العمارة والتشييد > التشييد

أزمة الرّمال العالمية

يُعدُّ الرمل عنصرًا رئيسًا من عناصر البيئة التي نحيا فيها، فهو ليس مجرد حبيبات متفرّقة فحسب يُمكن أن تُستخدم في صناعة شيء ما، وإنَّما لا يمكن للحياة أن توجَد دونه، فهو أكثر الموارد الطبيعية استهلاكًا في العالم بعد الماء والهواء. إذ تقدّر كمية استهلاك الرمل والحصوّيات في عمليات البناء بقرابة 25 مليار طن سنويًّا.

لكن ماذا لو علمنا بأن مخزون عالمنا من الرّمال قد بدأ بالنفاد؟

بيّن برنامج الأمم المتحدة للبيئة The United Nations Environment Programme أنَّه في الفترة الواقعة ما بين 2011 إلى 2013 استخدمت الصين وحدها كمية من الإسمنت أكثر ممَّا استخدمته الولايات المتحدة في القرن العشرين كلّه. وفي عام 2016؛ بلغت قيمة إنتاج الرمل والحصى واستخدامهما في صناعة البناء في الولايات المتحدة وحدَها قرابة 8.9 مليار دولار أمريكي، ثمّ إنَّ الاستهلاك العالمي للحصويات الداخلة في تركيب الخرسانة يتجاوز 40 مليار طن سنويًّا، وهو ضعف كمية الرواسب التي تنقلها جميع الأنهار في العالم كلّه سنويًّا. وهذا يعني ضمنيًّا استخدامَ كميات هائلة من الرّمل في عملية البناء التي يشكل الإسمنت (الذي يدخل الرمل في تركبيه) أحدَ مكوناتها الأساسية. وما يزال الطّلب على الرّمل مستمرًّا بالارتفاع، نظرًا إلى كونه العنصر الأساسي لا في خرسانة البناء فحسب؛ بل في  إنشاء الطرق والزجاج وصناعة الإلكترونيّات، عدا عن الكميّات الهائلة التي تُستخرج من الرّمل بهدف توظيفها في مشاريع استصلاح الأراضي، واستخراج الغاز الصخري، وبرامج إعادة تأهيل الشواطئ.

ومع معدّل الاستهلاك المرتفع للرّمل -النّاتج من الاعتقاد الخاطئ بـأنّ كمية الرّمل على الأرض لا محدودة-  فإنّ بعض الدّول معرّضة لخطر نفاد هذا المورد الحيوي فيها، كما هو الحال في دولة فيتنام التي قد ينفد فيها مخزون الرمل الصالح للبناء بحلول عام 2020 وفقًا لتقديرات وزارة الإعمار. هذا ما يؤكدهُ مقال WIRD  -الصادر سنة  2015- الذي يفيد باختفاء عشرات الجزر في أندونيسيا، عدا عن الأضرار الهائلة التي أُلحقت بالنظم البيئية، ممَّا دعا دولًا مثل فيتنام وأندونيسيا وماليزيا إلى فرض قيود قد تصل إلى الحظر على تصدير الرمل. وإنّ فرض مثل هذه القيود لا يحلّ المشكلة وإنما يسهم بصب الزيت على النّار فقط، خاصّة مع استغلال عصابات السّوق السوداء مثلَ هذا الأمر والتي قد تعمل على تعدين الرّمل (sand mining) بصورة غير قانونية.

إن تعدين الرمل بصورة غير قانونية -الذي يُعرَف بسرقة الشواطئ أيضًا-  قد أضرّ إضرارًا كبيرًا بمساحاتٍ واسعة من العالم، منذ منتصف عام 2000، إذ تسبب في نقص كبير في الكميّات التي تحتاجها صناعة البناء، إضافة إلى تضرر العديد من السواحل في أنحاء العالم شتّى. إضافةً إلى تفشي العنف الناجم عن التنافس على هذا المورد الثمين بين مافيات السوق السوداء، الذي أودى في أحيانٍ كثيرة بحياة العديد من الناس، عدا عن نشوب النزاعات الدّولية؛ كتلك التي نشأت بين سنغافورة وأندونيسيا وماليزيا وكمبوديا نتيجة استيراد سنغافورة كمياتٍ ضخمة من الرّمل.

ويؤثر استهلاك الرّمل بما يفوق إعادة تكوّنه في الطبيعة في حدوث تغيرات سلبية في النظم البيئية؛ يتضمن ذلك الأنهار والشواطئ التي تتعرض لعملية التعرية وتآكل الضفاف التي تشكل موطنًا للعديد من أنواع الحيوانات متضمّنةً الأسماك والدلافين والقشريات والتماسيح. ولا ننسى الآثارَ الصحية المُحتملة للإنسان، الناجمة عن عملية تعدين الرمل التي تسبب في إنشاء مستنقعات يتكاثر فيها البعوض الحامل للملاريا.

