الموسيقا > موسيقا

غرامي 2019 مسيطر نسائيًّا، والسبب إرضاء الفنانات، وتغيب النوعية.

أقيم حفل توزيع جوائز الغرامي Grammy Awards في كاليفورنيا يوم الإثنين 11 شباط (فبراير) 2019، وقد طغت الصبغة النسائية عليه بامتياز؛ ذلك بعد احتجاجات متكررة -وتحديدًا سنة ٢٠١٨-  لقلة وجود أسماء فنانات في الترشيحات أو في الفائزين أو في أداء فقرات من برنامج الحفل، وبعد زعم عدد كبير من المغنيات أن الغرامي تتعمد إقصاء المرأة والتعتيم على صورتها الموسيقية في أمريكا، وتسليط الضوء على الرجال الموسيقيين والمغنين؛ ذلك لأن صفة الذكورة patriarchal society لا تزال مهيمنة على المجتمع، فهل هذا دقيق؟ وهل تجوز المقارنة على أساس جندري بين الموسيقيين أساسًا؟ أم أن جدارة الفوز للأفضل وللأكثر أصالة وليست لمن يتحدى نظرة المجتمع للمرأة؟

فعمومًا؛ لطالما كرّمت جوائز الغرامي تحديدًا العديدَ من النساء على مدى حفلاتها الواحدة والستين الخاصة بجائزة غرامي لإنجاز العمر Grammy Lifetime Achievement Award؛ من أريثا فرانكلين إلى باتسي كلاين وإيلا فيتزجيرالد، أو ماهاليا جاكسون، ومغنية الأوبرا ليونتين برايس، أو ماريا كالاس وجانيس جوبلين بعد وفاتهن وغيرهن الكثير من الأسماء التي أحدثت فارقًا حقيقيًّا في عالم الموسيقا.

وقد فاز  برونو مارز سنة ٢٠١٨ بالجائزة الكبرى؛ جائزة ألبوم العام Album of The Year، ولم يكن هناك أيّة امرأة تستحق أن تكون بموضع المنافسة على هذه الجائزة فعلًا، وعلى الرغم من أنّ المغنية البريطانية أديل قليلة الإنتاج كانت قد ربحت الجائزة نفسها عام 2016 بجدارة؛ هناك نزعة كيدية في الصحافة الأمريكية وفي أوساط الفنانات تميل للإشارة على الفور إلى التمييز على أساس جندري، مع عزلهم لتقدير إنتاج الفنانات أو نقده بناءً على أسس موضوعية؛ مما يجعل الحفل وأصداءه الصحفية أشبه بمعركة في الأمم المتحدة تخص حقوق المساواة بين الجنسين.

وبعد أن انهالت انتقادات واسعة على منظم الحفل في العام المنصرم؛ جاء حفل السنة -كما ظهر للمتابع الفعلي- وكأنّه إرضاء للفنانات اللواتي لا يتوقفن عن التذمر، حتى إن تكريم سموكي روبنسن وموسيقا الموتاون Motown music جاء بصوت جينيفر لوبيز المعروفة بغنائها موسيقا البوب الراقصة واللاتينية، وليس بحوزتها القدرة الصوتية التي تمكنها من أداء هذه الأغاني، فقد اختيرت بسبب رفض عدد كبير من الفنانين المشاركة لأسباب متعلقة بالعنصرية والتمييز بين الجنسين؛ ما أدى إلى انتشار خبر انتقاد لوبيز وغنائها في عناوين الصحف على الرغم من دفاع الأسطورة سموكي روبنسن عنها شخصيًّا.

وفي خضم النزاعات غير المنطقية والبعيدة كل البعد عن النقد الفني أو السعي وراء مشهد فني أفضل؛ سُلمت جائزة أفضل ألبوم راب لكاردي بي، وأفضل ألبوم بوب غنائي لأريانا غراندي، وأفضل أسطوانة غوسبيل Gospel لتوري كيلي؛ علمًا -وأنه على سبيل المقارنة العشوائية- فازت لورين هيل بالجائزة التي حصلت عليها كاردي سنة 1998 مع العلم بأن ألبوم The Miseducation of Lauryn Hill الذي يُعد أحد أفضل ألبومات الهيب هوب على الإطلاق  من كتابتها وتوزيعها وأدائها، وأمّا بالنسبة إلى الفئة التي فازت عنها أريانا -التي رفضت الحضور وشتمت المنظمين-؛ فقد سبق وأن فازت عنها جوني ميتشل عام 1996 عن ألبوم Turbulent Indigo، ونترك لكم تقدير الفوارق.

والأمر لم يكن مختلفًا في فئة أفضل فنان جديد Best New Artist هذه السنة؛ إذ منحت الجائزة للبريطانية دُوا ليبا التي رُشّحت برفقة سبعة آخرين؛ منهم أربع فنانات وثنائي نسائي، ومن الصعب تصوّر ليبا في المرتبة أو الأهمية الفنية نفسها لفنانات معاصرات أخريات سبق وأن فزن بالجائزة ذاتها مثل مرايا كاري، وإيمي واينهاوس، وأديل، وكريستينا أغيليرا، وأليشا كيز ولورين هيل آنفة الذكر.

وبالمنافسة على إرضاء الأسماء الكبيرة فنيًّا "أو الناجحة تسويقيًّا" في الوقت الحالي؛ تخسر الغرامي تدريجيًّا مكانتها المرموقة بتحديدها لفناني النوعية على حساب فناني السوق الشعبي،إذ تضاءل عدد متابعي جائزة الغرامي منذ خمس سنوات وأكثر تدريجيًّا، وتلك المعادلة الرابحة للفنانات الدائمات الشكوى منحدري النوعية هي معادلة خاسرة للجائزة بحد ذاتها، وربما قد أخذتها سلفًا نحو فقدان مصداقيتها لدى نقاد الموسيقا والمستمعين الحقيقيين لها.