المعلوماتية > عام

المرآة السوداء Black Mirror وحماية الخصوصية.

المرآة السوداء Black Mirror؛ مسلسل تلفزيوني كُتِبَ بواسطة الذكي المتشائم تشارلي بروكر Charlie Brooker، والذي يبدو بأنه يتنبأ على نحوٍ روتيني بالأخبار والسياسات العالمية، ويعرضها بأسلوب درامي، ولكن هذه المرة؛ بدلًا من التنبؤ بالمستقبل فحسب؛ فإن الإصدار الجديد "Bandersnatch" قد يكون هو صانع المستقبل.

أُصدر "Bandersnatch" في 28 كانون الأول/ديسمبر على نيتفليكس Netflix، والذي -بلا شك- سيفتح أفقًا جديدًا.

نعم؛ إنها واحدة من أولى المحاولات في التلاعب بطريقة سرد الأحداث على منصة البث، ولكن من المحتمل أن يكون نوعًا جديدًا من أنواع المراقبة، وهو أسلوب يغزو خصوصياتنا؛ متنكرًا بعباءة الترفيه.

وعوضًا عن مشاهدة الفيلم دون أي تفاعل معه؛ فإنه باستطاعة المشاهدين (أو اللاعبين) اختيار ما تفعله الشخصية الرئيسة لاحقًا، وقد تبدو بعض الخيارات بريئة؛ مثل ما هو نوع الموسيقا التي ستُعزف؟ ماذا سيُتناول على وجبة الإفطار؟ ولكن  تنتقل الأسئلة على نحوٍ سريع فيما بعد إلى أسئلة عن القرارات المهنية، وقضايا الصحة العقلية، وحتى فيما يخصّ قتل شخصيات أخرى.

تُجمع كل هذه البيانات بواسطة نيتفليكس Netflix، وتخزن في قاعدة بيانات آمنة (سيكون أمرًا صعبًا أن نشعر بالثقة مع وجود العديد من المخترقين التابعين لشركات أخرى)، ويمكن أن تساهم خياراتك في تحسين طريقة اللعب؛ إذ ستؤثر القرارات البريئة التي تختارها مبكرًا في  طريقة سرد الأحداث لاحقًا، وبدون جمع هذه المعلومات؛ لا يمكن نقلك إلى رحلتك الشخصية؛ إذ تؤمن المنصة تجربةَ مستخدم مختلفة لكل مشاهد!

ولكن؛ ما الذي يحدث للبيانات التي تُخزِّن اختياراتك بعد تنفيذها من قبل الشخصية؟

تستحوذ نيتفليكس Netflix الكثير من البيانات الخاصة بمستخدميها؛ متضمّنة معلومات عن سلوك المشاهدة الخاص بهم على منصتهم؛ مثل البرامج التي يختارون مشاهدتها، والمدة التي يشاهدون هذه البرامج في أثنائها.

وتَستخدم نيتفليكس هذه البيانات لتقترح عليك عروضًا جديدة تفترض أنها تلائم ذوقك؛ فضلًا عن تحسين خدمة الزبائن الخاصة بها لأغراض تسويقية.

ولكن؛ ماذا لو احتفظوا بنيّتك في قتلِ والدك بدم بارد بدلًا من أن يتذكر عدد مرات مشاهدتك لفيلم معين؟

قال المتحدث الرسمي لنيتفليكس Netflix في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "إن خصوصية أعضاء نيتفليكس هي أولوية بالنسبة إلينا، وسوف يُحسِّن توثيق الخيارات من الوظائف التفاعلية في تجربة المستخدم، وتتماشى تفاعلات المستخدمين كلّها في أثناء المشاهدة مع بيان الخصوصية الخاص بنا".

ليس واضحًا عند قراءة بيان الخصوصية الخاص بنتفليكس Netflix (وأيضاً البيان الخاص بخوارزمية الاستخدام) فيما إذا كانت بيانات خيارات المشاهدين ستُستخدَم خارج اللعبة الفعلية أم لا؛ إذ تكون سياسات الخصوصية كهذه غامضةً وغير مفهومة بسبب الخوارزميات التي تتغير على نحوٍ منتظم؛ فيكون من المستحيل تضمين جميع النقاط في البيان.

