التعليم واللغات > اللغويات

كنز من المُصطلحات العربيّة

تعدُّ الّلغة العربية واحدةً من أهم الّلغات انتشارًا في أنحاء العالم، إذ يقدّر عدد الناطقين بها أكثر من 250 إلى 300 مليون نسمة*؛ وعلى الرغم من هذه الحقيقة؛ لا يوجد حتى الآن قاموسٌ عربيّ لغويّ تاريخي واحد (أي اشتقاقي تأصيلي يتتبع تحوّلات الكلمة عبر التاريخ)، ولكنّه قيد الإنشاء.

اتخذَ ستيفان غوث أستاذ الّلغة العربيّة في جامعة أوسلو المبادرة لمتابعةَ هذا المشروع البحثي؛ ويشرحُ قائلًا:

"قد كان هنالك كثيرٌ من الأبحاث المشابهة ولكن لم تُجمَعْ في أيّ عمل".

تمثلت الخطّة في إنشاء قاعدةِ بياناتٍ إلكترونيّة تُدعى (EtymArab)، إذ يرتكز هذا الموقع ضمنَ المرحلة الأولى إلى الكلمات والمفهومات المستمدّة من الّلغة العربيّة الفصيحة المعاصرة (MSA)؛ فقد اختيرت هذه الكلمات لإلقاء الضوءِ على الجذورِ والمفهومات التي لها أهميّة خاصة في التاريخِ الفكريّ والثقافي العربيّ؛ من العصورِ القديمةِ حتّى يومنا هذا.

يقولُ غوث: "إنّ تاريخَ لغتهم يُساعدنا على فهمِ من هم العربُ اليوم وكيف كانوا، ثم إنّه يشيرُ إلى أنَّ قاعدة البيانات سوف تقدّم سرودًا تساعدنا في تتبعِ التغيرات التي تطرأُ على الكلمةِ عبر الزمن، وعلى هذا النحو؛ يرغبُ (EtymArab) أن يكونَ أكثر من قاموس تأصيلي معياري".

الكلمات تفتحُ الأبواب للتاريخ:

إنّ كلمةً مثل (Alcohol) لن نستطيعَ فهمَها في قواميسٍ عربيّة كلاسيكية، ومع ذلك؛ فهذه الكلمة هي من أصلٍ عربيّ (الكحول)، وهي -بدورها- مستمدّة من كلمة عربيّة أُخرى وهي (الكُحل/kohl)، وعندما اكتشفَ الأوربيون هذه المادة -التي كانت تستخدمُ مسبقًا في الأندلس لأغراضٍ طبيّة- استخدموها تدريجيًّا في جميع المساحيق، ولاحقًا في جميع أنواع المواد الطيّارة التي تشبهها.

ولذلك فنحن اليوم لدينا كلمتان عربيتان: تلكَ التي بدأ بها كلّ هذا التطوّر؛ أي (الكُحل) التي لا تزال تعني الكحل المعروف (ما يوضع في العين وكان يُستخدمُ ليُشتفى به)، والكلمة الثانية المستعارة منها (الكُحول) التي تعني (الخمر/َََAlcohol)؛ ويشرحُ جوث قائلاً : "ذلك بمعنى جوهر النبيذ_الروح؛ وبذلك عادت الكلمة إلى العرب؛ أي (الكحل)؛ وفي الكاتولونية لا تزال تسمَّى Alcofoll، تبيّن فيما بعدُ أنّ الكحل هو سلعة كانت تستخدم على نطاق واسع في المشرق ومصر وبلاد ما بين النهرين".

يقول البروفيسور : "في كلّ مرة كنت أذهبُ فيها إلى جذر الكلمة؛ كنتُ أكتشفُ فروقًا دقيقةً وجديدة".

الأنموذج الأولي يتضمن ألف كلمة:

يعتمدُ هذا المشروع البحثي الذي أُطلِقَ في عام 2012 على العديدِ من الدراسات التي أُجريت في الغرب وفي الدول العربيّة، يقول غوث : "إنَّه عملٌ شاملٌ؛ وأمّا بالنسبة إليّ فأنا لا أتوقعُ رؤية قاعدة البيانات مُكتملة، فإنّ كلّ شيء يعتمدُ على ضمان الجودة؛ وبالطبع هذا هو التحدي الرئيس". نحنُ بحاجةٍ إلى تخصّصاتٍ أخرى لتفسيرِ النتائج التي تَوصّلنا إليها تفسيرًا صحيحًا؛ فعلى سبيل المثال: نحتاج الفلسفة والّلاهوت والطب، إضافةً إلى جميع الفلسفات السّامية الرئيسة في المشرق القديم؛ كالأكادية، والأرامية، والعبرية، والأثيوبية، والعربية الجنوبية القديمة، مع كلّ مراحل اللغة الفارسية، وسوف نرغبُ تدريجيًّا في فتح قاعدةِ بياناتٍ إلى العالم بأسره وفقًا لنموذج ويكيبيديا.

