اللغة العربية وآدابها > دراسات في اللغة والأدب

عوالم السرد

هل أنتَ في جوٍّ هادئ أو أوقفت الأغنية التي تستمع لها قبل أن تبدأ القراءة؟! حسنًا؛ أرجو ذلك كي نبدأ حوارًا بنَّاءً عن عوالم السرد القائمة والممكنة..

دعنا نتفق أولًا -عزيزي القارئ- أنّه ليس كل كلامٍ سردًا مُعتبَرًا؛ فالجملة: " كلٌّ منا لديه "قصة" أو "جريدة" يريد أن يخبرها أحدًا ما" تنتمي إلى لغة الحقيقة لو لم تكن صحيحة، ولذلك علينا أن ننتزع لغة المنطق والمقالات الفلسفية-المنطقية من السرود المُعتبرة عمومًا لنقترب خطوةً من السرد، وهنا يجب أن نتفق أيضًا أن السرودَ ليست بالضرورة كلامًا، فأيّة لوحةٍ معلقة بقربك مثلًا يمكن أن تسرد قصة ما.. ولكنني سأحدِّد عملي في السرود الكتابية والشفوية لأنَّ فهمها يقود إلى فهم الأنواع الأخرى.. وهنا أجدُ نفسي مضطرًا أن أضعك أمام القصة المصنوعة البسيطة الآتية -بغض النظر عن قيمتها الجمالية- لفهم عناصر السرد:            

"في الحادية عشرة من عمري كنت متأثرًا ببعض القصص التي أحببتها مثل جزيرة الكنز وروبن هود وقصص كليلة ودمنة و...؛ فأردت أن أكتب قصتي الخاصة وكتبت: "منذ ألف سنة، وفي القرية المجاورة، أفاق مجموعة من الأطفال ليلًا، فوجدوا أنفسهم في عمق غابة سحيقة معتمة وباردة دون أهليهم، ثم أحسوا بالخوف، إلا ديمة الفتاة الصغيرة السمراء الذكية ذات التسعة أعوام أحسَّت أنَّ هناك خدعةً ما، ومشت حتّى وجدَتْ واديًا سحيقًا خطيرًا، ربّما عرفَتْ منذ اللحظات الأولى أن الرجوع إلى البيت يتطلَّب عبور الوادي.."

حاولت جهدي أن تكون قصتي ممتعة، وكنت أضيف إليها مقاطع على مدى سنة كاملة وأنا أشعر بالسعادة.. وبعد سنتين أضعت القصة، فحزنت عليها كثيرًا، وعرفتُ أنني لن أعثر عليها، وفعلًا لم أرَها أبدًا بعد ذلك، وقلت أخيرًا: لا بأس؛ فحتّى جلجامش "لم ينل الخلود المادي الذي راح في طلبه"، وحتى أوديب الملك "لم يجد السعادة التي كان يبحث عنها".

ومرةً التقيت بصديقي في معرضٍ للكتاب وأخبرته بالحادثة المؤلمة، ثم أضفت: "لو أن القصة ما زالت لدي لكنت فهمت طفولتي فهمًا أعمق"!

فقال لي: "في أثناء دراستي الثانوية كتبت بعض القصص القصيرة على أوراق متناثرة، وبعد مدةٍ عدت إلى المنزل سعيدًا فلم أعثر على قصصي، لكنني بقيت سعيدًا، وليست لديَّ الرغبة في فهم مراهقتي!"   

وها أنا معكم هنا مجددًا أكتب لكم هذا المقال عن السرد وأنتم تجلسون في بيوتكم، وقد كتبت قبلًا مقالًا جيدًا ومملًّا وأنا أجلس في غرفتي قرب النافذة المطلّة على بعض الشجيرات اليابسة والورود الذابلة، وسألت نفسي عندما كنت أراجعه: ما هذه الكارثة التي اقترفتها؟ كيف يمكن أن أبسِّط لكم مفهومات السرد؟

وقف عصفورٌ قرب النافذة، وارتشفتُ فنجان قهوتي، ثم قلت لنفسي: لمَ لا أؤدي فعلًا سرديًّا أشرح به السرد؟ وقد فعلت ذلك للتوّ".

