الطب > مقالات طبية

مرضى في عصر التكنولوجيا الذكيّة، هل هم كبش الفداء اللاحق؟!

اجتاحت التكنولوجيا الحديثة في العقود الأخيرة  ساحات العلوم وميادينها جميعًا اجتياحًا منقطع النظير؛ إذ  أصبحت محورًا لأنظمة الرعاية الصحيّة السّاعيَة وراء تقديم العناية الفائقة الخاصّة بكل مريض؛ ابتداءًا بمرحلة التشخيص، ومن ثمّ العلاج، وصولًا إلى متابعة المريض بعد تخريجه من المستشفى واستكمال الإجراءات الوقائيّة عن طريق أجهزة المراقبة الذاتيّة وغيرها من تطبيقات الأجهزة الذكيّة؛ هذا ما قدّم مساهمة إيجابيّة في ظلّ الشيخوخة السكانيّة المرتفعة، وانتشار الحالات المرضيّة المزمنة المتزايد، والهدف هو إبقاء المرضى بعيدين عن المستشفيات.

وتعهدُ العديد من التقنيات المتقدمة ظهورَ أدوات وأجهزة تشخيصيّة وعلاجيّة متطورة لتكونَ مفتاح  صلة الوصل بين المعالج والمريض، عن طريق تسهيل مرحلة عرض المشكلة التي يعانيها المريض والتأكد من صحة كلامه على وجه الدقّة؛ ما قد ينعكس إيجابًا على سلامة المريض، كون بحوث السلامة واحدة من الأساسيّات الراسخة الموضوعة ضمن أجندات سياسيّة ومهنية في أنحاء العالم.

يساعد  تطبيق iWander على مراقبة مرضى ألزهايمر عن طريق أجهزة تعقّب صغيرة تعتمد نظام تحديد المواقع GPS، ويُجرى التقييم عبر أجهزة منفصلة صغيرة  توضع في ساعة يد، فيزوِّد التطبيقُ المريضَ بمعلومات جغرافيّة تنذره في حال ابتعاده عن المنزل وبكيفيّة العودة بسلامة، مع إمكانية إجراء مكالمات جماعية للطوارئ وللشخص المسؤول عن تقديم الرعاية للمريض، وقد  أظهر هذا التطبيق كفاءة وجودة عاليتين ضمن أوساط المستخدمين،

بالإضافة إلى تقنية الكشف المبكر عن الأمراض؛ كجهاز مراقبة مرضى الربو القابل للارتداء الذي يراقب تغيّرات المريض الفيزيولوجيّة والبيوكيميائيّة تحت أي ظرف أو بيئة عن طريق أجهزة استشعار طبيّة حيويّة تلتقط هذه المتغيرات وتفسرها لتعطي إنذارًا معيّنًا، وغيرها من الأجهزة القابلة للارتداء؛ كالعدسات اللاصقة التي تتحقق من مستوى غلوكوز الدم وضغط العين.

يتنبأ جهاز الربو القابل للارتداء بنوبات الربو قبل حدوثها

تضيء هذه الأمثلة -وغيرها العديد- الجانبَ المشرق  من طواعيّة التكنولوجيا الذكيّة في خدمة الإنسان ورفع مستوى الوعي لدى المرضى عن طريق تعميق علاقة "المريض-الطبيب".

ولكن؛ لا تقتصر أبعاد الذكاء الصنعي -عندما يُناقش  في الميدان الطبي- على هذا الجانب فحسب، إذ توصف التكنولوجيا الذكيّة بأنها سيف ذو حدّين؛ على صعيدَي سلامة المريض والعلاقات العلاجيّة (تشير إلى العلاقة القائمة بين مقدم الرعاية والمريض)، فإدخالها في مجال العناية السريريّة على نحوٍ غير منظم أو غير مدروس يخلق تبعات أخلاقيّة تودي بأصحاب المهن ذات الصلة.

وتعمل بعض الوكالات مثل هيئة الغذاء والدواء الأمريكيّة (FDA) ووكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحيّة في المملكة المتّحدة (MHRA) على تطوير مجموعة إرشادات تهدف إلى مراقبة فعاليّة تطبيقات الأجهزة الذكية الطبية وتنظيمها؛ مما يخلق بنية تحتيّة تؤمن مجموعة من المبادئ التوجيهيّة  فيما يخص ممارسات المريض وحاجاته جميعها.

ومع ذلك؛ نرى أنّ خطر وقوع بعض هذه الأجهزة (المعتمدة على نظم البرمجيات) في مجال الخطأ خارج إطار التنظيم واردٌ وعلى نحوٍ كبير أيضًا.

ويعطي الإصدار الأخير من ساعات شركة آبل Apple المستخدمين تحذيرات عند حدوث ارتفاع أو انخفاض في نُظم دقات القلب عن المستوى الطبيعي، ويعد نقلة نوعيّة في مجال الرعاية الصحيّة المنزليّة؛ إذ يعتمد هذا الأخير على إعطاء صورة بيانيّة كهربائيّة للقلب (ECG) عن طريق لمسة الإصبع، وبعد 30 ثانية  تعطى النتائج بناءً على قراءة المخطط البياني وتحليله (هل كانت طبيعيّة أم تقترح وجود مشكلة طبيّة)، وتظهِر هذه الميزة الجديدة نتائج واعدة في صفوف بعض الأشخاص ممن لديهم حالة تدعى بالرجفان الأذيني atrial fibrillation التي تتضمن أعراضًا مثل الوهن والتعب وضيق التنفس وألم في الصدر وغيرها، ولكن؛ غالبًا  ما يحدث لدى الشريحة الأكبر من المستخدمين عدم انتظام في ضربات القلب غير مرافق بالضرورة لأعراض مرضيّة؛ مما يعرضهم لخطر الخضوع لعمليّة جراحيّة أو لمعاناة من أعراض جانبية كالغثيان والدوار ناتجة عن أخذ أدوية غير ضروريّة، أو على الأقل سوف يقعون في شباك إنذار خاطئ.

الإصدار الأخير من ساعات شركة آبل

تقترح عدة مؤسسات أنّ استخدام أجهزة المراقبة الذاتيّة المتزايد قادر على تعزيز العناية الصحيّة لدى المستخدمين، وأنّه يسهل إدخال المرضى ضمن عمليّة تقديم الرعاية في حال تركز في  ثلاثة عوامل مهمة:

- نزاهة المعلومات المقدمة من الأجهزة الذكيّة (الموجهة مباشرة للمستهلك DTC) بالإضافة إلى الفائدة السريريّة الملموسة  عن طريق تحسّن صحة المريض:

تعطي الفحوصات الجينيّة (الموجهة إلى المستهلك DTC مباشرة) معلومات عن احتماليّة تطوير الفرد لعدّة حالات مرضيّة؛ كأمراض القلب والسكري والسرطان وغيرها، وغالبًا ما تقع نتائج تلك العطيات في إطار عدم الدقّة أو التفسير الخاطئ لها؛ ما يضع مقدمي الرعاية في موقف مقلق حيال سلامة الأفراد.

- تضع المبالغة في إعطاء نتائج مقلقة سلامةَ المريض على المحك بدلًا من طمأنته حيال حالته الصحيّة:

أجهزة التعقّب التي تعتمد على تغيّر العلامات الحيويّة للفرد vital signs؛ كجهاز مراقبة دقات القلب الذي غالبًا ما يفسّر معطيات لا معنىً لها ضمن إنذارات وتحذيرات، تضع المريض بطريقة غير مباشرة تحت خطورة إجراء اختبارات وفحوصات غير ضروريّة نتيجة غياب سعة إدراك المريض حيال آلية عمل تلك الأجهزة؛ مما يلحق الضرر بكلٍّ من سلامة المريض والعلاقات العلاجيّة مجددًّا.

- التسويق المباشر للمستهلك يؤثر سلبًا في العلاقة القائمة  بين المريض ومقدم الرعاية الصحية، إذ إنّ أغلب المستخدمين مجرّد مستهلكين وليسوا بمرضى؛ مما ينقص أهمية العلاقات العلاجيّة.

تكنولوجيا الهواتف المحمولة وغيرها من الأجهزة الذكيّة مستمرة في الخوض في غمار الرعاية الصحيّة، وتصل رويدًا رويدًا إلى الشريحة الأوسع من الأفراد؛ مرضى وأصحاء وبمختلف الأعمار، ومن المتوقع أن يصل عدد مستخدمي الهواتف الذكيّة إلى 80% من سكان العالم في عام 2020، بالإضافة إلى حصيلة أكثر من 100.000 تطبيق ضمن مجال الرعاية الصحيّة بما فيها الأجهزة الطبيّة القابلة للارتداء wellness wearables المعتمدة على تعقّب علامات المرضى الحيويّة vital signs وتقديم الاستشارة والمعونة.

إلى أين ستقودنا التكنولوجيا؟! وهل علينا أن ندق ناقوس الخطر ونأخذ الحيطة والحذر حيالها أم أصبح وجودها بديهيًّا في ظل عصر السرعة والتطور الذي نعيشه؟ هذا ما ستجيبنا عنه التكنولوجيا في الأيام القادمة.

المصادر:

1- هنا

2-هنا

3-هنا

4-هنا