ولكن؛ هل يجب للبيانات التي تختارها في البرامج لمشاهدتها أن تُعامل بالطريقة نفسها التي تُعامل بها الخيارات السلوكية الخطيرة؛ مثل حالة ارتكاب جريمة قتل أو القفز من على حافة مبنى؟

في حال عُدَّت بيانات اللعبة مختلفة عن البيانات التي جمعتها نيتفليكس Netflix إلى الآن، وتحت إطار قانون (GDPR (General Data Protection Regulation؛ وهو قانون لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي (يمكنك قراءة المزيد عنه هنا)؛ يجب على نيتفليكس Netflix إخبار مستخدميها في الاتحاد الأوروبي عن التغييرات الخاصة بجمع البيانات، ولكن هناك احتمال أن تكون سياسة الخصوصية واسعة بما يكفي لإعفاء نيتفليكس Netflix من فعل بذلك.

قد تتساءل: وما الضير في ذلك؟ هل تعكس خياراتك عند لعبك "Bandersnatch" طبيعتك الحقيقية؟

ستقودنا الكثير من الخيارات في أثناء المشاهدة إلى نهايات مسدودة؛ ما يعني أنه عليك العودة مرة ثانية واختيار خيارات أخرى، فهل تكشف خياراتك الكثير عنك؟

هذا مهم لثلاثة أسباب:

1- تمتلك نيتفليكس Netflix تأثيرًا كبيرًا في كيفية حصول ملايين الأشخاص على معلومات ثقافية وسياسية؛ فقد كان لديهم 137.1 مليون مشترك في شهر أيلول/سبتمبر عام 2018، يخضعون جميعًا إلى خوارزمية اقتراحات المشاهدة، ويميل المستخدمون غالبًا إلى مشاهدة البرامج التي اقتُرحت لهم، وهذا بدوره سيغير  من طريقة رؤيتهم للعالم.

من الممكن  أن يكون لقراراتك في الأفلام التفاعلية العديد من العواقب غير المقصودة؛ ففي حال قررت نيتفليكس Netflix أن أولئك الذين يختارون على الفور قتل أحد أفراد عائلتهم في "Bandersnatch" سيكونون أكثر ميلًا للاستمتاع بفيلم Kill Bill Vol 1، وفي هذه الحالة ستكون البيانات قد استخدمت لاقتراح أفلام أكثر عنفًا لك، وتخطط نيتفليكس Netflix لمزيد من المحتوى التفاعلي في عام 2019؛ ما يعني السماح لهم بجمع المزيد من البيانات السلوكية الغريزية فيما يخص مجموعة متنوعة من الموضوعات.

2- سبق وباعت شركات تمتلك كميات هائلة من بيانات المستخدمين كـ facebook و youtube بياناتها وفق صفقات فاضحة، أو استخدمتها في توجيه الرأي العام بخصوص موضوع معين.

ما الذي يضمن أن لا تفعل Netflix الأمر نفسه؟

3- هل ستُستخدم هذه البيانات في مراقبة سلوك البشر؟ مثلًا أظهر شخص سلوكًا عنيفًا في أثناء مشاهدته الإصدار؛ فهل سيصنف شخصًا تجب مراقبته لاحتمال كونه إرهابيًّا؟ أو أن يُمنع من دخول المطارات؟ ما نتحدث عنه لا يختلف عن "نظام الائتمان الاجتماعي" في الصين حيث يمكن الحكم على الأفراد ومعاقبتهم بسبب عدم دفع الفواتير أو عبور الشارع بطريقة مخالفة لأنظمة السير.

ربما يعبِّر هذا الإصدار من المرآة السوداء “Bandersnatch” عن فكرة تسيير الأحداث وفق ما نرغب، ولكن يوجد موضوع موازٍ آخر، وهو انتهاك خصوصية حياتنا الواقعية؛ فبدلًا من اختيار مغامرتك الخاصة، ماذا لو كانت نيتفليكس Netflix هي التي تختار لك؟

من الممكن أن تراقبك المرآة السوداء، ونهاية قصصها غالبًا ما تكون غير سعيدة!

المصادر:

هنا