يمكنك -عزيزي القارئ- شربُ بعض الماء، فأنا أقدِّر امتعاضك وأنت تقرأ قصةً كهذه، ولكن لنعرف أولًا أنَّ هناك فوضى كبيرة في نقل المصطلحات السردية إلى العربية، وثانيًا أن بعض المصطلحات في لغتها الأصلية تحمل أكثر من دلالة؛ لذا سأحاول جهدي أن أنقلها لك بأوضح صورة ممكنة:

دلالة السرد المُعجمية في اللغة العربية:

أما أصل المعنى فهو أنَّ "السين والراء والدال ... أصلٌ يدلُّ على أشياء كثيرةٍ يتَّصل بعضها ببعض"، وأمَّا السَّرد فهو: "تقدمةُ شيء إلى شيء تأتي به متَّسقًا بعضُه في أثر بعض متتابعًا"، و"فلانٌ يسرد الحديث سردًا إذا كان جيِّد السياق له". إذًا تحدد لنا الدلالة المعجمية ما يأتي:

السرد يدلُّ على عناصر متتابعة متصلة بعضها ببعض.

السرد يدلُّ على اتِّساق هذه العناصر وتناغمها.

سرد الحديث: روايته جيدًا.

حدود أساسية:

إنني قد سردت لك قصة (Story) عن روايتي التي أضعتها في طفولتي وصديقي الذي التقيته وكيف أعددت المقال؛ أي أدَّيت فعل السرد (Narrative Act) بواسطة اللغة المكتوبة أو النص السابق؛ وهو الذي نسمِّيه: خطاب السرد (Narrative Discourse). وقد بُنيِت هذه التحديدات على ما يُميِّز به الناقد الفرنسي جيرار جينيت مصطلحَ السرد (Récit) بالفرنسية (ويعني القصة أيضًا). إذاً؛ هناك خطاب السرد عمومًا متضمِّنًا فعل السرد، وهناك قصة.

ويمكن إجمالًا أن نقول وبالترتيب المنطقي الآتي:

لدينا أولًا قصة (Story)؛ وهي "التي يرويها الخطاب السردي تمثيلًا وإخبارًا".

ولدينا ثانيًا سردٌ (Narrative) الذي يُرهِّنُ القصة ويرويها.

ولدينا ثالثًا علم السرد (Narratology)؛ وهو علم حديث -على الرغم من جذوره القديمة- يهتمُّ بدراسة كل أنواع السرود المختلفة.

متى بدأ السرد؟ وأين؟ وأي شعبٍ اخترعه؟

إذا وقفنا أمام عالم السرد وحفرنا في بداياته؛ يمكن أن نستشعر صعوبة المَهمَّة مع كلمات الناقد الفرنسي رولان بارت:

"ثمة أشكال غير محدودة للسرد في العالم، قبل كل شيء هناك تنويع هائل في الأجناس الأدبية". ويُؤكِّد بارت أن السرد قد يعتمد على اللغة المفصلية، أو على الصورة، أو على الحركة، أو على هذه المواد جميعها معًا، وأن السرد حاضرٌ في أشكال متعدِّدة ولامتناهية كالأسطورة والخرافة والملحمة والرواية والمسرح الإيمائي وحتى واجهات العرض الزجاجية ودار الخيَّالة …، وأنه حاضرٌ "في كل الأزمنة، وفي كل الأمكنة، وفي كل المجتمعات، و[إنه ليبدأ] مع التاريخ الإنساني نفسه، فلا يوجد شعبٌ لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في أي مكان من غير [سرد]"*.

يمكنني أن أستنتج معكَ -عزيزي القارئ- أن كلَّ مجموعةٍ بشرية في أي مكانٍ وزمانٍ محدَّدين على سطح الأرض لديها نوعٌ واحد على الأقل من أنواع السرد، وأنَّ السرد قد بدأ مع الحضارة البشرية، وأن أية قصة لا بدَّ لها من سردٍ يحكيها.

موقع السرد في حياتنا:

يحيطُ بنا السَّردُ كليًّا، فهو لا يظهرُ في الرواية أو الكتابة التاريخية فحسب؛ وإنما يرتبط قبل كلِّ شيءٍ بفعل القَصّ (Act of Narration)؛ إذ يمكن دائمًا إيجادُ شخصٍ ما في مكانٍ وزمانٍ ما يُخبرنا بشيءٍ ما، فنحن كلُّ الرواة في حياتنا اليوميّة، ويمكننا حتّى أن نكون رواةً محترفين (مدرّسين أو موظَّفي صحافةٍ أو كوميديين)، ولذلك فالسّرد واسعُ الانتشار، ويتضمّن أنواعًا نصيّةً مختلفة، ولكنَّنا نركّز في الدراسات الأدبية على ذلك النوع الأنموذجي من السّرد؛ أي ما يُعرَفُ تحديدًا بالسرد الأدبي بوصفه الشكل الفنّي.

