لماذا يعيش الرجال أقل من النساء؟

في أثناء المائة سنة الماضية؛ لا بدّ من أننا جميعًا لاحظنا التقدّم المتسارع والتغييرات التي تحدث في نواحي الحياة كافّة متضمنة النواحي الطبية. وعلى الرغم من أنّ الحياة البشرية قائمة على التغيير والتطور؛ بقيت الفجوة الجندرية ثابتة طيلة تلك الفترة.

الفجوة الجندرية هي قضية عالمية، واعتمادًا على التقارير الإحصائية الصحية؛ يتبيّن لنا أن النساء يعشن فترات أطول من الرجال. وتوجد هذه الفجوة في المدى العمري في كلٍّ من الدول الصناعية والدول النامية، وتتأثر بالعرق أيضًا؛ إذ تبلغ في أمريكا 5.1 سنة، في حين تبلغ بين النساء والرجال من أصول أمريكية أفريقيّة 6.8 سنة.

ولمناقشة الفروقات في الصحة والرعاية الصحية بين الرجال والنساء وتحديدها على نحوٍ أوضح؛ من الضروري التمييز بين مصطلحَي "الجنس" و "الجندرية" وآثارهما الأساسية في الصحة.

تعتمد الفروقات الجنسية على عوامل بيولوجية متضمنة الوظيفة التناسلية وتراكيز الهرمونات الجنسية، إضافةً إلى التعبير عن الجينات على كلٍّ من الصبغيين X و Y وآثارها. في حين ترتبط الجندرية بالسلوك وبنمط الحياة وبالتجربة الحياتية، وتحدد المدخل إلى الرعاية الصحية. وتكمن الفروقات الجندرية التقليدية في الرعاية الصحية في استخدام إجراءات الوقاية وفي الأدوية الموصوفة وفي تعويضات التأمين الصحية وفي الإحالة أو القبول في علاجات معينة كزراعة ناظم الخطا أو عملية زرع قلب؛ إذ إن مَهمة الطب الجندري مراعاة احتياجات كلا الجنسين.

عمليًّا؛ ليس من السهل الفصل بين تأثير كل من الجنس والجندرية؛ إذ يؤثر الجنس في الصحة عن طريق التباينات السلوكية من جهة (فعلى سبيل المثال؛ يسبب التستوستيرون سلوكًا عدوانيًّا مرتبطًا بالبحث عن المخاطر وتجاهل الصحة الشخصية)، ومن جهة أخرى؛ يستطيع السلوك الجندري تعديل العوامل البيولوجية؛ ما يؤدي إلى تأثيره في الصحة.

وقد يُحدِث التعرض للضغط والسموم البيئية وسوء التغذية تغيراتٍ جينية وفوق جينية لدى البالغين والأطفال وحتى الأجنة الآخذة بالتطور، وتختلف هذه التغيرات وآثارها الفيزيولوجية بين النساء والرجال، وتُعدَّل آلية إصلاح الـ DNA عن طريق الهرمونات الجنسية. وهكذا نجد أنّ الفرضيات الطبية بحاجة إلى أخذ آثار كل من الجنس والجندرية بعين النظر؛ ولذلك يهدف الطب الجندري إلى إضافة الأبعاد البيولوجية والاجتماعية والثقافية وآثارها في النساء والرجال لتحسين الصحة والرعاية الصحية.

ولأن الجنس والجندرية يؤثران في مجال واسع من الوظائف الفيزيولوجية؛ فلهما أثر في مجال واسع من الأمراض أيضًا.

وبالطبع هناك فترات يشهد فيها العالم كثيرًا من الحروب؛ مما ينعكس على المدى العمري لدى كل من الرجال والنساء انعكاسًا كبيرًا؛ إذ إن الرجال هم من يخوضون الحروب والقتال وليس النساء، ولكن؛ يكون الرجال عمومًا -في منتصف العمر- أكثر عرضة للإصابة بأمراض قلبية وللموت الناتج عن هذه الأمراض، ويعدّ التدخين عقبة كبيرة أيضًا، فالرجال يدخنون أكثر من النساء، إضافةً إلى أنّ هرمون الإستروجين -الذي يُساهم في الحماية من الأمراض القلبية- يُصنع لدى النساء بمعدل أعلى من الرجال وذلك حتى بلوغهنّ سن اليأس.

