصيرية، وتنتقل من جيل إلى جيل بالرواية الشفهية؛ مما يجعلها ذاكرة الجماعة التي تحفظ قيمها وعاداتها وطقوسها وحكمتها وتنقلها إلى الأجيال المتعاقبة، وأدَّت الكتابة دورًا في حفظ الأساطير من التحريف بالتناقل.

ولكلِّ شعبٍ من الشعوب أساطيره التي تُعبِّر عن مبادئه الأخلاقية وقيمه التي تخصُّ الخير والشر، وعن أفكاره التي تخصُّ مصير الإنسان بعد الموت.. إلخ؛ لذا ترتبط الأسطورة ارتباطًا وثيقًا بثقافة الشعب الراوي لها.

وترجع أسباب انتشار التفكير الأسطوري إلى أنه كان يُقدَّم -في إطارٍ بدائيٍّ- تفسيرًا متكاملًا عن العالم، فتُعبِّر الأساطير عن نظرة الشعوب إلى الحياة والطبيعة والعالم، ليبدو العالم الخارجي متلائمًا مع غايات الإنسان ومحققًا أمانيه.

مثل أسطورة إيزيس وأوزيريس في مصر القديمة التي جاءت لتفسير أسباب فيضان نهر النيل آنذاك، ومثلها أسطورة الخلق اليونانية Chaos لتفسير تكوين العالم ونشوئه.

وبهذا يكون لكل جزء من الطبيعة إله أو إلهة مرتبطون به، ويسلكون سلوكًا شبيهًا بالبشر؛ وهذا المبدأ الذي ترتكز عليه الأسطورة يُطلَق عليه: حيوية الطبيعة Animism؛ وهو إسباغ الحياة بالظواهر الطبيعية غير الحية.

والتفكير الأسطوري هو تفكير الشعوب في العصور التي لم يكن العلم قد ظهر فيها بعدُ أو لم يكن قد انتشر إلى الحدِّ الذي يجعله قوة مؤثرة في طريقة معرفة الإنسان للعالم؛ أي كانت الأسطورة الوسيلة الوحيدة لتفسير الظواهر الطبيعية.

أما التفكير الخرافي؛ فهو موجود في عصر العلم ويقوم على إنكاره ورفض مناهجه أو يلجأ إلى أساليب غير علمية وسابقة على هذا العصر؛ مثل التنجيم (الأبراج) والسحر الأسود وقراءة الفنجان والكف.

وفي حين أن الأسطورة تُقدِّم نسقًا مترابطًا ومتكاملًا في تفسير العالم؛ فتقدِّم الخرافة تفسيرات جزئية ومرتبطة بالتفاصيل؛ أي بظاهرة أو حادثة واحدة فقط، ويمكن أن تتعارض الخرافات وتتناقض فيما بينها.

لذلك فالأسطورة هي معتقدات مترابطة يُؤمن بها شعب من الشعوب. أما الخرافة فيمكن أن يؤمن بها شخص ويرفضها شخصٌ آخر، لذلك هي فردية ولا تُشكِّل عقبة في مسيرة تقدُّم العلم سوى في تفكير الشخص نفسه المؤمن بها.

واستمرَّ التفكير الأسطوري فترة أطول مما ينبغي، ولعلَّ أوضح الأدلة على ذلك هو "التعليل الغائي" للظواهر، مثل: المطر يهطل ليروي الزرع وتشرق الشمس لتدفئنا؛ أي التصور أن للحوادث الطبيعية أغراضًا وغايات والتفسير الحقيقي لتلك الحوادث يكمن في تلك الأغراض والغايات. والواقع أن حوادث الطبيعة تحكمها الضرورة فحسب.

واختفى التفكير الأسطوري في مجمله وحلَّ محلّه العلم، في حين لا تزال الخرافة تُعايش العلم وتُمارس تأثيرها حتى يومنا هذا بسبب تداخل واختلاط بين العلم والخرافة في بداية ظهور العلم. وعلى الرغم من أن السحر مبنيٌّ على معتقدات خرافية لا صلة لها بالعلم؛ فقد كان السحرة يلجأون إلى عناصر الطبيعة وموادها؛ مما أدى بهم إلى اكتشاف كثير من أسرارها.

ولم يدم هذا التداخل طويلًا، وبدأ تدريجيًا المنهجُ العلميُّ يثبت تفوّقه الساحق على الفكر الخرافي لسببين؛ الأول: أتاح فهم قوانين الطبيعة علميًّا للإنسان سيطرةً حقيقية على ظواهرها، في حين يقف السحر عاجزًا.

أما السبب الثاني: فقد أثبت العلم أن نتائجه مضمونة ويمكن التنبؤ بها؛ حين يدرس العالِم الظاهرة الطبيعية ويكتشف العوامل المتحكِّمة بها، وتبقى نتيجة الخرافة غير مضمونة على الدوام ولا يستطيع الساحر مثلًا التنبؤ بالحالة التي يكون فيها سحره فعَّالًا.

ويعود استمرار التفكير الخرافي اليوم إلى مغالطة منطقية يُطلَق عليها (التعميم السريع)؛ وهي الإيمان بفاعلية الخرافة بناءً على نجاح أمثلة قليلة جدًّا مصادفةً.

وختامًا؛ فإن الشعور بالعجز في تفسير ظواهر الطبيعة وفهمها هو السبب الرئيس للجوء الإنسان إلى التفكير الأسطوري والخرافي في تعليله الأحداث. أمّا اليوم وبعد أن أجاب العلم عن الأسئلة الأساسية؛ يظهر التفكير الخرافي في مجتمعاتنا على شكل عداءٍ للعلم والعقل، وهو تعبيرٌ عن جمود المجتمع ومقاومته التطور وتوقفه عند أوضاعه.

المصادر:

1. زكريا، فؤاد. التفكير العلمي، سلسلة عالم المعرفة، مارس 1978.

2. السواح، فراس. مغامرة العقل الأولى، دار الكلمة، بيروت، لبنان، ط11، 1996.

3. هنا

4. هنا

5. هنا