البيولوجيا والتطوّر > علم الأعصاب

تنمية الأدمغة المخبرية! ليست خيالًا علميًّا

تُعدُّ دراسة الدماغ البشري من مجالات البحث العلمي الصعبة، وتقع دراسة دماغ الأجنة الشديدة التعقيد ضمن دراسته؛ وذلك بسبب صعوبة الحصول على عيِّنات من نسيج الجنين لتُجرى دراستها، فضلًا عن استحالة دراسة الجنين في الرحم؛ لهذا بقي التطور في هذا المجال بطيئًا.

لذلك وانطلاقًا من الخلايا الجذعية؛ فقد سعى العلماء إلى صنع أشباه أعضاء organoid تستطيع تطوير بعض البنيات المعقَّدة الموجودة في الدماغ ما يُسهل دراستها، وحفَّزوا خلايا جذعية بشرية لتشكل أنسجة قشرة دماغ، وكما نعلم؛ فإن قشرة الدماغ هي جزء الدماغ المسؤول عن التحكم بالمعرفة وتفسير المعلومات الحسية، وقد نُمِّيت المئات من أشباه الدماغ مخبريًّا مدة عشرة أشهر. وللتأكد من أن أشباه الأعضاء الناتجة تُماثل الخلايا العصبية؛ اختُبرت خلايا فردية منها للتأكد من أنها تُعبِّر عن مجموعة الجينات ذاتها التي يُعبّر عنها في الدماغ البشري قيد التطور.

ثم إنَّ الباحثون قد عملوا على تسجيل مخطط كهربائية الدماغ المعروف اختصارًا بـ EEG باستمرار، وذلك على امتداد سطح هذه الأدمغة الصغيرة. وما أثار دهشة الباحثين هو أنه -وبعد ستة أشهر من تنميتها- كان النشاط الكهربائي الصادر عن أشباه الأعضاء هذه أكبرَ من أي نشاط مسجَّل سابقًا لخلايا عصبية منمَّاة مخبريًّا. وفضلًا عن ذلك؛ فقد كان نمط هذه المخططات الكهربائية غير متوقعًا.

إذ تُشكِّل العصبونات في الدماغ البشري الناضج عادة شبكاتٍ متزامنة تطلق الإشارات الكهربائية بتواتر متوقّع، أما المخطط الكهربائي الخاص بأشباه الأعضاء هذه فقد كان غير منتظم ويُشابه الدفعات الفوضوية من النشاط الكهربائي الموجود في الأدمغة التي لا تزال قيد التطور؛ فعندما قارن الباحثون هذه المخططات بتلك الخاصة بالأطفال الخدَّج وجدوا أنها تُماثل تلك الخاصة بالرضع المولودين بعد 25-39 أسبوعًا من الحمل.

هل يعني هذا أننا حصلنا على أدمغة بشرية حقيقة مخبريًّا؟

لا تزال أشباه الأدمغة هذه بعيدة عن أن تكون أدمغة حقيقة؛ إذ لا تحوي على جميع أنواع الخلايا الموجودة في قشرة الدماغ، ثم إنها غير مرتبطة بجميع مناطق الدماغ.

لهذا يعمل الباحثون على تنمية أشباه الأدمغة مدة أطول، ومراقبة نضوجها وربطها بأشباه أعضاء أخرى تُماثل مناطق أخرى من الدماغ أو الجسم.

كيف كان ردُّ فعل المجتمع العلمي؟

تنوعت ردود فعل المجتمع العلمي كثيرًا كما يحصل عادة في حالات التجارب الكبيرة كهذه؛ فمن ناحية أولى عدَّ عددٌ من الباحثين النتائجَ -على الرغم من كونها أوليّة- مفيدة للغاية كونها تسمح بدراسة الاضطرابات المرتبطة بنمو الدماغ كالتوحد؛ وذلك بسبب تشابه مخططات أشباه الأدمغة مع أدمغة الخدَّج.

من ناحية ثانية؛ لا يعتقد باحثون آخرون أن هذه النتائج يُعتدُّ بها، فعلى الرغم من وجود تشابه بين مخططات أشباه الأدمغة والأدمغة الحقيقة؛ ولكن هذا لا يُشير إلى أدائهم الشيء ذاته حتمًا. ولا يزال إثبات مثل هذا الأمر صعبًا بسبب فهم الباحثين القاصر حتى الآن الآلية التي تعمل فيها أدمغة الخدَّج.

فضلًا عن كل ذلك؛ يطرح المشروع أسئلة أخلاقية، فهل يمكن أن تطور أشباه الأعضاء هذه وعيًا خاصًّا بها؟ وكيف يمكن لنا أن نعرف ذلك؟ مع عدم اتفاق الباحثين حتى الآن على آلية لقياس الوعي لدى البالغين أو تحديد متى تظهر لدى الرضع.

وأخيرًا؛ مع إشارة باحث الدراسة الرئيس إلى نيَّته إيقاف المشروع في حال اقتراب أشباه الأدمغة من الوصول إلى وعي ذاتي، ما رأيك عزيزنا القارئ؟ هل تعتقد أن العلم بات في مكان يحتاج فيه إلى ضوابط أكثر من أي وقت مضى؟ أم أن مسيرة العلم التطورية تفرض الاقتراب مما كان يُعدُّ يومًا خيالًا علميًّا محضًا؟

المصدر:

هنا