الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

مستقبلُ الأرض عند عتبة نصف درجة

نصف درجةٍ فقط لا تعني الكثير كعددٍ مجرد، ولكنها تعني الكثير لما يخص زيادة ارتفاع درجات الحرارة التي يتعرض لها كوكبنا منذ عصر النهضة الصناعية.

فلنتعرف في هذا المقال إلى التأثيرات الكارثية التي قد تحملها هذه الزيادة الضئيلة الرقم؛ العظيمة الأثر.

نصف درجةٍ فقط تحدّد فيما إذا كان القطب الشمالي خالياً من الجليد صيفاً كل عشر سنوات أو كل مئة سنة، وفيما إذا كانت الشعاب المرجانية ستمحى بالكامل أو سيبقى ما يقارب 30% منها، وفيما إذا كان ثلث سكان العالم أو عُشرهم سيتعرضون إلى موجات حرٍّ شديدة.

والعالم الآن مدعوٌّ لاختيار ما سيكون عليه مستقبل الأرض، فهل سيُختار أن يُحدَّ من ارتفاع درجة الحرارة العالمي لتكون الزيادة بحدود 1.5 درجة مئوية عن مستوى الحرارة في عصر ما بعد النهضة الصناعية؛ بدلاً من 2 درجة مئوية التي أُقرّت في اتفاق باريس للمناخ عام 2015؟!

وطبعاً لا يُعدُّ منع وصول زيادة ارتفاع درجة الحرارة العالمي إلى مستوى 2 درجة مئوية قياساً مع مستواها في عصر النهضة الصناعية أمراً مستحيلاً، ولكنه في الوقت نفسه ليس أمراً سهلاً، لا سيما أنّ هناك التزامات حقيقية تترتَّب على دول العالم ويجب عليها الوفاء بها؛ الأمر الذي يزداد صعوبةً في ظلِّ انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقيَّة المناخ.

إنّ البدء باتِّخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع الزيادة في ارتفاع درجة الحرارة فوق حاجز الـ 1.5 درجة مئوية يزداد أهمية؛ وذلك مع تأكيد تقارير المناخ على أنّ انبعاثات الغازات الدفيئة ستصل إلى نقطة اللاعودة؛ ربما بين عامي 2030 و2052 م، أو قد نكون أمام تدمير شامل لكل ما بَنَتْه البشرية قبل هذا التاريخ، ومن ثمّ يجب طرد كمِّيَّات من غاز ثاني أكسيد الكربون بعيداً عن الغلاف الجوي؛ لتعود درجات الحرارة إلى مستوياتها العادية.

إن منع نصف درجة أخرى من معدل الزيادة في درجة الحرارة العالمية من شأنه حماية نظم بيئية بأكملها، إضافة إلى حماية مدن العالم وقاطنيها من خطر التعرّض إلى موجات الحر الشديدة الأكثر سوءاً وضرراً. ويمكننا في هذا الصّدد، أنّ نلخص التبعات التي يمكن تجنبها فيما لو حافظنا على معدل الزيادة عند 1.5 درجة مئوية:

- حدوث موجات حر:

إنَّ لموجات الحر الشديدة وتواترها ودرجة سوئها علاقة أساسية بارتفاع متوسط درجة الحرارة، وهنا يظهر جليَّاً أثر التغير المناخي في هذا الارتفاع؛ إذ إنَّ الأمر سيتحول من سيِّئ إلى أسوء عندما يجتاز معدّل ارتفاع درجات الحرارة في الأيّام الحارّة المعدّل العالمي. وفي هذا الصدد؛ كان هناك العديد من الدراسات ذات الصلة التي تتناول نسبة سكان الأرض التي ستتعرض إلى موجة حارّة يبلغ احتمال حدوثها مرة سنوياً، وكيف أنّ هذه النسبة ستزداد من أقل من 10% حالياً، إلى 50% من السكان عند 1.5 درجة مئوية، وتصل إلى أكثر من  70% في حال 2 درجة مئوية.

حرائق بسبب إحدى موجات الحر

- تضرُّر النظم البيئية:

لقد تأثرت الشعاب المرجانية بالفعل نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الحموضة في المحيطات، ما أدّى إلى زيادة نسبة ابيضاض هذه الشعاب، وقد تؤدي زيادة درجة الحرارة لتصبح 2 درجة مئوية إلى القضاء تماماً على هذه الشعاب، أمّا عند 1.5 درجة فهي تحافظ على قرابة 10% إلى 30% منها فقط، وكذلك تواجه أنواع الحيوانات الأخرى خطراً حقيقياً متمثِّلاً في فقدان مواطنها الطبيعية، زد على ذلك أنّ مقدار النقص في المساحات الصالحة لعيش الكائنات الحية سيبلغ الضعف عند 1.5 درجة مئوية، وربما يصل إلى ثلاثة أضعاف عند 2 درجة مئوية.

ابيضاض الشعاب المرجانية؛ يهدِّد البيئة البحرية

- ذوبان الجليد في القطب الشمالي:

ازدادت درجة حرارة القطب الشمالي بمعدَّل الضعف مقارنة مع ارتفاع حرارة كوكب الأرض ككل، ما أدّى إلى ذوبان الجليد على اليابسة إضافةً إلى ذوبان جليد المحيط، ونصفُ درجةٍ إضافيةٍ من الحرارة بين 1.5 إلى 2 درجة مئوية تعني أنّ ما مساحته 1.5 إلى 2.5 مليون متر مربّع إضافية معرّضةٌ لخطر ذوبان جليدها، في حين أنّ المحيط المتجمد الشمالي سيكون خالياً من الجليد مرَّة كل عشر سنوات، بدلاً من مرَّة كل 100 سنة في فصل الصيف.

الدببة القطبية معرّضة للانقراض في حال استمرار ذوبان الجليد في القطب الشمالي

- تهديد الماء والغذاء:

يهدِّد ارتفاع درجة الحرارة العالمية أيضاً مصادر الماء والغذاء التي يعتمد عليها البشر؛ إذ إنَّ نصف درجة إضافية من الحرارة فوق حاجز الـ 1.5 درجة مئوية تعني مضاعفة الخسائر التي ستصيب معدّل صيد الأسماك السنوي، إضافةً إلى زيادة عدد السكان الذين سيتعرضون لعدم كفاية المصادر المائية بمقدار 50%، هذا عدا عن زيادة معدل الانخفاض في إنتاج المحاصيل الأساسية والضرورية مثل الذُّرَة والأرُز والقمح.

تضرُّر المحاصيل الزراعية نتيجة موجات الجفاف

كل المعطيات التي ذُكرت آنفاً، تضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما: إمَّا أن يبقى الوضع على حاله ليكون أحفادُناً على موعد مع مستقبل قاتم السواد، وإمَّا أن نبدأ منذ الآن باتِّخاذ كل ما هو كفيل لإعادة الحرارة إلى مستوى يلائمنا كبشر ويلائم شركاءَنا من الكائنات الحية الأُخرى على هذا الكوكب.

المصدر:

هنا