علم النفس > الصحة النفسية
متلازمة الدجال Impostor Syndrome
هل حصلت أخيرًا على وظيفة جديدة أو ترقية؟ وهل قُبِلت في الجامعة أو سلمت مؤخرًا مشروع تخرجك؟ وكيف تشعر؟ وهل أنت راضٍ عن نفسك أم أنك تشعر بالتوتر والخوف من أن تُكشَف أنك مخادع وتظهر عدم كفاءتك؟ لنكن واقعيين وننزع الأقنعة؛ أنت مصاب بمتلازمة الدجَّال!
قال ألبرت أينشتاين قُبيل وفاته: "إن التقدير المبالغ فيه الذي يُنظَر به إلى عملي يجعلني أشعر بمرض شديد، وأشعر بأنني مُجبر على التفكير في نفسي وكأنني محتال لا إراديًّا".
إن أداء إنجازات على مستوى ما أنجزه أينشتاين هو أمر نادر، لكن يبدو أن الشعور بالهشاشة هو أمر شائع؛ فلماذا نشعر بأن ما نفعله غير كافٍ لننال تقدير مَن حولنا؟ من أين تأتي هذه المشاعر؟
الطبيبة النفسية "بولين كلانس" هي أول من درسَ هذه الظاهرة عام 1978 عندما لاحظت شعور عدم الأمان عند كثير من طالباتها في الجامعة؛ فعلى الرغم من أن الطالبات كُنَّ يحصلن على علامات عالية؛ لم يكنَّ يشعرن أنهن يستحققن أماكنهن في الجامعة؛ وقد ظنّ بعضهن أن قبولهن في الجامعة كان ناجمًا عن خطأ ما.
وأظهرت دراسات لاحقة أن "متلازمة الدجَّال" أو "ظاهرة الدجل" يُمكن أن تؤثر في كلا الجنسين وتصيب الأشخاص في مهنٍ مختلفة، ويقدَّر أنَّ 70% من البشر سوف يعانون هذه الظاهرة على الأقل مرة واحدة في حياتهم؛ فكل شخص بإمكانه أن يشعر أنه مخادع إذا فشل في ردِّ نجاحه إلى نفسه.
تعريف ظاهرة الدجال بحسب "كلانس":
هي تجرِبة داخلية بالزيف الفكري، هي ليست مرضًا نفسيًّا يؤدي إلى تدمير الذات؛ وإنَّما تسبب خللًا في الصحة النفسية تمنع الشخص من تقبل قدراته، إضافة إلى الشعور بقلة الثقة بالنفس والخوف، ويمرُّ الشخص المصاب بما يدعى بحلقة الخداع.
حلقة الخداع:
هي أهم ما يُميز متلازمة الدجَّال؛ إذ تبدأ عندما يستلم الشخص مهمة تحتاج لمهارة أو خبرة؛ فتجعل الشخص يشعر بالقلق، ويمكن أن يتفاعل الشخص مع هذا القلق إمَّا بـ "الإعداد المبالغ به" وإمَّا بـ "المماطلة" التي تتحول إلى " تحضير على عجل"، وبعد أداء المهمة؛ هناك شعور مبدئي بالراحة والإنجاز لكن هذه المشاعر لا تستمر؛ فعلى الرغم من تلقي ردود فعل إيجابية يفشل الشخص (الدجَّال) برد سبب نجاحه لنفسه؛ فإذا حضَّر الدجَّال تحضيرًا مبالغًا فيه، يرد سبب النجاح إلى الجهد المصروف وأي شخص بإمكانه فعل ذلك (ليس لمهارته أو خبرته)؛ أمَّا إذا مَاطلَ فغالبًا يرد النجاح إلى الحظ.
دور الأسرة والتربية كونه سببًا لهذه الظاهرة:
بحسب الملاحظات السريرية على المصابين؛ فإنَّ ظاهرة الدجل تنبثق من مواقف في الطفولة الباكرة وتُدَّعم لاحقًا في المراهقة من قِبل المجتمع في دراسة أجريت على 302 طالب ركَزَّت على تاريخهم الأسري؛ تبين أن الظاهرة ترتبط عكسيًّا مع "التماسك الأسري" و"القدرة التعبيرية" عند أفراد الأسرة، وترتبط ارتباطًا إيجابيًّا مع "الصراع الأسري" و"حب السيطرة" و"حماية الطفل المفرطة"، ببساطة؛ يحاول الأطفال دائمًا إرضاء من حولهم وخاصةً الأهل، وفي الأسر التي تعزز روح المنافسة وتضغط على الطفل للنجاح تجعله يعدل من تصرفاته؛ ليوافق قيم الأسرة، وبغياب ردود إيجابية وتشجيعية منتظمة ومتناسقة، ممَّا يجعل الطفل يشعر بالخجل والعار ويفقد ثقته بنفسه وتنحدر قيمته الذاتية؛ فيعدل أكثر من تصرفاته ليشعر أنه مقبول وتستمر الحلقة.
التأثيرات السلبية في حياة الشخص المصاب:
- هناك نزعة عند هؤلاء الأشخاص للإصابة بالاكتئاب التحت سريري (اكتئاب ضعيف) وفترات طويلة.
- الشعور بالقلق الذي قد يتحول إلى فوبيا اجتماعية.
- عدم الرضى وعدم الشعور بالسعادة في العمل.
- تفضيل العمل الفردي خوفًا من أن تكشف عدم كفاءتهم.
- لا يطلبون زيادة في الراتب؛ لأنهم يشعرون بأنهم لا يستحقون ذلك.
كيفية التغلب على ظاهرة الدجَّال:
معرفة وجود مصطلح يعبِّر عن المشاعر التي نشعر بها "ظاهرة الدجَّال Imposter Syndrome" هي في حد ذاتها خطوة نحو الشعور بالراحة، إضافة إلى التحدث عن الموضوع مع الأصدقاء ومعرفة أن هذه الظاهرة ليست نادرة، وبعد ذلك يمكن للشخص مراجعة الوقائع بموضوعية والتفكير بكل الردود الإيجابية التي حصل عليها وكيف أنه اختير من بين كثيرٍ من الأشخاص بسبب كفاءته وموهبته، وقد لا تستطيع التخلص من هذه الأفكار كليًّا لكن أصبح بإمكانك محاربتها والشعور بالحرية منها.
المصادر:
هنا...