البحث العلمي والمنهجية العلمية > البحث العلمي

علم الأوبئة بين التعمية Blinding والعشوائية Randomisation

لطالما كان علم الأوبئة عبارة عن دراسة لتصنيفات الحالات الصحية ومُسبِّباتها، وهي التي يُستفاد منها في مكافحة الأمراض والحدِّ من انتشارها، وهو الذي يُستخدم فيه عدد من الوسائل لإجراء التحقيقات الوبائية متضمنةً المراقبة والدراسات التحليلية.

وفي أثناء العقود الماضية؛ احتلَّت الدراسات العشوائية المضبوطة randomised controlled trials -RCTs الصدارةَ مُمثِّلة إحدى أفضل الطرائق لدراسة سلامة العلاجات الجديدة وفعاليتها، وتُعدُّ أيضًا حجرَ الأساس عالميًّا للموافقة على مشروع دراسة سريرية من الهيئات التنظيمية الحكومية، وتقوم عملية الدراسات العشوائية المضبوطة على لَبِنَتين أساسيَّتَين هما: عمليتا التعمية والعشوائية؛  لذلك سنتعرف كلًّا منهما على حدة.

أولًا: التعمية Blinding:  

في الواقع ووفقًا لصحيفة الجراحة الكندية journal canadien de chirurgie فإن مفهوم التعمية يأتي موافقًا لإخفاء التخصيص أو إلغائه ضمن مجموعة مؤلفة من شخص أو عدة أشخاص مشاركين في دراسة سريرية؛ وهو ميزة منهجية مهمَّة غالبًا ما تكون مرافقة التجارب العشوائية المضبوطة RCTs، ولكن على الرغم من كون التوزيعات العشوائية مقلصة للاختلافات بين المجموعات؛ لكنها لا تمنع العلاج التخالفي (المبني على الاختلافات) في وقت لاحق من بداية التجربة. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يجب علينا إغفال أن إخفاء التخصُّص يختلف كليًّا عن التعمية؛ ففي حين يسعى الأول إلى القضاء على التحيُّز في الاختيار في أثناء التطبيق، فإن الأخير يسعى إلى خفض نسبة التحيُّز بعد عملية التحقق العشوائي.

وعلى مر العقود الأخيرة؛ كانت التعمية حجرَ الأساس في عملية التقييم العلاجي؛ وذلك لأن وجودها ضروري من أجل ضمان غياب التحيُّز في التقديرات والنتائج الخاصة بعلاج مرض ما أو بحالة معينة وزيادة دقَّتها، وتشمل هذه العملية اتِّخاذ إجراءات لمنع المرضى أو الأطباء أو غيرهم ممن يُشاركون في التجربة من معرفة أيٍّ من المرضى يحصلون على العلاج.

ففي دراسة غير معماة قد تحدث استجابة من المرضى على نحو أفضل إذا علموا مسبقًا أنهم قد أُعطُوا علاجًا أو دواءً جديدًا يحمل أملًا واعدًا لهم بالشفاء والعكس بالعكس؛ وبهذا لا تعدُّ عملية التعمية خطوةً واحدةً بسيطةً؛ إذ يتعيَّن على القائمين على الدراسة والمسؤولين عن إجراء المحاكمات إعدادَ  مجموعة من الأساليب المختلفة التي تعتمد على نوع التجربة التي تُجرى.

أخيرًا؛ فإن التعمية تُعدُّ إحدى الطرائق الأنجح في منع الباحثين والأطباء والمرضى -في تجربة مُعيَّنة- من تحديد مجموعة الدراسة الخاصة بكل مريض بحيث لا يستطيعون التأثير في النتائج، ويُعدُّ الفرز والتصنيف العشوائي في مجموعات مختلفة إحدى أفضل الطرائق لتنفيذ عملية التعمية، في حين تُصنَّف عملية التعمية في عدة مستويات؛ ففي دراسة ندعوها بأحادية التعمية single-blind study ليس لدى المرضى فقط أدنى فكرة عن مجموعة الفحص التي يتبعون إليها وذلك حتى نهاية مدة الدراسة.

