التعليم واللغات > اللغويات

اللغة ودورها في تكوين المفهومات الرياضية

وجدت دراسة أجريت على قبيلة صغيرة تقطن غابات الأمازون، ولا يزيد عدد الكلمات التي تستخدمها للتعبير عن الأعداد على كلمتين، أن قدرة أفراد هذه القبيلة على تصور الأعداد لا تتفوق على قدرة الشمبانزي أو الأطفال الرضَّع، وتسعى الدراسة إلى تسليط الضوء على السؤال الذي طالما حيَّر اللغويين: هل يمكن أن توجد المفهومات دون كلمات تعبِّر عنها؟

تعيش قبيلة (بيراها) Pirahã، المؤلفة من نحو 200 نسمة وتتعيَّش من الصيد، في قرى صغيرة على روافد الأمازون، وتعدُّ لغة (بيراها) واحدة من أكثر اللغات محدودية في العالم فيما يتعلق بالأصوات، فهي تضم فقط 10 أحرف صوتية وساكنة. زار (بيتر غوردون) من جامعة كولومبيا في العقد الماضي قبيلةَ (بيراها) ليُجري تجارب ميدانية مع العالم اللغوي (دانييل إفريت) من جامعة مانشستر، وزوجته (كيرين). أخضع (غوردون) رجالَ القبيلة لسلسلة من الاختبارات (منع الخجلُ النساءَ والأطفالَ من المشاركة) لمعرفة كيفية تعاملهم مع المفهومات التي لا يمتلكون كلمات للتعبير عنها في لغتهم.

طلب (غوردون) من الرجال تكرار وضع صفٍّ مؤلف من 10 بطاريات وضعها على الطاولة، فوجد أن أداء المشاركين بدأ بالتراجع بعد وضع بطاريتين أو ثلاث، وكان أداؤهم سيئًا جدًا حين طُلب منهم إعادة رسم خطوط على الورق. وأما أكثر النتائج وضوحًا فكانت في اختبار عُرضت فيه قطعة من السكاكر موضوعة في صندوق يحمل على غطائه صورة عدد من الأسماك، ومن ثمَّ عُرض على المشاركين الصندوقُ السابق مع قطعة السكاكر، وصندوقٌ آخر يزيد عدد الأسماك على غطائه أو ينقص عن سابقه بسمكة واحدة، وطُلب من الرجال اختيارُ صندوق منهما، ورغم أن من يختارُ الصندوق الصحيح كان يُكافأ بقطعة سكاكر، لم يُفلح المشاركون في الاختيار إلا عن طريق الصدفة. وكان اللغويون قد افترضوا سابقًا أن البشر يتمتعون بإدراك فطري للأعداد، لكن (غوردون) يزعم بأن نتائج بحثه تبعث الشك في هذه النظرية.

تقول عالمة النفس (ليزا فيغنسون) من جامعة (جونز هوبكنز)، واصفةً الدراسة بـالمذهلة، إن هذا الاختلاف البالغ في تصور الأعداد بين أفراد قبيلة (بيراها) وبين غيرهم من جماعات البشر لا بد أن يكون نتيجة لغتهم التي تحدد قدراتهم على التصور. ويعتقد (إفريت)، الذي عاش مع القبيلة مدة 20 عامًا، بأن غياب الكلمات والمفهومات الممثِّلة للأعداد هو نتيجة القيود التي تفرضها ثقافة أفراد القرية على القياس الكمي.

المصدر: 

هنا