البيولوجيا والتطوّر > التطور

البشرة الداكنة وسرطان الجلد

إذا نظرنا حولنا نجد بأنّنا نمتلك ألوان بشرة مختلفة تتنوّع ما بين الداكن والفاتح، لكن يا ترى ما هي فائدة لون البشرة الداكنة؟ دعونا نتعرّف ما هي أحدث الدراسات في هذه المجال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعطي البشرة الداكنة لأصحابها حماية ضدّ الأشعة فوق البنفسجية والتي تُعتبر ضارّةً لأنّها تعمل على تحفيز سرطان الجلد، حيث أنّ الأشخاص الذين يمتلكون بشرةً فاتحة هم أكثر عُرضةً بألف مرة للإصابة بثلاثة أنواعٍ من سرطان الجلد مقارنة مع ذوي البشرة الداكنة. اعتقد الباحثون لسنوات بأن هذه الخطورة المنخفضة للإصابة بسرطان الجلد لذوي البشرة الداكنة هي مجرد فائدة عَرَضيّة وليس لكونها ناتجة عن الانتقاء الطبيعي.

حتّى تشارلز دارون Charles Darwin كان غير مقتنع بالفكرة القائلة بأنّ امتلاك البشرة الداكنة هي صفة تكيّفيّة ناتجة عن الحاجة للتكيّف مع البيئة، إلّا أن دراسةً جديدة وجدت دليلاً على أنّ امتلاك البشرة الداكنة عند أشباه الإنسان (Hominids) ناتجٌ عن الانتقاء الطبيعي، حيث أنّ البشرة الداكنة تعطي حمايةً ضدّ سرطان الجلد ممّا شكّل قوّة دفع انتقائيّة لانتشار البشرة الداكنة.

لون الجلد والسرطان:

بُنِيَتْ هذه الأبحاث على دراسات قام بها العلماء على أفراد مصابين بالمهق أو Albinism (حالة وراثية ناتجة عن غياب الصباغ في العين والجلد والشعر) تم تتبّعهم من خلال السجلّ الطبيّ في إفريقيا الاستوائيّة، حيث أنّ أفراد هذه المنطقة يتعرضون لأعلى نسبة من الأشعة فوق البنفسجية على كوكب الأرض.

وجدت هذه الأبحاث أنّ أكثر من 80% من الأفراد المصابين بالمهق قد أُصيبوا بسرطان الجلد قبل عمر الثلاثين أي تقريباً خلال ذروة السنّ الانجابي للفرد. وفقاً للباحثين فإنّ الأفراد الذين يمتلكون بشرةً فاتحة هم أكثر عرضة للموت بشكل مبكّر، وبالتالي سوف يتناقص نسلهم مقارنةً بأصحاب البشرة الداكنة.

يعتقد العلماء الذين قاموا بهذه الدراسات بأنّ الإنسان القديم قد امتلك بشرة فاتحة تحتوي على نوع من الصبغات يدعى Pheomelanin كالتي يحتويها جلد الشامبنزي القريب من الإنسان تطوّرياً. يُعتقد أنّ أجدادنا قد خسروا شعر أجسادهم ليُصبحوا قادرين على تحمّل الحرارة العالية في السافانا الإفريقيّة، ونتيجة لذلك فإنّ البشرة الفاتحة عرّضت أصحابها لخطر الإصابة بسرطانات الجلد في عُمرٍ مبكّر.

تطوّر البشرة الداكنة:

أمّا الأفراد الذين تطوّرت لديهم صبغة اللون الداكن Eumelanin (بني إلى أسود) في الجلد كانوا يمتلكون أفضليّةً واضحة للبقاء، لأنّ هذه الصبغة تعطي حمايةً طبيعيّة ضدّ حدوث أيّ أذى في المادة الوراثية الدنا (DNA) والذي تسبّبه الأشعّة فوق البنفسجيّة وبالتالي حماية ضدّ سرطان الجلد. بالمقابل فإنّ الأفراد ذوي البشرة الداكنة قديماً كانوا أقلّ عرضةً للموت من سرطان الجلد في سنٍّ مبكّر وبالتالي عاشوا لفترةٍ أطول تسمح لهم بالتكاثر بشكلٍ أكبر مورِّثِينَ صفة البشرة الداكنة المقاومة لسرطان الجلد لأبنائهم.

وفقاً لهذه الدراسة، والتي نُشِرت في Proceedings of the Royal society B، فإنّ البشرة الداكنة ظهرت قبل حوالي 1.2-1.8 مليون سنة في أفريقيا الاستوائيّة، وهي ذات المنطقة التي غالباً ما يؤدّي فيها المهق إلى الموت المبكّر بسبب سرطان الجلد.

تخفي هذه الطبيعة أسراراً كثيرة، فوراء كلّ شيء ورثناه سرٌّ هو سبب وجودنا على هذه الشكل، ووراء تنوعنا أيضاً.

كلّما تعمّقنا ودرسنا أكثر سنكشف أسراراً أكثر متعة، فهذه هي متعة العلم، كلّما تعلمنا أكثر وجدنا بأنّ هنالك الكثير الكثير من الأشياء التي لا نعرفها.

المصدر:

هنا