وفي دراسة مزدوجة التعمية double-blind study ينبغي على كلٍّ من المرضى والأطباء عدم معرفة الفرز وفق مجموعات الدراسة حتى الانتهاء منها. أما الدراسة الثلاثية التعمية triple-blind study فيندرج تحتها جهلُ الفئات الثلاث (المرضى، والأطباء، والطاقم المشارك كاملًا) بأي معلومات تخصُّ العلاج المقدَّم للمرضى أو حتى مجموعات الدراسة  حتى انتهاء فترة الفحص.

ثانيًا: العشوائية Randomisation:

تُعدُّ عملية العشوائية أو فرز المجموعات العشوائي أحد المعايير الذهبية المُتَّبعة في أثناء التجارب السريرية التي تمنع التحيُّز المباشر أو غير المباشر من جميع الفئات المشاركة في الدراسة؛ إذ يُمثِّل فرزَ المجموعات المشاركة عن طريق الصدفة؛ ما يمنع تدخل الإنسان بطريقة أو بأخرى بنتائج هذه الفحوصات أو أساليب المعالجة وطرائقها التي يجري اختبارها.

فعلى سبيل المثال: إذا كان الأطباء يستطيعون اختيار أيٍّ من المرضى للمشاركة في فئة تُطبَّق آلياتٌ خاصةٌ عليها؛ فقد يُفرز بعضُهم المرضى الأكثر صحة للمجموعة العلاجية، والمرضى الأقل صحة  للمجموعة الضابطة أو المُتحكِّمة بمقارنة النتائج؛ ما قد يُؤثِّر تأثيرًا واضحًا في نتائج الأبحاث المقامة؛ لذلك تضمن عملية الفرز الحاسوبي للمرضى فعاليةً أكبر في ضمان دقة الدراسة.

هناك أربع فئات رئيسة من إجراءات الفرز العشوائي مُتاحة للمتخصِّصين عند تنفيذهم لتجربة؛ وهي:

- تعشية بسيطة Simple randomisation:

تتمثَّل بوجود فرصة متساوية للمرضى لإعطاء العقار مثلًا بطريقة لا يمكن التنبُّؤ بها سابقَا، ومن أبسط الأمثلة عنها استخدام العملة المعدنية أو مُولد الأرقام العشوائي في بعض البرامج والتطبيقات الحاسوبية.

- العشوائية المقيدة Restricted randomisation:

إضافة إلى عملية الفرز وفقًا للصدفة البحتة؛ فيُفرض فيا قيودٌ محددةٌ على عملية التوزيع العشوائي  بهدف ضمان التوازن في عدد المرضى المخصَّص لكل تجربة.

- العشوائية المتوازنة والمحدودة Covariate-balancing randomisation:

غالبًا ما يكون هناك نوع من التفضيل تبعًا لنوع الدراسة ليس فقط في ضمان الحصول على عدد مُتماثل في كل المجموعات؛ بل أن تكون المجموعات متوازنة أكثر عن طريق استخدام معايير مُعيَّنة في الفرز مثل العمر والجنس. ويُذكر أنه من بين الآليات المستخدمة في هذه العملية التقسيم الطبقي stratification أو استراتيجية التقليل للحد الأدنى minimisation.

- العشوائية المستجيبة للتكيف Response-adaptive randomisation:

تعتمد هذه الطريقة على آلية الاستجابة المُسبقة ومجموعة ردات الفعل التي يتمتع بها المريض تجاه طريقة المعالجة  أو الدراسة.

وعلى الرغم من سعة هذا النطاق؛ فغالبًا ما تكون الطريقةُ الأمثل التي يجب تنفيذها في دراسة معينة غيرَ واضحة.

ولكن هل هناك من أساليب وأدوات أخرى في البحث العلمي عمومًا، وطبيًّا على وجه الخصوص؟

كونوا معنا لاحقًا واكتشفوا ذلك بأنفسكم.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا