الغذاء والتغذية > الفوائد الصحية للأغذية

الكمأة.. الكنز الصحراوي اللذيذ!

تنتمي الكمأة إلى عائلة الفطريّات الزقيَّة Ascomycota التي تنمو تحت الأرض Hypogeous، وتشمل هذه العائلة عدة أنواع وأجناس مختلفة أهمها الجنس Terfezia وTirmania وMattirolomyces وTuber وPeziza. ويتوزَّع بعضٌ من هذه الأجناس في البيئات الجافة وشبه الجافّة؛ مثل صحارى أفريقيا وبلاد الشام والجزيرة العربية، وأشهرها Terfezia وTirmania وتُعرف بالكمأة الصحراوية Desert truffles. في حين تنتشرُ كمأة الغابات (الكمأة العطرية) Forest truffles في أمريكا وخصوصًا كاليفورنيا، ودول أوروبا مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا وصولًا إلى المملكة المتحدة. وتتميز جميعُها بالنمو التعايشيّ جانب جذور بعض النباتات الحولية والأشجار وعلى عمق 5-10 سم، إذ توجد الكمأة الصحراوية قرب نبات الرقروق Helianthemum (أو ما يسمى الهشيمة أو عشبة الكمأة)، وتوجد الكمأة العطرية قرب أشجار البلوط والبندق.

وتوضِّح الصور الآتية بعضًا من أنواع الكمأة الصحراوية والعطرية.

وتعدّ الكمأة الصحراوية من أقدمِ الأطعمة التي عرفها المصريون القدامى واليونانيّون والرّومان والقبائل البدويّة في صحراء كالاهاري الجنوب أفريقية، وقد استوردها اليونانيون والرومان من ليبيا لتباع في أرجاء القارة الأوروبية حيث كانت تُستخدم لأغراضٍ غذائية وعلاجيّة.

ويحتاج البحث عن الكمأة إلى خبرةٍ ومهاراتٍ خاصّةٍ لاكتشاف أماكن وجودها، وقد يتطلب الأمر الاستعانة بالحيوانات، كالكلاب والخنازير، بسبب قدرتها على التقاط رائحة المركبات الطّيارة الموجودة في الكمأة. ويُشتَرَط للحصول على موسمٍ جيدٍ من الكمأة توفّر معدّل هطول مطريّ بين 50 – 380 مم سنويًّا، إضافةً إلى التوقيت المناسب، والكميّة الهاطلة، وتوزُّع الأمطار، وهو ما يفسّر غلاء ثمنها واقتصارَ وجودها على فترات محددّة من السنة. ويجب أن تبدأ الهطولات المطرية في فترةٍ لا تتجاوز بداية شهر كانون الأول (ديسمبر) في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ولا بدَّ هنا من الحديث عن الشائعات التي تتناول عمليةَ تشكُّل الكمأة، إذ يتناقل الأشخاص القاطنون في مناطق نموها والعاملون في جمعِها أقاويل عديدة تفيد بأن العواصف الرعدية هي السبب وراء ظهور الكمأة من العدم، ويدعمون أقاويلهم هذه بأنَّها لا تمتلك أية بذورٍ أو جذور، لكنَّ ظهور الكمأة يرتبط بالهطولات المطرية لأنَّ الأجسام الثمرية غيرَ الناضجة ذات الجدران الرقيقة تحتاجُ إلى كميةٍ كبيرةٍ من الأمطار الهاطلة كي تحتجز تلك المياه موفِّرة الرطوبة اللازمة لتشكُّل الأبواغ الزقيّة، في حين تُسهم العواصف الرعدية** في تركيز الآزوت الذي يُعرف عنه أنَّه ضروريٌ لتشكُّل الأجسام الثمرية في جميع أنواع الفطريات، علمًا أنَّها تكون مرتبطة بجذور النبات المضيف بخيوط دقيقةٍ من الهيفا الفطرية Hyphae. ويؤدي مجموع هذه العمليات إلى انتفاخ الأجسام الثمرية تدريجيًا حتى يقترب فصل الربيع وتبدأ التشققات المميزة لها بالظهور على سطح التربة، مشكِّلةً بذلك الدليل الذي يعتمده جامعو الكمأة في تحديد مواقع نموها.

المكوّنات الغذائية لفطر الكمأة:

أظهرت التحاليل الكيميائية للكمأة تكوُّنها من قرابة 60% من الكربوهيدرات، و20-27% من البروتين، و3-7.5% من الدهون بنوعَيها المشبَعةِ وغيرِ المشبَعة، إضافةً إلى 7-13% من الألياف و2-5% من حمض الأسكوربيك (أو الفيتامين C)، وذلك على أساس الوزن الجاف Dry weight. ويختلف التركيب قليلاً من نوعٍ لآخر، إذ تحتوي الكمأة البيضاء (أو الزبيدية) Tirmania nivea على نِسَب أعلى من البروتين والدهون والألياف الخام مقارنةً بالكمأة السوداء Terfezia claveryi.

تحتوي الكمأة أيضًا على مركباتٍ عضوية طيارة VOCs تسهم في التعرُّف على أماكن وجودها فضلًا عن دورها البيئي في التعايش القائم بين فطر الكمأة والنبات المضيف وغيره من النباتات التي تنمو في البيئة نفسِها. وقد تعرَّف العلماء حتى يومنا هذا على أكثرَ من 200 مركبٍ عضوي طيارٍ تشمل عددًا من الحموض الدهنية الطيارة والتربينويدات terpernoids والمركبات العطرية والمركبات المحتوية على الكبريت.

الفوائد الصحيّة للكمأة:

مصدرٌ غذائيٌّ متكامل:

تحتوي الكمأة على معظم العناصر الغذائية اللازمة للجسم مثل الكربوهيدرات والبروتين والدهون المشبعة وغيرِ المشبعة والألياف ومركبات النكهة والستيرولات وعددٍ من المغذيّات الدقيقة مثل الفيتامين C والسيلينيوم والبوتاسيوم والصوديوم والكالسيوم والمغنيزيوم والمنغنيز والحديد والألمنيوم والنحاس والفوسفور والزنك.

وتزداد القيمة الحيوية للكمأة باحتوائها على الأحماض الأمينية التّسعةِ الأساسية، بما فيها الكبريتيّة منها مثل الميثيونين، والسيستين، واللّايسين، والتّربتوفان؛ والتي تعدُّ أحماضًا محدِّدةً في الأطعمة غير الحيوانية، ممّا يجعل من الكمأة مصدراً بروتينياً كاملاً.

مقاومة الأمراض المزمنة وتخفيف الالتهابات:

تحتوي الكمأة، وخصوصًا البيضاء، على مجموعةٍ كبيرةٍ من مضادات الأكسدة، مثل حمض الأسكوربيك والليكوبين lycopene والكاروتينات وحمض الغاليك gallic acid وحمض الهوموجينتيسيك homogentisic acid والإرغوستيرولات erogsterol والفينولات المؤسترة esterified phenolics والحرّة free phenolics وغير الفيلافونويدية nonflavonoid phenolics والفلافونويدات flavonoids وغيرِها من البولي فينولات.

وقد أثبتت الأبحاث المجراة على مستخلصات الكمأة، وغيرِها من الأغذية، قدرةَ تلك المركّبات الفعالة على محاربة الجذور الحرّة وحماية خلايا الجسم من التّلف بفعل العناصر المؤكسِدة، ممَّا يقلّل خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والسُّكري وارتفاع الكولسترول ويساعد على تقليل الالتهاب وتحسين مناعة الجسم.

الوقاية من الجراثيم والفيروسات:

دُرِسَت الفعالية المضادة للبكتريا والفيروسات لمستخلص فطر الكمأة أوّل مرّة في الثمانينات من القرن العشرين، إذ حلّل أحد الباحثين المستخلَصاتِ القطبيةَ وغير القطبية للكمأة السوداء من نوع Terfezia claveryi مخبريًّا، فاكتشفَ قدرتها على إنتاج جزيء صغيرٍ يوازي فعاليةَ المضادات الحيوية الببتيديّة، وتمكّن ذلك الجزيء من تثبيط نمو كلٍّ من بكتيريا المكوّرات العنقوديّة الذهبية Staphylococcus aureus التي يمكن أن تسبّب طيفًا واسعًا من الأمراض عند البشر، وبكتيريا الزائفة الزنجاريّة Pseudomonas areuginosa التي تتصف بمقاومتها الشديدة للمضادات الحيويّ، فضلًا عن فعاليته تجاه الجراثيم المسبّبة لقرحة المعدة، والجراثيم المُهاجِمة للجروح المفتوحة.

مكافحة بعض أنواع السّرطان:

تقترحُ بعض الأبحاث قدرة الكمأة على محاربة أنواع محدّدة من السرطان، فقد أظهرت دراستَان مخبريّتان قدرة المكوّنات المستخلَصةِ من عدّة أنواع من الكمأة على منع نموّ الخلايا السرطانية لكلٍّ من سرطانات الكبد والرئة والقولون والثدي وعنق الرّحم. لكنَّ الأمر ما زال بحاجة إلى مزيدٍ من الأبحاث.

أخيرًا، تساعد سهولة تحضير الكمأة وطعمها المحبّب على تناولها وجبةً خفيفةً غنيةً بالفوائد، كذلك يمكن الاستمتاع بنكهتها الغنية بعد مزجها مع أي طبقٍ رئيسيٍّ آخر، علمًا أن الكمأة السوداء تعدُّ أقلَّ كلفةً من البيضاء، وتترافق على نحوٍ جيدٍ مع الأطباق المحتوية على الصلصات والمعكرونة والأرز واللحوم والمأكولات البحرية.

هامش:

** آلية تأثير العواصف الرعدية في نمو فطر الكمأة:

يشكل غاز الآزوت N2 النسبة الأكبر من الغازات الموجودة في الغلاف الجوي حول الكرة الأرضية (قرابة 78%)، لكنَّ النباتات والفطريات لا تستطيع أن تستفيد من عنصر الآزوت عندما يكون بحالته الغازية بسبب قوة الروابط بين ذرتَي الآزوت، علماً أن هذه الكائنات الحية تحتاج إلى الآزوت كي تنمو وتزداد حجومها.

وتعدُّ العواصف الرعدية سببًا أساسيًا في انتقال عنصر الآزوت من الغلاف الجوي وتركُّزه في التربة، وذلك لأن الطاقة الكبيرة التي تصاحب الرَّعد تُسهم في انشطار ذرتي الآزوت وتكوين مركباتٍ آزوتية أخرى، وتنحل تلك المركبات الجديدة في مياه الأمطار الهاطلة في أثناء العواصف الرعدية وتُمتصُّ من قِبل النباتات والأجسام الثمرية الفطرية بسهولة كبيرة.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا