الهندسة والآليات > منوعات هندسية

التحرُّش الجنسيُّ يهدِّد الهندسة

عَمِل المجتمعُ الهندسيُّ على زيادة التَّمثيل النسويِّ في الجامعات والمهن في أنحاء العالم مدةَ عقودٍ من الزمن، ولا يزال العمل على ذلك مستمرًّا، ولكن كان هذا التقدُّم بطيئًا، فمثلًا كان في الولايات المتَّحدة وحدَها ما نسبتُه 21% من درجات البكالوريوس في الهندسة، وقد حصلت عليها خريجاتٌ إناث، وكان هناك ما نسبته 11% من النساء اللَّاتي يمتهِنَّ الهندسة أو يعملْن مهندساتٍ فحسب، وإنَّ المشكلة معقدة حقًّا، ويجب علينا إدراك أنَّ أحد العوامل الرئيسة لذلك التقدم البطيء هو التحرُّش الجنسيّ؛ الذي يخلق بيئةً عدائية، سواءً في أثناء عملية التعلُّم أو العمل؛ ممَّا يدفع النساء إلى الابتعاد عن هذا التخصُّص (الهندسة).

وقد وضَّحت دراساتٌ موثوقة أنَّه من 20% إلى 50% من الطالبات النساء أو الإناث قد مررْنَ بتجربة التحرُّش الجنسيِّ في مرحلة تعليمهنَّ العالي، ويشمل التحرُّش الجنسيّ أكثرَ منِ اعتداء جسديٍّ مُفاجئ؛ إذْ إنَّه يشمل أيضًا مدىً واسعًا من التصرُّفات الجنسية العدائية الفظَّة التي تحقِّر المرأة وتحطُّ من قدْرِها، وبمثل هذه التصرُّفات يُوصل المتحرشون رسالةً مفادها أنَّ الإناث لا يستحققْنَ الاحترام، وهنّ غيرُ جديرات به، وهذا التحرُّش المُعتمِد على العنصرية الجنسية أساسًا هو النوع الأكثر شيوعًا للتحرُّش الجنسيّ.

قد يعتقد بعض الناس أنَّ الكلمةَ لا تجرح، ولكن أظهرَ بحثٌ أنَّ الاعتداءات اللَّفظية القاسية والمتكرِّرة يُمكن أن تكون لها النتائجُ السلبية الناتجة عن الاغتصاب نفسها.

وفي الفترة الأخيرة، بيَّن تقريرٌ صادرٌ عن الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب أنَّ التحرُّش الجنسيَّ له أعراضٌ جانبية لا تؤثِّر على النساء اللَّواتي استُهدفْنَ في التحرُّش وحدهنَّ، ولكن على من يَشْهد حادثة التحرُّش وعلى المؤسَّسة الأكاديمية بكاملها أيضًا.

فأكثر من 30 سنة من الأبحاث الملخَّصة في تقرير الأكاديميات الوطنية في الولايات المتحدة توضِّح أنَّ التحرُّشَ الجنسيَّ يُضْعِف النجاح الأكاديميَّ والمهنيَّ للنساء ويقوضه، ويؤذي صحَّتهنَّ العقلية والجسدية أيضًا.

عندما تمرُّ الطالبات بنوعٍ من التحرُّش الجنسيِّ فإنَّهنَّ يُبدينَ عزوفًا عن حضور المحاضرات عادةً، ويصبحْنَ أقلَّ تركيزًا، ويتحصَّلْنَ على علاماتٍ أو درجات أقلّ، ويُسقطْنَ المساقات، ومن المُمكن أن يَسعينَ إلى تغيير المشرفين أو التخصُّص الجامعيِّ أيضًا، أو الانتقال إلى معاهد تعليمية أخرى، وقد ينسحبْنَ في حالاتٍ مُتقدِّمة من السلك الأكاديميّ والجامعة برمَّتها، أمَّا في مكان العمل، فإنَّ التحرُّش الجنسيَّ يجعل النساء أقلَّ رضًا عن وظيفتهُنَّ؛ فيشعرْنَ بخيبة الأمل أو الغضب على المؤسَّسة التي يَعملْنَ بها، ويتعرَّضْنَ إلى ضغْط العمل ضغطًا متزايدًا، ويُبدين انخفاضًا في الإنتاجية والأداء، و"تنسحب" بعض النساء من مكان العمل سواءً جسديًا أو عقليًا، وتفكِّر بعضهنّ بترْكِ الوظيفة والعمل تفكيرًا مليًّا، وأخيرًا؛ هناك من تترك عملها حقًّا، ومن الواضح أنَّ هذه النتائج أو الآثار تستطيع أن تعيق نجاح المرأة في الهندسة إعاقةً جليًّة، ويمكن أن تَتسبَّب بترْكها للمجال كليًّا.

وهناك عواقبُ أو تأثيرات سلبية واضحة للتحرُّش؛ إذ يُظهر البحث أنَّ مكانَ العمل المُحاط بالتحرُّش الجنسيِّ يستطيع أن يؤثِّرَ سلبًا على الموظفين الآخرين؛ من ناحيةِ الرِّضا الوظيفيِّ، والصحَّة النَّفسية، ممَّا يُولِّد التغيُّب عن العمل، والعزْم على الاستقالة في مراحل مُتقدِّمة، ويجعل الموظفين أكثر عُرْضة للمغادرة المُبكِّرة من العمل، وأخْذ استراحات طويلة، وتفويت الاجتماعات أيضًا.

إنَّ مواجهةَ التحرُّش الجنسيِّ بأشكاله كلها خطوةٌ مهمّة نحو حلِّ مشكلةِ عدم التكافؤ الجنسيِّ في مجال الهندسة، وتدعو الأكاديميات الوطنية "المجتمعَ الهندسيَّ" إلى تنفيذ منظومةِ التغييرات المُوصى بها في آخر تقرير لها، ولا يجب علينا أنْ نواجهه لصالح النساء المهندسات فحسب؛ ولكن من أجل الصالح العامِّ للمهنة برمَّتها.

المصادر : 

1- هنا

 

/p>