ويمكن رؤية أهمّية السرد بوضوحٍ في الثقافة الإنسانية، فمعظمُ المعارف الإنسانية التاريخية والسياسية والعلمية تُمثَّل في شكلٍ سرديّ (وليس كلّها)، وإذا ما اتَّجهنا إلى التحليل النفسي –على سبيل المثال لا الحصر- فإنّه جزءٌ لا يتجزَّأُ من سردِ قصّة حياة المريض في أثناء المرحلة العلاجية، ولذلك فإنَّ علماء النفس يضعون فعل السرد في الموقع المركزي للمعالَجة.

دراسة سرديّة مُبسَّطة:

إنّني جازفت وقدَّمت لك -عزيزي القارئ- سردًا قد يكون غير جميلٍ لأتمكَّن من تضمينه أكثر العناصر والوظائف السردية الممكنة، لكن يجب أن تعرفَ أنه جديرٌ بدراسة علم السرد؛ لأن "ميدان علم السرد يتضمَّن كلَّ السرود، وليس السرود الكبيرة أو الأدبية أو المُهمَّة منها فحسب".

إنَّ الراوي (Narrator) في السرد السابق مُمثَّلٌ بضمير المتكلم (أنا) تمثيلًا (ظاهرًا) في السرد في عدة مفردات (كنتُ، التقيتُ، عمري…)، والراوي هنا هو (الراوي-الشخصية) (Narrator-Character) لأنّه يروي القصة ويُشارك في الأحداث. أما في القصة الثانية التي كتبها الراوي نفسه، فلنفترض أنّها قصة مستقلّة، فإنَّ العبارتين: (منذ ألف سنة، في القرية المجاورة) تشيران إلى الموقع الزمكاني للمتكلم-الراوي، وإذا افترضنا أن الجملتين غير موجودتين أصلًا، فإنَّ السطر الأخير مثلًا (ربّما عرفت منذ…) يشير إلى الراوي في القصة الثانية، لأنَّ لفظة (ربّما) التخمينية أشارت إلى موقف الراوي بشأن ما يقول.

نلاحظ أن الراوي قد أدخل راويًا آخر أيضًا، وهو الصديق الذي بدأ يروي قصته (في أثناء دراستي الثانوية….)، ولذلك فالراوي الأول هو الراوي الرئيس، أما الصديق هنا فهو راوٍ ثانوي. ويمكننا أن نحدّد أيضًا درجات الوعي الذاتي (Self-Consciousnessٍ) والتطفُّل (Intrusiveness)؛ فهناك تطفُّلات كثيرة من الراوي ويبدو أنّه واعٍ لذاته في كثير من التعابير: (في الحادية عشرة من عمري، ها أنا معكم هنا مجدّدًا، سألت نفسي عندما كنت أراجعه...) ويمكن أن نقول أن وصفه الشخصية (ديمة) بصفة (الذكية) هو نوعٌ من التطفل غير الواعي.

يمكن أن نحدد الشخصيّات بأنّها (الراوي، والصديق) و(الأطفال، وديمة)، لأنّها شخصيات فاعلة في القصتين، ونحن نعثر على مرويّ له (Narratee) ظاهرٍ؛ أي (الصديق) الذي أخبره الراوي بالقصة، ونجد أنَّ موقفه (متعارضٌ) مع الراوي فهو لا يريد أن يفهم ماضيه في حين أنَّ الراوي يريد ذلك. ويُمثَّلُ المروي له بضمير المخاطب (أنت) وليس هناك ما يشير إليه مباشرةً في القصة الفرعية (عن الأطفال) سوى السرد نفسه. أمَّا المرويّ له في الجزء الأخير من القصة فهو القرّاء (ها أنا معكم)، وهذا يُسمّى المروي له الجماعي (Group Narratee)، وقد كتبتُ سردي لكم مثلًا وقلت (وأنتم تجلسون في بيوتكم) وهنا افترضت أنّكم مجموعة منسجمة جالسة في بيوتها، وهذا قد لا يكون دقيقًا، فقد يكون بعضكم الآن مع صديقٍ له أو في المقهى أو في أي مكان.

أما القصُّ (Narration)؛ فهناك قصٌّ واحدٌ على الأقلّ في أيّ سرد، وتشير كل التحديدات الزمنية والتاريخية إلى القَصّ، وهناك إشارات نستنتجها من السياق:

1- الجزء الأول من القصة هو (قصٌّ لاحق) لأنّني أخبركم عن القصة بعد حدوثها.

2- (عرفت أنّني لن أعثر عليها) قصٌّ سابقٌ للحدث، أو سرد تنبُّئِي.

3- (وها أنا معكم الآن أكتب لكم هذا المقال..)؛ تعبّر عن القص المتزامن.

