كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

الأرض الجديدة والغوص في أعماق الأنا

عِندما سُئِل إيكهارت تول -الكاتبُ والمرشد الرّوحي الألماني الأصل- في إحدى مقابلاته الصّحفية عن سبب التغيّر الكبير في حياته الذي أوصله إلى مرحلة التنّور؛ كانت إجابته: التّعاسة الشّديدة، نوبات القلق، والتّفكير الدّائم بالانتحار أو ما يسمّى بالاكتئاب كان السّبب في ذلك .

يأتي كتاب الأرض الجديدة خلاصةً للرّحلة التّنويريّة التي خاضها إيكهارت تول، إذ يقدّم مفهوم اليقظة الرّوحيّة بوصفها أحدَ الرّكائز المهمّة لتطوّر الحياة واستمرارها. لذلك يُعَدُّ كتابُه دليلًا شاملًا باستطاعته أن يكون رفيقك أيضًا في رحلتك التنويريّة، وطريقك إلى اكتشاف ذاتك، محاولًا في كلّ صفحة من صفحاته أن يبيّن لك الفرق بين حقيقتك وما تظنّ أنّك عليه، وذلك بتعريفك إلى "الأنا" الخاصّة بك، أو ما يسمّى بالـ ego، وسائلُها، وأهدافُها، ورغباتها، وتماهياتها. مبيّنًا أنَّ الأرض الجديدة -التي نسعى إليها جميعًا تبدأ من داخلك.

يقدّم لك الحقيقة التي لطالما تجاهلناها لنبقى أسرى الماضي؛

أحتاج أن أعرف ألمي، أن أتقبّله.

أن أعطيه حقّه، أن أتصالح معه،

أن أكفّ عن نكرانه حتّى أدعه يمضي.

يأتي الكتاب في عشرة فصول متكاملة يبحث كلٌّ منها جانبًا من جوانب "الأنا"؛ إذ يتحدّث في الفصل الأوّل عن صفوة المشاعر أو الأفكار الإنسانيّة، وعن نشوء حالة الوعي الجديدة وعلاقتها بالديانة والروحانيّة، وحاجتنا الماسّة إلى التحوُّل .

"إنّ انقياد البشرية خلف غريزة الطمع، وتجاهل ارتباطهم بالعالم ككُل، والمواظبة على السلوك الطائش دون كبح جماح حب السيطرة والتملُّك، لن يؤدّي إلّا إلى دمارها".

ويتحدّث في الفصل الثّاني عن الأنا ووضع الإنسانيّة الراهن، وعن ذاتنا الوهمية، عن صوتها، ومضمونها وبِنيتها، وتماهيها مع الأشياء .

"إذا كان باستطاعتك أن تميّز الوهم بصفته وهمًا، عندئذٍ سيتلاشى. إنّ إدراك حقيقة الوهم تمثّل اضمحلاله أيضاً، وبقاؤه على قيد الحياة يعتمد على أسلوب مغالطتك إيّاه بالنِّسبة إلى الحقيقة".

أما في الفصل الثّالث فيتكلّم عن جوهر الأنا، وعن شخصيّتك الحقيقيّة التي تقبع وراءها.

"جميع الدّيانات مزيّفة وحقيقيّة بشكلٍ متساوٍ، وهذا معتمد على كيفيّة استعمالك وفهمك لها. بإمكانك استعمالها بما يخدم الأنا، أو أن تستعملها في خدمة الحقيقة. إذا كنتَ تعتقد بأنَّ ديانتك هي ما تمثل الحقيقة، فأنت تستعملها بما يخدم الأنا. استعمال الدّيانة بهذه الطّريقة يحوُّلها إلى أيديولوجية ويخلق إحساسًا وهميًّا بالتفوق بالإضافة إلى الانقسام والصراع بين البشر. أمّا في خدمة الحقيقة، فتمثّل التّعاليم الدّينيّة خرائط ودلائل إرشاديّة يرسمها أناس متيقّظون لمساعدتك في الوصول إلى الصحوة الروحية، أي أن تتحرّر من التماهي مع الشكل".

ويناقش في الفصل الرّابع الوجوه العديدة للـ "أنا"، والأدوار المؤسّسة مسبقًا، السّعادة بوصفها دَورًا والسّعادة الحقيقيّة وسرّها، وخلفيّة التّعاسة .

"وعندما تخسر نفسك من خلال الدَّور الذي تقوم به، يصبح من المستحيل عليك أن تكوّن علاقات بشريّة أصيلة".

ويعرّفنا في الفصل الخامس على مفهوم جديد هو ألم الجسد، عن نشوئه وطبيعة الأشياء التي تغذّيه.

"إنّ أيّة عاطفة سلبيّة لا تواجَه بالكامل، ولا يتم ملاحظتها في لحظة نشوئها. لا تختفي بشكل كامل، إنّها تترك خلفها أثرًا مؤلمًا".

ويأتي الفصل السّادس بعنوان كسر التحرُّر، يناقش فيه كيفيّة التّحرّر من الألم الجسدي . "Satori تعني لحظة الحاضر، والانفصال لبرهة عن الصّوت الذي يئنّ في رأسك، وعمليات التفكير، وانعكاساتها على الجسد بشكل عاطفة، إنّها تعبّر عن انعتاق ذلك الفضاء الدّاخلي حيث كان نقيًّا قبل أن تقتحمه موجة كثيفة من الأفكار واضطرابات العواطف".

وفي الفصلَين السّابع والثّامن فيتحدّث عن اكتشاف كينونتك الداخليَّة والفضاء الداخلي.

"إنّ إحساسك بمن تكون يحدّد احتياجاتك والأمور التي تعنيك في الحياة، وكلّ ما يعنيك سوف يمتلك القدرة على جعلك قلقاً ومضطّربًا".

ويساعدك في الفصل التّاسع على اكتشاف هدفك الدّاخلي وما يُفترَض عليك فعلُه على الصّعيد الخارجي. "إنّ اليقظة تحوُّل في الوعي الذي ينفصل فيه التّفكير عن الإدراك. بالنّسبة إلى معظم النّاس لا يشكّل هذا حدثًا بل عمليّة معاناة".

ويبيّن لك أخيرًا في فصله العاشر كيفية الوصول إلى الأرض الجديدة عن طريق اليقظة والوعي، وربط هدفك الداخلي بالآخر الخارجي. "عندما تعيش لحظة الحاضر، بدلًا من الماضي والمستقبل، تزداد بشكل دراماتيكي البقعة المركزيّة لحياتك، وتزداد قدرتك على الاستمتاع بما تفعل، وبخاصّة حياتك. الفرح هو الشّكل الديناميكي للوجود".

معلومات الكتاب:

اسم الكتاب: الأرض الجديدة.

الكاتب: إيكهارت تول.

المترجم: دعد السليمان.

دار النشر: دار دعد للتأليف والترجمة والنشر.

عدد الصفحات: 284 صفحة.