البحث العلمي والمنهجية العلمية > البحث العلمي

الموافقة المستنيرة في التجارب السريرية Informed Consent in Clinical Research

عدَّ الأطباء منذ  آلاف السنوات أن خداع المريض هو عنصر أساسي في ممارسة الطب، ولكن بدأت  في القرن والنصف الماضيين المبادئُ الطبية بالانتقال إلى الإدراك بأن المريض المطلع -على نحوٍ جيد- يمتلك السلطة على جسده؛ وبهذا تطورت "الموافقة المستنيرة informed consent" مع تحول الطب باتجاه التركيز على المريض.

في العقود الخمسة أو الستة الماضيين؛ احتلت خطوة إدراك حقوق الأفراد وتقديرهم في اتخاذ قرارهم -على نحوٍ مستقل عن الرغبة بالخضوع للدراسة البحثية- المرتبةَ الأولى من التطورات التي حصلت من الناحية الأخلاقية فيما يتعلق بالأبحاث الطبية الحيوية (التي تعتمد في تجاربها على البشر)؛ إذ تفرض القوانين والإرشادات التي توجه مسار التجارب السريرية وجودَ الموافقة المستنيرة Informed consent، والتي لابد من الحصول عليها من كلّ فرد يرغب بالخضوع إلى الدراسة، و ذلك قبل بدئها.

ماهي الموافقة المستنيرة؟  

يعتقد العديد أن الموافقة المستنيرة تماثل توقيع الفرد الخاضع للدراسة البحثية على استمارة الموافقة، ولكن ترى إدارة الغذاء و الدواء FDA بأن الموافقة الكتابية أو الشفهية هي جزء من الموافقة المستنيرة ؛ فالموافقة المستنيرة هي توفير شرح كامل عن البحث للأشخاص المقبلين عليه، ويتضمن ذلك:

1. شرح هدف البحث.

2. شرح الإجراءات التي سيخضع لها الفرد.

3. شرح خطة (أو بروتوكول) البحث.

4. شرح الأخطار أو المشَقَّات التي قد يواجهها الفرد.

5. التأكيد على أن قبول الخضوع للدراسة هو قرار يجب أن يتخذه بإرادته.

لذا؛ فإن الموافقة المستنيرة تتألف أساسًا من 3 عوامل لا تصلح دونها: الطوعية، والإفصاح عن معلومات البحث، والقدرة على اتخاذ القرارات. ونورد فيما يلي شرحًا بسيطًا عن كلٍّ من هذه العوامل:

الطوعية Voluntarism:

على الرغم من الشرح الطويل عن الطوعية في أخلاقيات التجارب الطبية الحيوية؛ لكنها قليلًا ما تُطبَّق؛  إذ تعرف بأنها " قدرة الفرد على تقرير الأفضل والأنسب لوضعه ومبادئه وسوابقه، على نحوٍ حرٍّ و مستقلٍّ؛ بعيدًا عن الإجبار أو الإكراه".

تتأثر طوعية الفرد بالنضج العاطفي والعقلي، وباعتبارات خاصة متعلقة بالمرض، وبالمبادئ الدينية والحضارية، وبوجود القسر والإجبار على المشاركة بالدراسة، وغير ذلك...

مع ضرورة الانتباه إلى وجود تحفظات عند الرغبة بإشراك الأفراد الأكثر ضعفًا بالدراسة، ووجود تغييرات بما يتعلق بموافقتهم (مثال على ذلك؛ القُصّر أو المصابين بأمراض عقلية تمنع الحصول على الموافقة منهم مباشرة).

الإفصاح عن معلومات البحث Information disclosure:

لكي تعدَّ الموافقة فعالة؛ لابد من أن تشمل جميع المعلومات التي قد يحتاجها المريض ليتخذ قراره بقبول الخضوع للدراسة أو الرفض؛ إذ لا بد من أن تتضمن على سبيل المثال لا الحصر: الحالة التي تهدف الدراسة معالجتها، وطبيعة الدراسة وهدفها، والإجراءات التي سيخضع لها الفرد، والفوائد والأخطار التي قد تنتج عنها، وطبيعة المرض -موضوع البحث- و خطر تركه دون معالجة، ووجود طرائق أخرى لعلاج المرض -موضوع البحث- و فوائد هذه الطرائق وأخطارها، وحق الفرد بالانسحاب في أي وقت، وسرية المعلومات التي سيحصل عليها والتي تخص الفرد؛ بما في ذلك توضيح كيف سيُحتفظُ بهذه المعلومات و من سيطلع عليها ... و أيّة معلومة أخرى يحتاجها المريض لأخذ قراره عقلانيًّا، وعلى ضوء مبادئه الثقافية والاجتماعية والنفسية.

القدرة على أخذ القرارات Decision-making capacity:

تعتمد قدرة الفرد في اتخاذ القرارات على إمكانياته الإدراكية وطوعيته؛ إذ تتأثر باختلال هذين العاملين، وتعرف بأنها "القدرة على فهم و تقدير طبيعة القرارات الصحية المتوفرة وعواقبها، وصياغة القرارات الصحية المتخذة و التعبير عنها".

تتألف –بناء على التعريف- من 4 عوامل وهي:

1) استيعاب المعلومات المقدمة.

2) تقدير الوضع.

3) المعالجة المنطقية للمعلومات.

4) التواصل والإدلاء بالقرار المتخذ.

بالإضافة إلى ذلك؛ لابد من التنويه إلى ضرورة منح الشخص الراغب بالخضوع إلى البحث الوقت الكافي للتفكير بالمعلومات المطروحة عليه، وتكوين أسئلة عن الموضوع و طرحها؛ إذ لابد من حصول نقاش ما بين الفرد المقبل على الدراسة والشخص المسؤول عن  إجراء مقابلة الموافقة المستنيرة عما تتضمنه استمارة الموافقة، وذلك ضمن ظروف معينة تقلل قدر الإمكان من احتمالية حصول الإجبار أو الإقناع أو التأثير بأي شكل.

الموافقة المستنيرة الإلكترونية Electronic Informed Consent

عند حديثنا فيما سبق عن استمارة الموافقة المستنيرة؛ يتبادر إلى أذهاننا ورقة تنتهي بتوقيع يدوي ضمن مركز للأبحاث السريرية ،لكن لم يعد ذلك ضروريًّا بعد الآن؛ إذ من الممكن توفير المعلومات التي يحتاجها الفرد إلكترونيًّا، إما بوجوده مع الباحث المسؤول عن الموافقة  في الموقع نفسه وإما عن بعد.

وتتميز الموافقة المستنيرة الإلكترونية بأنها تتضمن وسائل توضيحية مختلفة (الصور والفيديو) تساعد الأفراد ذوي المستوى التعليمي المتدني أو القدرة المحدودة على القراءة على الفهم الأفضل للدراسة المجراة.

وبهذا نختم حديثنا الموجز عن الموافقة المستنيرة، مع تسليط الضوء على تطور وسائل البحث والذي يؤثر في رأينا بالموافقة المستنيرة؛ مما يشير إلى احتمالية تطوير طرائق حديثة لطرح  الموافقة المستنيرة و أساليب مبتكرة للحصول عليها.

المصادر:

هنا_

هنا

هنا

هنا