وأمّا تقديم المروي (The Presentation of The Narrated) فالمعلومات التي يُقدِّمها السرد قد تكون صريحة (ديمة الفتاة الصغيرة السمراء الذكية..) أو ضمنية (ارتشفت فنجان قهوتي) فربّما يريد الراوي أن يخبرك أنّه كان في حالٍ هادئة. وهناك معلومات مفترضة مسبقًا؛ إذ يفترض الراوي أنّك تعرف ملحمة جلجامش مثلًا، وتعرف أنَّ جلجامش لم يحصل على الخلود الذي طلبه، وكذلك مسرحية "أوديب ملكًا" لسوفوكليس. ويمكنك أن تلاحظ الحذفَ (Ellipsis) في (بعد سنتين) أي حذف سنتين، والوقفةَ (Pause) في (قرب النافذة المطلة على بعض الشجيرات اليابسة والورود الذابلة).

نصل الآن إلى المروي (Narrated)؛ إذ يروي السرد عددًا معيّنًا من المواقف والأحداث التي تظهر في عالم معيّن؛ أي يعبّر عن أفكار تدور في هذا العالم قابلةٍ للتحليل بوصفها متعلقة بموضوع؛ ففي النص (وقف عصفور قرب النافذة = الموضوع: عصفور، الفكرة: الوقوف قرب النافذة). ويتضمّن المروي الأحداث الساكنة والفعّالة، والعلاقات الزمنية (Temporal Relations) ونجدها في القصة السابقة بأجزائها أنّها منظّمة ومتسلسلة ومتتابعة عمومًا، ولدينا العلاقات المكانية (Spatial Relations) فالأحداث تقع في عدة فضاءات مختلفة (معرض الكتاب، البيت... إلخ) ولكن لكل مجموعة أحداث فضاؤها الخاص، ولدينا البيئة (setting) وتمثل الخلفية الزمكانية؛ مثل (معرض الكتاب) وقد لا يكون لها أية علاقة بالأحداث، وقد لا يرتبط حدثان أو سلسلة من الأحداث زمانيًّا ومكانيًّا فقط، بل سببيًّا، وهو ما نسميه العلاقات السببية (Causal Relations) مثل: (أضعتُ القصة، فحزنتُ عليها طويلًا). وتمثّلُ العلاقات السببية جزءًا أصيلًا من بناء حبكة أغلب السرود.

أمّا الأحداث (Events) فلها درجات مختلفة من المغزى (Relevance) الذي تعبّر عنه التعديلات (Modifications) مثل التعديل: (أنا أشعر بالسعادة) عندما كنت أكتب القصة، ثم ضاعت (فحزنت عليها كثيرًا). ونجد عناصر الوصف والحوار بين الراوي وصديقه، والحوار الداخلي (المونولوج) في حديث الراوي مع نفسه.

ويجب أن تتوافر في السرد درجة مقروئية جيّدة (Readability) كما في القصة التي سردتها، فهي لا تحوي غموضًا، ولكن القصة المكتوبة ضمنها قد توحي بالغموض، فالأطفال رأوا أنفسهم فجأة في غابة سحيقة معتمة باردة، ولكنها واضحة أيضًا، أمّا النصوص الساخرة فتُعدُّ أقلَّ وضوحًا من نقيضاتها.

قد أغفلت كثيرًا من عناصر السرد مثل وجهة النظر والتبئير والبناء المنطقي ونحو السرد….، ولكن أرجو أن تفي المقالات القادمة بالغرض.

ما العناصر التي لا تمثلُ سردًا في قصتي؟

(وقف عصفور قرب النافذة) يمكن أن تكون جزءًا من سرد ولكنّها ليست سردًا لأنّها حدثٌ واحد.

(وقف عصفور قرب النافذة، وارتشفتُ فنجان قهوتي). حدثان غير متتاليين فهما لا يمثلان سردًا.

(عدت إلى المنزل سعيدًا فلم أعثر على قصصي، لكنّني بقيت سعيدًا) كانت الشخصية سعيدة، فلم تجد قصصها، وبقيت سعيدةً، أي ليس هناك تعديل، فليس هناك سرد.

