الفيزياء والفلك > فيزياء

فوياجر... المركبة التي تنقلنا إلى أعماق الكون

فوياجر "Voyager"؛ المهمّة المُقدَّر لها أن تستمرّ خمس سنوات لدراسة كوكبين، تتخطّى التّقديرات وتتعدّى الاحتمالات لدراسة كواكب أكثر، ودراسة الوسط البينجمي في أعماق الفضاء.

أعلنت ناسا في اجتماع اتّحاد الجيوفيزيائيين الأمريكي؛ المُقامِ في 13 كانون الأول/ديسمبر 2018، أنّ مسبار فوياجر 2 قد تخطّى حدود المجال الشّمسي المغناطيسي، ودخل الوسط البينجمي "interstellar medium" في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2018. ويُعدّ بذلك ثاني جسم من صنع الإنسان؛ بعد توأمه فوياجر 1، يصبح خارج تأثير المجال الشّمسيّ فعليًّا.

في البدء؛ أُطلِقَ مسبار فوياجر 2 في 20 آب/أغسطس 1977 ومسبار فوياجر 1 (الذي أُطلِق بعده بـ 15 يومًا)، في مهمّة لجمع معلومات عن كوكبي زحل والمشتري ودراستها. وبعد نجاحهما في إتمام المهمّة وتزويدنا بأولى صورٍ واضحةٍ لطبيعة هذه الكواكب وأقمارها عام 1979، تقرّر تمديد المهمة وتوجيه فوياجر 2 إلى كوكبي نيبتون وأورانوس؛ لتكون المركبة الفضائية الوحيدة التي زارت هذه الكواكب الخارجيّة لحدّ الآن.

لقد أنجز مسبار فوياجر 2 مهمّته عام 1989، ووُجِّهَ إلى خارج المجموعة الشّمسية لاستكشاف المنطقة التي تقع بعد الهليوباوز "Heliopause"؛ وهو الحدّ الّذي تنتهي عنده تأثيرات المجال المغناطيسيّ الشّمسي والرّياح الشّمسية، ويبدأ بعده الوسط البينجمي؛ المُكَوُّن من بقايا غبار النّجوم المتفجرّة وغازاتها والمالئِ الفراغ بين نجوم المجرّة، مُلتحقًا بذلك بتوءمه الذي دخل هذه المنطقة عام 2012.

بعد 6 أعوام من دخول فوياجر 1 إلى الوسط البينجمي، يدخل مسبار فوياجر 2 إلى هذه المنطقة؛ مُبتعدًا عن الأرض بأكثر من 18 مليار كيلومتر، مُحمّلًا بمعدّات تعمل على تزويدنا بمعلومات تعدّ الأولى من نوعها عن طبيعة هذا الفضاء البينجمي.

إنّ أكبر دليل استند إليه العلماء في التّأكد من أنّ المركبة قد غادرت الهيليوسفير "Heliosphere"؛ آخر طبقات الغلاف الشّمسي، جاء من جهاز البلازما "PLS" المُركَّبِ عليها؛ والذي يقيس سرعة جسيمات بلازما الرّياح الشّمسيّة وكثافتها ودرجة حرارتها وضغطها وتدفقها؛ والّتي تغلّف الكواكب جميعها وتشكّل طبقة الهيليوسفير. سجّل الجهاز انحدارًا حادًّا في سرعة جسيمات الرّياح الشّمسية في 5 تشرين الثاني، ومنذ ذلك الوقت لم يقِس الجهاز أيّ تدفقٍ للرّياح الشّمسية في محيط المركبة؛ ممّا أكّد للعلماء العاملين على المهمّة أنّ المسبار قد غادر منطقة الهيليوسفير.

بالإضافة إلى المعلومات المُستَحصَلةِ من "PLS"؛ وجد فريق المهمّة دليلًا آخر على اجتياز المركبة للهيليوباوز من ثلاثة أجهزة أخرى مركبة على المسبار (كاشف الأشعّة الكونيّة وجهاز قياس الجسيمات المشحونة ذات الطّاقة الواطئة ومقياس المجالات المغناطيسيّة)، ما جعل العلماء توّاقون لمتابعة دراسة بيانات المنطقة الجديدة بواسطة هذه الأجهزة.

على الرغم من أنّ المسبارين قد غادرا الهيليوسفير؛ فإن فوياجر1 وفوياجر 2 لم يغادرا المجموعة الشمسية بعد، ولن يغادراها قريبًا أيضًا، إذ تنتهي حدود المجموعة الشّمسية عند الحافّة الخارجيّة ممّا يُسمَّى سحابة أورت "Oort Cloud"؛ وهي مجموعة من الجسيمات الصّغيرة التي لاتزال تحت تأثير المجال الجذبيِّ للشّمس، ويتراوح عرض هذه السّحابة من 1000 وحدة فلكيّة إلى 100،000 وحدة فلكيّة (الوحدة الفلكيّة هي المسافة بين الأرض والشّمس؛ وتساوي 149.6 مليون كيلومتر، وهذا ما يمنح المركبة قرابة 300 سنة للوصول إلى منتصف حافة السحابة، و30،000 سنة لعبور هذه الحافّة.

إن اكتشافات مركبتا فوياجر عن الكواكب الخارجيّة وأقمارها؛ من عام 1979 إلى عام 1989، لها من الأهميّة التّاريخية ما يُضاهي أوّل عمليّة رصدٍ لكوكب المشتري وأقماره على يد غاليليو عام 1610. فقد أكّد اكتشاف غاليليو له أنّ كوبرنيكوس كان على حق، وأنّ الشّمس تقع في المركز وتدور الكواكب حولها. يُمثِّل هذا الاكتشاف ثورةً في تغيير الفكر البشري، وانتقاله من الخرافة إلى الحقيقة؛ أي العِلْم، أمّا اكتشافات فوياجر فتُمثّل حدثًا تاريخيًّا ينقل تصوّرنا عن هذه الأقمار؛ من مجرّد نقاطٍ مضيئةٍ تدور حول المشتري قد تكون ناتجة عن أخطاء في الرّؤية أو غيرها، إلى إثباتٍ حقيقيّ على وجودها، عن طريق صورٍ ملونةٍ مُدَعّمةٍ بتفاصيلَ عن طبيعة سطوح هذه الأقمار و كوكبها.

من الأمور الممتعة في رحلة فوياجر ليس أنّها استمرت 41 سنة فقط، بل أنّ كلّ معلومة ترسلها هذه المركبات تُمثّل اكتشافًا جديدًا؛ لأنّها تذهب لمكان لم يستطع أيّ شيء أن يصله مُسبقًا.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

Matzner، Richard A (2001)، Dictionary of Geophysics، Astrophysics، and Astronomy، USA: CRC Press LLC، pp. 15-27، . ISBN 0-8493-2891-8