لماذا هو مشروعٌ أوروبيّ وليس مشروعًا عربيًّا؟

يشرح جوث الذي عاش سابقًا في الدول الناطقة باللغة العربيّة كالقاهرة وبيروت قائلًا: إنَّ العلم المتخصّص بأصلِ الكلمة هو قضية حسّاسة؛ حقيقةً فإنّ العرب أنفسَهم لم ينتجوا قاموسًا اشتقاقيًّا تأصيليًّا حتى الآن، وربّما يرجع ذلك إلى مكانة اللغة العربيّة المقدّسة، وبذلك فإنّ النهج التاريخيّ -كنهجنا- هو أكثر شيوعاً في التقاليد الأوروبيّة منها في العربيّة.

يتردّدُ العرب بشأنِ التعاون مع الغرب فيما يتعلقُ بالمشاريع التي تمسُّ الهويّة العربيّة والإسلاميّة؛ فمن الممكن أن يكون علم (أصل الكلمة) حسّاسًا للغاية، لذلك كان هذا التعاون أكثرَ راحةً حتى منتصف القرن العشرين وقد تعقدت الأمور في وقتٍ لاحقٍ بعد إنشاء دولة إسرائيل ومأساة اللاجئين الفلسطينين وغيرِها من التجاربِ المؤلمة؛ كغزو لبنان عام 1982 وحرب الخليج.

ويضيفُ: تغيّرتِ المواقف في السنوات الأخيرة تجاه الغرب، وفضلًا عن ذلك؛ لدينا الآن تواصل مع مجموعة من الباحثين في دولة قطر حول مشروع واعِد وهو قاموسٌ يتناولُ تاريخَ الّلغة العربيّة. (أُنجزَ القسم الأول من المشروع هنا)

القرآن يتضمّن الكلماتِ المُستعارَة أيضًا:

يُشير جوث "إلى أنّ العديدَ من العرب يَدّعون أنّ اللغة العربيّة هي في الأساس لغةٌ نقيّة". ونتيجةً للحركة القوميّة المعاديّة للاستعمار؛ فقد ظهرت عدةُ أكاديميّات لُغويّة نقيّة؛ تسعى جاهدةً إلى الحفاظ على اللغة نقيّة، ولكن على أيّة حال؛ وبحسب بحثٍ اشتقاقي كانت اللغة العربية -وما تزال- تتضمّن خليطًا لغويًّا من لغاتٍ مختلفة.

ويقول جوث: "إنّ اللغة العربية هي لغة مُحافظة، وتميلُ الكلمات المستعارة إلى التعريب" ويستخدم كلمة (قطار) مثالًا؛ لأنّ العرب اعتادوا على القطارات وسيلةَ نقلٍ في القرن التاسع عشر، فبدلاً من تبني كلمة (Train) من اللغتين الإنكليزية والفرنسيّة كما فعل الأتراك؛ اختار العرب كلمةً عربية قديمة (قَطْر)، التي كانت تُستخدَم لوصفِ قافلة الجِمال. وتأثرت اللغة العربيّة حتى ذلك الحِين وفي خلال العديد من الأزمنة التاريخيّة المختلفة بالعديدِ من اللغات الأُخرى.

وعلى الرغم من أنّ معظم الكلمات العربيّة تبدو عربيّة بحتة، ولكن؛ العديد منها مُستعارةٌ، ممّا يُشير إلى الاتصال الوثيق بين الثقافات، فحتى القرآن يتضمّنٌ كلماتٍ مستعارة مُعظمها ينحدرُ من اللغتَين الآراميّة السورية أو العبريّة، وهذا بسبب وجودِ جماعات مسيحيّة ويهوديّة في الجزيرة العربيّة آنذاك"

ويشيرُ جوث إلى أنّ علم اللاهوت الإسلاميّ وغيره من العلوم سيبدو مختلفًا إلى حدّ كبيرٍ أو ربما لن يكون موجودًا على الإطلاق لو لم يمتص العرب كثيرًا من التراث الإغريقي.

إنّ تاريخَ العرب وثقافتهم مُخبّأَين في كلماتهم وهذا هو السّبب في أهميّة المشروع البحثيّ؛ إذ إنّه من الضروريّ إنشاء قاموس اشتقاقيّ تأصيلي قد يُقدم إجاباتٍ عن أسئلةٍ من قبيل: من هم العرَب اليوم؟ وكيفَ كانُوا قبلَ ميلادِ الإسلام؟

*عدد الناطقين بالعربية يختلف اليوم عن زمن كتابة المقال.

المصدر:

هنا