العمارة والتشييد > التشييد

أبنيةٌ مقاومةٌ للانفجارات

تظهر مجموعةُ تحدِّياتٍ تصميميةٍ جديدةٍ أمام المهندسين في فترات الحروب والهجمات الإرهابية احتياطًا للانفجارات، بغرض تخفيف إصابات المواطنين وحماية أرواحهم والحدِّ من الأثر التدميري على المنشآت.

تولِّدُ لحظةُ الانفجار قوَّةً ضاغطةً على واجهة المبنى الخارجية، ويجب أن تُمتَصَّ هذه الطاقة الحركية المتولِّدة أو تُبَدَّد لنتفادى الخطر، عن طريق تحويلِ هذه الطاقة إلى إجهاداتٍ داخليةٍ في العناصر المقاومة. ولأنَّ الانفجارات حالاتُ تحميلٍ غير اعتيادية يمكنُ أن تنشأ عنها أضرارٌ غير قابلةٍ للإصلاح، إذ تُصمَّمُ العناصر المقاومة مع الأخذ بالحسبان تعرُّضها لإجهاداتٍ كبيرةٍ لتدخل مرحلةَ السلوك اللَّدن للمادة. ولذلك فإنَّ العناصر التي تتعرَّض لتشوهاتٍ كبيرةٍ أكبر من الحدود المتوقَّعة أو المسموحة للتشوه ليست مصمَّمةً لتتحمَّل هذه الأحمال، ويمكن القول إنَّ معاييرنا التصميمية التقليدية لا يمكن عدها صالحةً للاستخدام في هذا المجال.

إنَّ ارتباط مدى الضرر المتوقَّع مع كميَّة الطاقة التي تُمتَصُّ ضمن العناصر المقاومة قادنا إلى عدَّة تساؤلاتٍ حول قيمِ عوامل التخفيض المستخدمة في التصميم؛ إذ يساعد تخفيضُ المقاومات الاسمية للعناصر بضربها بمعاملات التخفيض -نتيجة عدم الموثوقية لقيمة المقاومة الصحيحة للعنصر- العناصرَ المقاومة على الاحتفاظِ بجزءٍ كبيرٍ من قدرةِ التحمُّل الأصلية الخاصَّة بها.

وللحصولِ على بناءٍ "أأمن" في حال حدوث انفجار، حُدِّدت مجموعةً من الأولويَّات لتحقيق ذلك:

- الحد من الضرر على عناصر المنشأة الإنشائية:

يجب تصميم جميع العناصر الإنشائية للمنشأة (أعمدة وجوائز وبلاطات.. إلخ) لتسلكَ سلوكًا متناغمًا مع درجةِ الضرر المتوقَّعة وتستمرَّ بأداءِ مهامِّها، ولكن في حال خضعت بعض العناصر الإنشائية لتشوُّهاتٍ موضعية، أو في حال تشكُّلِ مفاصل لدنة (أي أنَّها ستتعرَّض لتشوهاتٍ متزايدةٍ على الرغم من ثبات الحمل عليها) بتأثير الانفجارات يجب تقييم درجةِ الضرر التي تعرَّضت له الجملة الإنشائية للمنشأ لتقرير إن كان الاستقرار العام للمنشأ قائمًا أم لا.

- حماية الهيكل الخارجي للبناء:

عن طريق التصميم المناسب لجميعِ عناصر الهيكل الخارجي للمبنى؛ الإنشائية وغير الإنشائية والفتحات في المبنى (أي العناصر التي تؤدِّي دورًا في حمل وزن المنشأ والمحافظة على استقراره، وتلك التي ترتبط بالإكساء والمظهر الخارجي فقط)، ويخفِّفُ هذا التصميم كثيرًا احتماليةَ تشكُّل خرقٍ في المبنى يسمحُ بالضغط الزائد المتولِّد عن الانفجار بالدخول إلى داخل المبنى.

- التقليل من الشظايا المتطايرة في الهواء قدر الإمكان:

عن طريق تصميم وتركيب الإكساءات والملحقات والأثاث والعناصر الإنشائية والفتحات الخارجية بعناية؛ الأبواب والنوافذ على سبيل المثال والملحقات التي تُركَّب في السقف، إذ يخفِّفُ الاعتناء بهذه التفاصيل احتماليةَ نشوء أضرارٍ جانبيةٍ ناتجةٍ عن الشظايا المتطايرة.