تعريف السرد:

يستند السردُ إلى المادة الحكائية، فهي "أساسيَّةٌ وثابتةٌ، وعليها مدار السرد، وبانتفائها ينتفي السرد"، ولكنْ لكي تُوجَد حكايةٌ يجب أن يُمثَّلَ تعاقبٌ زمنيٌّ للأفعال، وبعد ذلك؛ يجب أن يتحقَّق أو يُخفِقَ تغييرٌ مهمٌّ أو أقلُّ أهميّةً لبعض الخصائص الأولية للفواعل (مختلف الشخصيات المساهمة في الحدث السردي)، ويجب أخيرًا أن يُخطَّطَ حبك العُقدة، وأن يُعطي معنىً لهذا التعاقب في الأعمال والأحداث في الزمن. وبذلك فإنَّ علم السرد (Narratology) عمومًا يحلل مكوّنات المَحكيّ. وفي حين يؤمنُ بعض النقّاد الأنجلوساكسونيين (لوبوك – بانفليد) بوجود نوعٍ من المحكيّات الّتي تُعرَضُ فيها الأحداثُ ولا تُسرَد، فإنَّ السرديات الفرنسية تؤكِّدُ استحالة وجود محكيٍّ دون سارد (والسارد هو الراوي نفسه).

وتتعدّدُ تعريفاتُ السّرد بين الباحثين والمدارس السردية المختلفة، وهو في تعريفه الأبسط:

"تمثيلٌ لحدثين أو موقفين حقيقيَين أو متخيَّلَين على الأقل في ترتيب زمنيٍّ، وكلٌّ منهما لا يفترض الآخر ولا يستلزمه"

وتعرّفه عالمة السرد الألمانية مونيكا فلودرنك تعريفًا أشمل:

"السرد هو تمثيلٌ لعالَمٍ مُمكِنٍ بوسيلة لغوية ورؤىً بصرية، في مركزهِ هناك بطلٌ أو عدّة أبطالٍ بطبيعةٍ إنسانية مُثبَتون وجوديًّا بإدراكٍ زماني ومكاني، والذين يؤدّون (غالبًا) أفعالًا ذات أهدافٍ مباشرة (تركيب الفعل والحبكة). إنّه تجربة الأبطال الذين تركّز السرود عليهم، ويسمحُ للقرّاء بأن ينغمسوا في عالم مختلف وفي حياة الأبطال".

فما القصة التي تحبُّ أن ترويها أو أن تُروى لك؟

الهوامش:

*في ترجمة النص الأصلي من كتاب (مدخل إلى التحليل البنيوي للقصص) الكلمات هي (قصص) و(قصة)، لكنّها في الترجمة الثانية للكتاب نفسه (النقد البنيوي للحكاية) وفي ترجمة كتاب علم السرد لجيرالد برانس الذي ينقل المقبوس أيضًا من كتاب رولان بارت؛ وردت الكلمة (سردًا) وهي أكثر انسجامًا مع المفهوم المراد.

المصادر:

[1] ابن فارس، أبو الحسين أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحقيق وضبط: عبد السلام هارون، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، (1979م)، ط2.

[2] ابن منظور الإفريقي المصري، محمد بن مكرم، لسان العرب، لبنان، بيروت، دار صادر، (د.ت)، ط2.

[3] بارت، رولان، مدخل إلى التحليل البنيوي للقصص، ترجمة: منذر عياشي، مركز الإنماء الحضاري للدراسة والنشر والترجمة، (1993)، ط1. صص 25- 26.

[4] بارت، رولان، النقد البنيوي للحكاية، ترجمة: أنطوان أبو زيد، لبنان- بيروت، فرنسا- باريس، منشورات عويدات، (1988)، ط1، صص 89- 90. (الكتاب السابق نفسه بترجمة مختلفة)

[5] برانس، جيرالد، علم السرد، الشكل والوظيفة في السرد، ترجمة: باسم صالح، لبنان، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، (2012).

[6] جينيت، جيرار، خطاب الحكاية: بحث في المنهج، ترجمة: محمد معتصم، عبد الجليل الأزدي، عمر حلي، المجلس الأعلى للثقافة، (1997)، ط2، ص 40.

[7] جينيت، جيرار وآخرون، نظرية السرد من وجهة النظر إلى التبئير، ترجمة: ناجي مصطفى، منشورات الحوار الأكاديمي والجامعي، (1989)، ط1، ص 97، 98.

[8] شارودو، باتريك/ منغنو، دومينيك. (إشراف)، معجم تحليل الخطاب، ترجمة: عبد القادر المهيري، حمّادي صمّود، مراجعة: صلاح الدين الشريف، تونس، المركز الوطني للترجمة، (2008)، ص471، 19.

[9] فلودرنك، مونيكا، مدخل إلى علم السرد، ترجمة: باسم صالح حميد، مراجعة: مي صالح أبوجلود، لبنان، دار الكتب العلمية، (2012)، ط1، صص11-13.

[10] يقطين، سعيد، الكلام والخبر؛ مقدّمة للسرد العربي، الدار البيضاء، بيروت، المركز الثقافي العربي، (1997)، ط1، ص219.