 

يُعدُّ الرّمل الصناعي بديلًا واعدًا من الرمل الطبيعي في صناعة الخرسانة، وهو ينتج عن تكسير الصخور والركام إلى أحجام قياسية تحاكي حبيبات الرّمل الطبيعي، وهو ما يزال محدود الاستخدام في القارّة الآسيوية، حتى أنّه غير مقبول الاستخدام في صناعة الخرسانة الصينية للأسباب الآتية:

عدم توافر مقالع الحجارة اللازمة لإنتاج هذا الرمل بالقرب من مواقع البناء، فضلًا عن أنّه يحتاج أن يُمزج بكميات من الرمل الطبيعي كي يحقق قابلية التشغيل المناسبة.

ارتفاع كلفة النقل والإنتاج، مما يجعل المتر المكعب منه أغلى من مثيله من الرّمل الطبيعي.

عدم كفاية العرض لتلبية الطلب على هذا الرّمل في السوق، إذ تؤمّن مقالعُ الصخور ما مقداره 30 إلى 50 بالمئة فقط من متطلبات سوق البناء.

تُعدُّ اليابان الدولة الوحيدة في آسيا، التي تمكنت من الانتقال بنجاح إلى استخدام الرمل الصناعي. ففي عام 1990؛ حظرت طوكيو جميع أنشطة استخراج الرّمل، في سياق الحفاظ على الموارد الطبيعية المحدودة في البلاد.

أمّا الرمل البحري فهو يحتوي على الكلوريدات التي تسبب التآكل في فولاذ الخرسانة؛ الذي قد يؤدّي بدوره إلى تعريض المباني إلى خطر الانهيار على مدى 25 إلى 30 سنة. ولكن يمكن لهذا الرّمل أن يقابل مواصفات الرّمل الطبيعي المُستخدَم في صناعة الخرسانة بنسبة تصل إلى مئة بالمئة إذا ما غُسلَ من الكلوريدات، إلّا أنّ عملية الغسل هذه مكلفة للغاية نظرًا إلى كميّة المياه الكبيرة المطلوبة لإتمام العملية.

وقد يسأل بعضنا: لماذا لا تُستغلُّ رمال الصحراء –التي تمتد على الكرة الأرضية– في صناعة الخرسانة؟!

لا يمكن لرمال الصحراء أن تحلَّ محل الرمل المُستخدَم في الخرسانة، نظراً إلى خواصها الكيميائية التي يميزها افتقارها إلى مركبات ثاني أكسيد السيليكون (السيليكا)، عدا عن نعومتها الشديدة واحتوائها على كثيرٍ من الطين والكلس وأكاسيد الحديد.

وعلى النقيض من ذلك؛ فإن الرمال المُستخلصة من قيعان المحيطات ومن الشواطئ وسرر الأنهار، تتكون من معادن ثمينة مثل التيتانيوم والثوريوم والسيليكون واليورانيوم، والتي تؤدّي دورًا أكثر أهميةً في حياتنا اليومية مما يستطيع معظمنا تخيله. فهي تدخل في صناعة رقاقات السيليكون والألواح الشمسية وبناء المنازل وهياكل الطائرات وحتى مستحضرات التجميل والزجاج والبلاستيك ومعجون الأسنان. وتخيّل أنّ بناء منزلٍ لأسرةٍ واحدةٍ فقط يكلف مقدار 200 طن من الرّمل وسطيًا.

ولا نعرف إن كان علينا أن نفرح إذا علمنا بأنّ أسواق البناء الناشئة قد تحقق نموًّا يتراوح من 3 إلى 6٪ سنويًا، وأنّ صناعة البناء قد تحقق ما مقداره 15 تريليون دولار عام 2025. بحيث تحتل منطقة جنوب الصحراء الإفريقية المركز الثاني في النّمو، فيما ستشكل حركة البناء في الصين وحدها 25٪ من نشاط البناء العالمي.

وممّا لا شكّ فيه أنّه يجب على المجتمع الدولي أن يضعَ إستراتيجية عالمية لإدارة هذا المورد الطبيعي المهم، ومعاملته على قدم المساواة مع المسائل العالمية الأخرى مثل توافر الهواء النقي والتنوع الحيوي وغيرها من القضايا التي تهيمن على الاهتمام العالمي.

فلنعلم جميعًا أنَّ الرّمل -كأيّ مصدر طبيعي آخر- عُرضةٌ للنفاد.. لقد حان الوقت لنبحث عن حلول أخرى إذا ما أردنا ضبط معدّل استهلاك الرمل المرتفع جدًّا والمُواكِب لصناعة البناء الآخذة في الازدهار يومًا بعد يوم في جميع أنحاء العالم. فهل يا ترى ذلكَ في وسعنا حقًا؟!  

المصدر: 

هنا

هنا

هنا