وتُحَدَّدُ درجة الحماية المطلوبة ضدَّ الانفجارات للمنشأة كلها أو لجزءٍ منها آخذين بالحسبان نوعَ إشغال المنشأة ودرجة أهميتها، وتُصنَّف درجاتُ الحماية من الانفجارات ضمن أربعة مستويات:

1) درجة الحماية الأولى (حماية منخفضة جدًّا تمنع الانهيار فقط):

في مستوى الحماية هذا يُمنَع المبنى من الانهيار وتُتاح الفرصة لإخلاء السكان الناجين من المنطقة، ولكنَّ المنشأة لن تكون آمنةً تمامًا ليعود القاطنون وقد تتعرَّضُ الممتلكات داخلها لضررٍ كبير.

ومن المتوقَّع أيضًا أن يؤدي الضرر الملحق بالمنشأة إلى وصولها حافة الانهيار، ولكنَّها لن تنهار ولن تزداد حالتها سوءًا مع الزمن، ولكن ستتعرَّض بعض العناصر الإنشائية للمنشأة للتشوهات وسينشأ عنها شظايا متطايرة، وقد تتعرَّض للخلع من إطاراتها، ولكنَّ درجة الخطر الناتجة عن الزجاج المتناثر ستكون منخفضةً بحسب الجمعية الأمريكية لاختبار المواد.

2) درجة الحماية الثانية (حماية منخفضة كافية لحماية الأرواح):

لا تقتصر الحماية في هذه الدرجة على منع المنشأة من الانهيار فحسب، بل تتيح أيضًا حماية أرواحِ السكان وإخلاء المبنى بأمان، ثمَّ العودة إليه مؤقَّتًا في وقتٍ لاحق، ومن المحتمل أن تتعرَّض المنشأة لأضرار تجعل صيانتها وترميمها  أمرًا مكلفًا جدًّا.

وعلى الرغم من أنَّ العناصر الإنشائية لن تنهار، لكنَّها ستتعرَّض لتشوهاتٍ دائمةٍ يجبُ أن تؤخذ بالحسبان، وسيكون ترميمها خيارًا غير مجدٍ اقتصاديًّا. أمَّا الأبواب فقد تُعلَّق ضمن إطاراتها، ولن تكون قابلةً للفتح يدويًّا مع احتمال أن تكون الممتلكات داخل المبنى بحاجةٍ إلى بعض الإصلاحات.

3) درجة الحماية الثالثة (حماية متوسِّطة كافية لحفظ الممتلكات):

في هذه الدرجة من الحماية يكون المبنى في مأمنٍ من خطر الانهيار، ويمكنُ إخلاؤه من السكَّان بكلِّ أمان، ثمَّ العودة إليه بعد أن تُنجَز عمليَّات التنظيف والترميم. وعلى الرغم من أنَّ المنشأة ستتعرَّض لأضرارٍ ناتجةٍ عن الانفجار، لكنَّ إصلاحها لن يكون أمرًا باهظ التكلفة، وقد تتعرَّض العناصر الإنشائية أيضًا لتشوهاتٍ كبيرةٍ دائمة، وعلى الرغم من أنَّ إصلاحها ليس أمرًا مكلفًا جدًّا، لكنَّه ليس خيارًا محبَّذا وخاصَّةً من الناحية الجمالية للمبنى. أمَّا بالنسبة للممتلكات داخل المبنى فإنَّ قسمًا منها سيكون متاحًا للاستخدام وقسمًا سيحتاج قليلًا إلى الصيانة وسيكون استخدامها غير متاحٍ فترةً من الزمن.

4) درجة الحماية الرابعة (حماية مرتفعة تسمح بالإشغال المستمر للمنشأة):

يمكن للسكَّان في هذه الدرجة البقاء في المبنى دون أن يتعرَّضوا لأيِّ أذى، ويمكن أن تستمرَّ أعمالهم داخله دون توقُّف، وستكون الأضرار على المنشأة سطحيةً غالبًا، ولن تخضع العناصر الإنشائية لتشوهاتٍ مرئيةٍ أو دائمة، وستكون الأبواب قابلةً للاستخدام بعد تطبيق قوةٍ كافيةٍ لفتحها، ولن يشكِّل الزجاج المتناثر خطرًا وفقًا للجمعية الأمريكية لاختبار المواد، وستكون الممتلكات داخل المبنى آمنةً تمامًا ومتاحةً للاستخدام دونَ حاجةٍ لأية صيانة.

يقول المثل "درهم وقايةٍ خيرٌ من قنطار علاج"، لذلك إنَّ التزامنا التصميم المناسب يجنِّبنا خسائر بشرية ومادية كبيرة، وهذا ما يعطي مرحلةَ التصميم أهميةً في حياة المبنى وقاطنيه.

المصدر: 

هنا

handbook for blast resistant design of buildings

هنا