الطب > علوم عصبية وطب نفسي

الفصام

مريض الفصام هو المريض الذي اعتاد المجتمع على إطلاق صفة "الجنون" عليه، الحقيقة أنّ كلمة الجنون غير موجودة طبّيًّا وهي مستخدمة فقط في مجال القانون. والفصام هو ليس تعدد الشخصية أو امتلاك أكثر من شخصية كما يعتقد الكثيرون، فكلمة الفصام (Schizophrenia) هي كلمة يونانية الأصل مؤلفة من شقين، (schizein: انفصام) (phren: العقل)، وهي بذلك تعبر عن انفصال الوظائف العقلية عن بعضها كالتفكير والإدراك والذاكرة.

الفِصام هو مرض نفسيّ متكامل الأعراض، يصيب هذا المرض جميع الوظائف الفكريّة والعقليّة، كالتفكير والإدراك والعواطف واللغة والكلام والإرادة والسلوكيّات والتصرّفات. وهو مرضٌ يرتكز على أساس بيولوجي فهو ليس نتاج التربية السيئة أو نتيجة ضعف الشخصية بل يرتكز على أسس وأسباب بيولوجيّة غير محددة بدقة وسنأتي على ذكر الأسباب المتهمة لاحقًا.

وهو مرضٌ مزمن يؤدّي إلى العجز عن مواصلة الحياة الاجتماعيّة والعمل والدراسة والانسحاب التام من المجتمع. ويتفاوت المرض في شدّته بين مريض وآخر، وهو غير قابل للشّفاء، لكنّه قابل للعلاج بأدوية خاصّة للسيطرة على أعراضه المختلفة التي سنتناول ذكرها.

يبدأ المرض بشكل مفاجئٍ بعمر المراهقة والشّباب بنسبةٍ متساويةٍ بين الجنسين. وهو ينتشر بنسبة 1% من مجموع السّكان. يوجد عند جميع الأعراق بنسبٍ متساويةٍ تقريبًا وأيّ شخص ممكن أنْ يتعرّض لهذا المرض في مرحلة مّا من حياته.

تصنّف أعراض الفصام الوصفيّة إلى ثلاث مجموعات، مجموعة الأعراض الإيجابية (Positive Symptoms of Schizophrenia) وكلمة إيجابية لاتعني الأعراض الجيّدة، إنّما تعني الأعراض الظّاهرة بوضوح في المرض ولا تظهر عند أشخاص آخرين غير مصابين بالمرض. تتضمن هذه المجموعة بشكل أساسي "التوهمات Delusions"، فالفصام يؤثّر على وظائف التفكير أكثر من تأثيره على باقي الوظائف العقليّة، والتوهّم هو اضطراب في التفكير يعتقد فيه المريض بأفكار غريبة غير واقعيّة وغير موجودة أو خياليّة. ومحتوى هذه التوهمات يختلف من مريض لآخر ومن التوهمات النوعيّة عند مرضى الفصام التوهمات الاضطهاديّة، وفيها يفسر المريض تصرفات الأشخاص حوله بطريقة خاطئة حيث يعتقد أنهم يَوَدّون إيذاءَه بطريقة مّا (كشخصٍ يركض في الشارع، قد يفسّرها مريض الفصام على أنه ذاهبٌ لإخبار الشرطة عنه). وأيضًا توهمّات زرع الأفكار، حيث يعتقد فيها المريض أنّ أفكاره قد زرعت في عقله بوسيلة مّا ولاعلاقة له فيها. وتوهمّات إذاعة الأفكار، وهي اعتقاد المريض أن أفكاره تذاع على الملأ وفي نشرات الأخبار والصحف. وتوهمّات سرقة الأفكار، وهي اعتقاد المريض أن أفكاره سرقت منه وسحبت من عقله بطريقة مّا. وتوهمّات أخرى قد يختلف محتواها حسب بيئة واعتقادات الشخص، كتوهمّات العَظَمة حيث يعتقد الشخص نفسه نبيًّا بعث برسالة ما ليبشر بدِين معين، أو توهمّات النفوذ حيث يعتقد أنه ذو قدرات خاصة وأنه يمتلك نفوذًا على الناس، أو توهمات العشق وهي تكثر بين النساء حيث تعتقد المريضة أنها محبوبة من قبل شخصية ذات شهرة وتوهمّات أخرى تختلف بين المرضى.

ومن الأعراض الإيجابيّة أيضًا، "الإهلاسات Hallucinations" وهي اضطراب في عملية الإدراك، حيث يحسّ المريض بأشياء غير موجودة في الواقع (يضطرب إدراكه) (كأن يرى شيء غير موجود أو يسمع شيء غير موجود أو يتذوق ويشم و أشياء غير موجودة في الواقع)، فهي إذاً كما ذكرنا أنواع، وأهمها الإهلاسات السمعية، فقد يسمع المريض أصواتاً تخاطبه وتأمره بفعل أمر ما، أو أنها قد تعلق على أفعاله وتصرفاته فتشتمه وتهينه فيقوم بالبكاء، أو أنها تمدحه أو تشعره بالسعادة فيقوم بالضحك. أما الإهلاسات البصرية فقد يرى فيها المريض أشكالاً غريبة أو قد يرى الجن أو الجثث أوالأشباح أو الأنبياء والملائكة. وفي الإهلاسات الشمية يشم المريض روائح الجثث المتعفنة أو أي رائحة أخرى. من ضمن الإهلاسات اللمسية قد يحس بأشياء تقوم بلمسه أو أشياء موجودة في أحشائه (كوجود أفعى في معدته، أو صراصير تحت جلده).

ومن ضمن الأعراض الإيجابيّة مايسمّى "الجاموديّة Catatonia"، وهي مجموعة من الأعراض، تتّصف بمحافظة المريض على وضعيّات ثابتة لفترة طويلة، (فقد يبقى المريض لفترة طويلة محافظًا على وقوفه في مكان مّا محدّقًا بشيء مّا أو في الحائط).

المجموعة الثانية من الأعراض، تسمّى الأعراض غير المميّزة (غير الوصفيّة) وهي تتضمّن: تطاير الأفكار (انتقال المريض من فكرة إلى أخرى بسرعة دون أيّ رابط بين الفكرتين)، والمراوغة في الكلام، والتكلّم بلغاتٍ أخرى غير موجودة، وتكرار طقوس معينةٍ قد تبدو غير هادفةٍ (كالدّوران حول النّفس أو حول شيء مّا، أو البصاق في صحن مّا من فترة إلى أخرى)، والنّسيان أو إضاعة الأشياء.

أمّا الأعراض السلبيّة "Negative Symptoms of Schizophrenia" وهي لا تعني الأعراض السيّئة، وإنّما تعكس غياب بعض التصرّفات أو السلوكيّات الطبيعيّة عند مرضى الفصام وتتضمّن: تبلّد الوجدان (نقصان الاستجابة العاطفية تجاه الأحداث المحيطة بالمريض "فمثلاً قد لايحزن المريض لموت صديق")، وتتضمن الخمول وبطء الحركة، وفقدان الإرادة والطموح، وفقدان السعادة واللّذة في الحياة، وعدم الاعتناء بالمظهر الخارجي.

أما عن الأسباب المتّهمة في مرض الفصام، فقد وجدت الدّراسات أن الوراثة متّهمة في إحداث المرض، حيث ينتشر المرض عند عائلات أكثر من أخرى. وترتفع نسبة الإصابة عند أخ توأم لمريض فصامي مما يؤكّد العامل الوراثي في إحداث لمرض.

ويتهم فرط إفراز الدوبّامين (وهو من المواد الكيميائية العصبية (نواقل) التي تساعد الخلايا العصبية على نقل إشارتها) وهذا الإفراط في الإفراز قد يؤثر على طريقة استجابة الدماغ للمؤثرات الخارجية، ونتيجة هذا الاضطراب قد تنشأ الأعراض الإيجابية كالتوهمات والإهلاسات. كما أن خللاً أو تشوّهات معيّنة في مناطق محدّدة في الدّماغ قد وجدت عند مرضى الفصام في بعض الدراسات.

وقد تتهم بعض العوامل البيئية في إحداث المرض، كبعض الفيروسات (ويرجّح هذا الأمر حدوث المرض في أوقات معيّنة من السنة حيث تكون فترة العدوى ببعض الفيروسات).

يرتكز علاج الفصام بشكل أساسي على علاج أعراض المرض وتخفيفها فلا يمكن الشفاء من المرض. ويعتمد العلاج بشكل أساسي على صنف من الأدوية يدعى بمضادات الذهان antipsychotics (والذهان "psychosis" تعني خلل التمييز بين الواقع والخيال) وهذه الأدوية توقف التوهمات والإهلاسات واضطرابات التفكير الأخرى. كما توجد طرائق أخرى للعلاج تعتمد على إعادة تأهيل المرضى وتدريبهم للتعامل مع حياتهم الاجتماعية واليومية بشكل أفضل. وأيضاً العلاج ضمن مجموعات لمرضى الفصام، والعلاج لأسر الفصاميين حتى يتمكنوا من تقبل مريضهم والتعامل معه بطريقة صحيحة. ورغم أن الكثير من مرضى الفصام يتم علاجهم كمرضى خارجيين (خارج المشفى) إلا أن بعض المرضى قد تستدعي حالتهم إدخالهم إلى المشفى نظراً لخطورة حالتهم أو خطورتهم على الآخرين.

ومن العلاجات أيضاً مايسمى بالتخليج الكهربائي (Electroconvulsive therapy "ECT") وهي تعتمد على وضع الكترودات (أسلاك توصيل كهربائية) على رأس المريض ومن ثم تحريض صدمات كهربائية تحدث نوبات اختلاجية لدى المريض (تشبه الصرع) قادرة على إفراغ محتوى الدماغ من النواقل العصبية نتيجة فرط التنبيه المستمر، وهذه الطريقة من العلاج تستخدم في الحالات الحادة والغير مستجيبة على العلاج الدوائي.

ويبقى الأهمّ في علاج مرضى الفصام هو مساعدة المجتمع لهم وعدم نبذهم ونعتهم بصفات خاصّة أو تصنيفهم تصنيف خاص، والعمل على دمجهم في المجتمع وإعادة تأهيلهم.

المصادر: هنا

مصدر الصورة: هنا