العمارة والتشييد > ثلاثون مدينة ومدينة

5. روتردام - Rotterdam

5. روتردام:

زرت روتردام - هولندا في (أيار 2016)، وأذكر لحظةَ خروجي من محطة القطار المركزية الحديثة إلى المدينة وشعور الانبهار يغمرني لرؤيتي مدينة أشبه بمعرضٍ معماري في الهواء الطلق، ومبانٍ أيقونيةً مذهلةً من جميع الأنماط المعمارية أينما نظرت. لم تبدو روتردام دائمًا بهذه الإشراقة، إذ كانت في النصف الأول من (القرن الـ 20) مدينةً مختلفةً جدًّا، حتى بدأت الحرب العالمية الثانية وتركتها مدمَّرةً تمامًا، إذ قصفت القوات الجوية الألمانية المدينة في (14 أيار/ مايو 1940)، لتمحو وسط المدينة بأكمله تقريبًا وتسويه على الأرض كاملًا باستثناء بعض المباني، وبعد أربعة أيام من توقف القصف فقط بدأت روتردام إعادة الإعمار في (18 مايو/أيار 1940)، إذ كُلِّف مهندس المدينة ويتيفين بوضع خطة إعادة الإعمار، وأتمَّ المهندس صياغة المخطط الأولي في عشرة أيام وباشر الجميع بالمساعدة، وأخليت المدينة تمامًا من كل الأنقاض التي استُخدِمت لملء قنوات المياه في عام واحد فقط، واستُخدِمت الحجارة التي ما زالت بحالةٍ جيدة لإعادة بناء المنازل والمحلات.

رحَّب أهل المدينة بإعادة الإعمار في روتردام بحماسٍ وتفاؤل كبيرين، إذ نُظِّمت جولات لإعادة الإعمار ومعارض لإطلاع الأطراف المهتمة على مشاريع إعادة البناء المختلفة.

كان قصف وتدمير المدينة كارثيًّا، ولكنَّه شكَّل فرصةً  فريدةً من نوعها للمسؤولين لتحديث روتردام، وإعادة بناء المدينة وحل عددٍ من المشكلات العمرانية الكبرى التي كانت تعاني منها، فبدلًا من إعادة بناء المدينة القديمة بشكلها السابق، اختيرَ مخطَّطٌ جديدٌ لمدينةٍ واسعةٍ وحديثةٍ معماريًّا، واتخذت جهود إعادة الإعمار في السنوات اللاحقة مجموعةً متنوِّعةً من الأساليب والنهج المعمارية وفقًا للسياقات المختلفة لكل عصر.

يحتفل الروترداميون بيوم إعادة الإعمار في (18 أيار/ مايو) من كل عام إحياءً لذكرى خطة إعادة الإعمار، وعلى الرغم من ذلك ما تزال عملية إعادة الإعمار جزءًا من هوية المدينة حتى اليوم بعد (77 عاماً)، ويدرك سكان المدينة اليوم أنَّ بناء المدينة عملٌ مستمرٌّ ومتواصلٌ دائمًا وأنَّ روتردام تستمر بتحديث وإعادة ابتكار وتصميم ذاتها.

روتردام اليوم إحدى المدن الأكثر تنوُّعًا في العالم من الناحية المعمارية، إذ تملأ المدينة مئات المباني الفريدة من نوعها جماليًّا وهيكليًّا وعددٌ كبيرٌ من الشركات المعمارية والعالمية الكبرى التي تتَّخد روتردام مقرًّا لها.

قصة روتردام المثيرة للدمار وإعادة الإعمار وإعادة الابتكار المستمر من الأمثلة الملهمة لمخطِّطي المدن الذين يبحثون عن إجابةٍ للأشخاص السلبيين ممَّن يرددون دائمًا جملة: "ليس من الممكن فعل ذلك في مدينتنا".

فهل نستطيع اليوم إعادة إعمار مدنِنا العربية التي تعرَّضت للأزمات والحروب، لنساهم في إعادة هيكلتها وحلِّ مشكلاتها العمرانية؟

#روتردام #Rotterdam #إعادة_الإعمار #أكتوبر_الحضري #31_يوم_حضري #ثلاثون_مدينة_ومدينة

 

  بطاقة تعريف:

راما النمري: مهندسة عمارة وتخطيط مدن، تحمل درجة الماجيستير في التخطيط الحضري وتصميم التشريعات، وتعمل مع منظّمات الأمم المتّحدة منذ عام 2014 في مجال الاستجابة الإنسانية الحضرية،والسياسات الحضرية الوطنية، والتخطيط الإقليمي والتنمية المستدامة، وحاليًا تعمل مع مفوضيّة الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين في مخيّمات اللاجئين والعمليات الحدودية، إذ تقدّم دعمًا متخصصًا في تصميم مستوطنات اللاجئين وتطويرها.

فيسبوك:

هنا

انستغرام:

هنا

عيسى بدور: مهندس معماري ومصمم بصري، يحمل درجة الماجيستير في التصميم المعماري، ويعمل في ميلانو مخرجًا فنيًّا لأعمال التواصل الرقمي والترويج المجتمعي.

فيسبوك:

هنا

انستغرام:

هنا

/p>