وتعدُّ الضغوط مشكلة حقيقية أيضًا. ويتعامل الرجال مع الضغوط بأسلوبٍ يختلف عن أسلوب النساء، فيميلون إلى كتمان أكثر، في حين يوجد لدى النساء عدد أكبر من الصداقات والعلاقات الاجتماعية القوية التي تساعدهنّ على تخطي هذه الأزمات. وبحسب دراسة أجرتها جامعة بريغام يانغ BYU  Brigham Young University؛ تساهم العلاقات الاجتماعية القوية في تخفيف الضغوط وفي إطالة الحياة. ومما يزيد هذه الفجوة الجندرية هو أنّ النساء تفحصن الكولسيترول وتتابعن فحوصاتهن العامة دوريًّا وتمِلن إلى الحصول على تأمين صحي أكثر من الرجال.

وتشير الدراسات إلى أنّ 70% من مدى حياة الإنسان يعود إلى شأن بيئي. في حين يعود 30% منه إلى الجينات. وهنا تجدر الإشارة إلى أن النساء يملكن صبغي X واحد أكثر من الرجال، في حين لا يقدم الصبغي Y للرجال الكثير فيما يخص إطالة أمد الحياة.

وإنّ معدّل الوفيات العام أعلى بـ 41% عند الرجال مقارنة بالنساء، ويتوفون في عمر أصغر من النساء ومعرضون للإصابة بالأمراض في أثناء حياتهم أكثر، ويمرضون في عمر أصغر من النساء ويصابون بأمراض مزمنة أكثر أيضًا؛ إذ إن معدل إصابة الرجال بالفتق الإربي أعلى 10 مرات من النساء وهم أكثر عرضة للإصابة بأم الدم الأبهرية 5 مرات..وتطول القائمة.

يبدأ التفاوت بين الرجال والنساء من الحياة الجنينية ويستمر حتى الممات. وعلى الرغم من وجود قرابة 115 جنين ذكر مقابل كل 100جنين أنثى؛ يبقى الذكور أكثر عرضة للوفاة قبل الولادة، فيكون هناك 104 من الذكور مقابل كل 100 أنثى من حديثِي الولادة، والذكور أكثر عرضة للخداج بنسبة 60% من الإناث، وللإصابة بالظروف الصحية ذات الصلة بالخداج مثل متلازمة ضيق التنفس، إضافة إلى أنّ الذكور أكثر عرضة للوفاة قبل إتمام عامهم الأول من الإناث بنسبة  18%.

ونذكر هنا تلخيصًا للعوامل المساهمة في تخلف الرجال عن النساء صحيًّا:

1- العوامل البيولوجية: الصبغيات الجنسية والهرمونات، وتشريح الجهاز التناسلي والاستقلاب.

2- العوامل الاجتماعية: ضغوط العمل، وقلة العلاقات والدعم الاجتماعي.

3- العوامل السلوكية: المجازفة والعنف والعدوانية والتدخين والكحول وسوء استعمال العقاقير والنظام الغذائي وقلة التمارين الرياضية وقلة الرعاية الصحية.

ومن أجل إغلاق الفجوة؛ فإن الرجال لا يستطيعون تغيير جيناتهم وصبغياتهم بالطبع، ولكن بإمكانهم اللحاق بالنساء؛ فمن يعتقدون أنهم أقوى من أن تصيبهم الأمراض هم أكثر عرضة للوقوع في مشكلات طبية خطرة. وليحظى الشخص بحياة صحية؛ عليه اتباع بعض القواعد كالابتعاد عن التدخين واتباع نظام غذائي متوازن مترافقٍ مع ممارسة التمرينات الرياضية دوريًّا والتقليل من الضغوط والابتعاد عن السلوكيات الخطيرة، وكذلك تجنب التعرض للأشعة مع الحرص على إجراء فحوصات دورية واتخاذ السعادة نهجًا للحياة .

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا