التاريخ وعلم الآثار > تحقيقات ووقائع تاريخية

كيف اعتنى المصريون القدماء بنظافتهم؟ وممَّ صنعوا مستحضراتهم التجميلية؟

اهتمَّ المصريون القدماء بمستحضرات التجميل اهتمامًا كبيرًا، ولم يستخدموها لتحسين المظهر الخارجي فقط بل للمداواة أيضًا، فقد استخدموا المكونات الطبيعية في المراهم والزيوت والكريمات لترطيب الجلد، والحمايةِ من حروق الشمس، وحمايةِ العيون، وصنعَ هذه المستحضراتِ مهنيون مختصون، إذِ اهتموا بالجودة؛ ليس لأجل سمعتهم بين الناس فقط،  بل لأجل استقبال الآلهة في حياة ما بعد الموت أيضًا. واعتمدت الصناعات المصرية القديمة على أجود المكونات الطبيعية وأكثر أساليب الإنتاج موثوقية، فقد كانت مستحضرات التجميل المصرية متقدمة نظرًا إلى أنَّهم كانوا أكثرَ من عُرِفَ بتقدم الطب في العالم القديم، إذ تجلت هذه الخبرة بتصنيع مستحضرات التجميل والعطور وغيرها، ووفقًا لقاموس أكسفورد الإنجليزي؛ فالكلمة الإنجليزية chemistry (كيمياء) المستمدة من كلمة alchemy (الخيمياء) لها جذورها القديمة المستمدة من كلمة Kemet كيميت؛ الاسمِ القديم لمصر في اللغة المصرية القديمة.

صندوق لمستحضرات التجميل من مصر (المملكة الوسطى قرابة 1805 - 1814 ق.م)

استعمل المصريون مستحضرات التجميل منذ فترةِ ما قبل الأسُرات*، إذ استخدمها الرجال والنساء من جميع الطبقات الاجتماعية على الرغم من أنَّ أفضل تلك المنتجات كانت متوافرة عند الأثرياء فقط، وقد صُنِعت بحرفية عالية وبيعت في السوق، أمَّا المنتجات الأقل جودةً فقد كانت تُصنَع في المنزل، ولنتعرف معًا بعضَ أساليبِ العناية الشخصية والجمالية التي كانت سائدة آنذاك:

1- النظافة الشخصية:

كان كلُّ بيت مصري يحوي شكلًا من أشكال الأحواض والأباريق المُستخدَمة لغسل الوجه واليدين، وصُنِعت أحواضٌ خاصة لغسل الأقدام أيضًا، إذ دأب المصريون على الغسل قبل الوجبات وبعدها، وفي الصباحِ اغتسلوا ونظفوا أسنانهم أيضًا، واستحمّوا يوميًّا، أمَّا الكهنة فقد استحموا واغتسلوا أكثر من عامة الشعب، وبعدَ الغسيل في الصباح؛ كانت تُطبَّقُ مستحضراتُ التجميل والكريمات المختلفة على الوجه والجسم.

2- الكحل:

في مصر القديمة؛ كان هناك اهتمامٌ إضافي بالعيون، التي حُدّدت بطلاء العيون الأخضر أو ​​الأسود لإبراز حجمها وشكلها، واستُخلِصت الصبغات من المواد الأرضية مثل المالاكيت الأخضر*، الممزوجِ بالماء لتشكيل معجون، وذلك حتى منتصف المملكة القديمة، ولكن استُبدلَ بها بعد ذلك الكحلُ الأسود، المُنتَج من الغالينا* المعدنية، التي جيءَ بها من المناطق الجبلية في سيناء، وتُلاحظ قيمة الكحل العلاجية في حماية العين من العدوى التي تسببها أشعة الشمس أو الغبار أو الذباب، إذًا فقد صُنع الكحل بطحن مجموعةٍ من المواد الطبيعية مثل الغالينا و المللاكيت* ومكوناتٍ أخرى، وذلك بطحنها حتى تتحوَّل إلى مسحوق (بودرة)، ثم خلطهِ مع الزيت أو الدهون حتى يتحول المسحوق إلى كريم.

خُزِّن الكحل  في آنيةٍ حجرية أو خزفية احتُفِظ بها في علبة من الخشب أو العاج أو الفضة أو المعادن الثمينة، وتُعدُّ علبُ الكحل تلك قطعًا فنيّة ثمينة، وقد عُثِرَ عليها في المقابر وتحت أنقاض المنازل والقصور، وكان الكحل مكلفًا للغاية ومتاحًا للطبقات العليا فقط، أما فئة الفلاحين فقد استخدموا البديل الأرخص منه الذي لا نعرف تركيبته على وجه الدقة.

علبة كحل مصرية مع مكحلة، مصنوعةٌ من الخشب العادي وخشب الأبنوس الثمين والعاج والنحاس، تؤرخ إلى ما بين 1458 - 1550 قبل الميلاد. المصدر: 

 

3- المراهم و الكريمات:

استخدم المصريون القدماء الكريمات والزيوت والمراهم للحفاظِ على مظهر الشباب ومنعِ التجاعيد، وقد طُبِّقت تلك الكريمات بوساطة اليد أو الفرش، أمَّا في حالة الكحل فقد استُخدِمت عصًا خاصةٌ (المكحل)، وكثيرًا ما عثر على هذه الأدوات، إضافة إلى الملاعق التجميلية ضمن القبور بوصفها أثاثًا جنائزيًّا مرافقًا للمتوفَّى.

ملعقة مستحضرات تجميل مصرية، مؤرخة ما بين 1295- 1550 قبل الميلاد.

أما العسل فقد طُبِّقَ على الجلد للمساعدة على الشفاء وتلاشي الندوب (مُرمِّم)، كما سُحقت زهور اللوتس وخُلِطت مع الزيوت النباتية المختلفة التي استُخدمت للهدف نفسه، وإضافة إلى الفوائد الصحية لهذه المواد في حماية البشرة من أشعة الشمس مثلًا؛ قد أبعدت الذبابَ والحشراتِ الأخرى عن الشخص الذي يضعها.

احتفظ الأثرياء بمراهمهم التجميلية في علب مزخرفة وفاخرة، أمَّا التصميم الشعبي لتلك العلب فقد كان على شكل الإله بيس (Bes)* المصري.

علبة مستحضرات تجميل مصرية بشكل الإله بيس، مؤرخة ما بين 525- 404 قبل الميلاد.

وضع المصريون المراهم على جميع مواضع الجسم، أمّا المراهم المُعطرة فقد وُضِعت خاصةً تحت الذراعين وعلى الساقين والقدمين، لأنَّ معظم المصريين القدماء مشَوا حفاةً ولذلك فوضعُ المراهم على أقدامهم عمل طاردًا للحشرات و حماها من أشعة الشمس، أمَّا الملك و أثرياءُ الشعب فقد كان هناك شخص مختص بالعناية بأقدامهم وأظافرهم، وذلك باستخدام أدوات خاصة كالسكين، وكان لهذا الشخص منصب رفيع ومكان قيِّم في المقابر عند موته.

4- العطور:

أحبَّ المصريون القدماء العطورَ، وتحديدًا ذات الرائحة الدافئة الحلوة التي تملأ الهواء برائحة قوية طويلة الأمد، وقد كان أغلى تلك العطور وأفخرها عندهم هو العطر المُسمَّى عطرَ كيفي (Kyphi) الذي صُنع من المسكتة، والصنوبر، والقرفة، والهيل، والزعفران، والنعناع، وأعشاب أخرى، وامتاز برائحته القوية جدًّا، وقد استُخرجت مكوناتُ عطر كيفي من أرض نادرة في مصر تدعى أرض بونت (PuntLand)*، وبسبب ندرة مواد هذا العطر وثمنه الباهظ؛ استُخدم في المعابد بخورًا للآلهة.

وقد كان هناك عطورٌ أقل تكلفة وأكثر انتشارًا صُنِعت من الزهور والأعشاب وعناصر طبيعية أخرى.

أما مزيلاتُ العرق فقد صنعت بطريقة العطور نفسها تقريبًا، وكان هناك عدة وصفات لمزيلات العرق؛ منها وصفةٌ من النص الطبي المعروف باسم بردية هارست (Papyrus Hearst) التي تنصح بخلط الخس والمر والبخور ونبات آخر (اسمه غير معروف)، وفركِ هذا المعجون على الجسم لمنع رائحة العرق، واستُخدمت عصائر الفاكهة الممزوجة بالحليب أو التوابل الأخرى أيضًا؛ مثل القرفة؛ للهدف نفسه.

5- الأشعر المستعارة:

ارتدى المصريون الشعر المستعار قبل الخروج من المنزل للوقاية من القمل والحماية في المناخ الجاف، وصُنعت الباروكات من الشعر البشري حتى (الفترة الوسيطة الثانية من مصر نحوَ 1782- 1570 قبل الميلاد)، ولكن آنذاك أدخلَ الهكسوس الخيول إلى مصر، فاستخدموا شعر الحصان في صنع الشعر المستعار.

صممت الباروكات بأشكال وطُرُز مختلفة حسب المناسبات، فهناك باروكات للاجتماعات العائلية وأخرى للحفلات وللأعيادِ وغيرها، وقد اشترى الأثرياء أفضل الباروكات وأغلاها شعرًا؛ بعضُها مزين بالمجوهرات أو الأحجار الكريمة وبعضها الآخر معطر، أمَّا أفراد الطبقات الدنيا في المجتمع فقد ارتدوا الباروكات الرخيصة مثل تلك المنسوجةِ من نباتات البردي، أو كانوا يحلقون رؤوسهم ويرتدون غطاءً عاديًّا على الرأس.

وفي آخر النهار؛ كان المصريون يزيلون شعورَهم المستعارة والمستحضرات التجميلية التي كانوا قد وضعوها صباحًا، وبهذا نلحظُ أنَّ استخدام مستحضرات التجميل وطقوس العناية بالنظافة قد مثّلت جزءًا مهمًّا من طقوس الحياة المصرية القديمة.

الهوامش:

Malachite  المالاكيت

هو معدن خام أخضر ساطع يتكون من كربونات النحاس المائية Cu2CO3(OH)2.

المصدر:

هنا

الغالينيا Galena

هو معدن كبريتيد الرصاص، وهو خام الرصاص الرئيسي في العالم.

المصدر:

هنا

الاله بيس Bes:

هو الإله المصري القزم الذي حمى أهالي مصر من الأعداء، إذ كان إلهًا للحرب، وكذلك كان حامي الأطفال والنساء، وارتبط بمعظم الملذات مثل الموسيقا والرقص والفكاهة وغيرها، ولم يُبنَ له معابدُ ولم يكن له كهنة يرعون طقوس عبادته، ولكن على الرغم من ذلك فقد كان أكثر الآلهة شعبيةً في مصر، ونجده مُصوَّرًا بكثرة على أدوات الأثاث والتجميل المتنوعة.

المصدر:

هنا

الهكسوس Hyksos:

سلالة حاكمة من أصول فلسطينية، حكمت شمال مصر سلالةً رقمُها الخامسة عشرة وذلك ما بين 1523- 1630 قبل الميلاد، وقد سمح الهكسوس بالهجرة من فلسطين إلى مصر في بداية القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وقد جلب المهاجرون الجدد معهم تقنياتٍ جديدة، متضمّنةً الحصان والمركبة والقوس المُركَّب وأنواعًا من الأسلحة المعدنية، وقد كان اسم الهكسوس في الحقيقة مصطلحًا مصريًّا يعني "حكام الأراضي الأجنبية" (heqa-khase).

 

المصدر:

هنا

أرض بونت Punt Land

في الجغرافيا المصرية و اليونانية، كانت أرض بونت هي الساحل الجنوبي للبحر الأحمر والسواحل المجاورة من خليج عدن والسواحل المقابلة لإثيوبيا وجيبوتي.

المصدر:

هنا

 

فترة ما قبل الأسرات:

هي الفترة القديمة التي سبقت  صعود أول سلالة حاكمة في مصر، و بهذا؛ فالفتراتُ تمتدُّ ما بين ٦٠٠٠-٣١٥٠ قبل الميلاد، ولا توجد سجلات مكتوبة تعود إلى تلك الفترات، وقد أخبرتنا عن تفاصيلها القطع الأثرية العائدة إليها.

المصدر: هنا

مصدر المقال:

هنا