الموسيقا > سلسلة الرقص

رقصات الصالون "ballroom dancing" الجزء الأول

رقص الصالونات انطلاقاً من عصر النهضة وصولاً إلى الرقص الاجتماعي الحديث:

الرقص هو واحد من أقدم الأنشطة البشرية التي تمكنت من الاستمرار عن طريق تطورنا بوصفنا نوعاً بشرياً، منذُ مرحلة الانتشار عبر القارات وصولاً لنهضة الثقافات والحضارات الحديثة ،إذ تعود أقدم الأدلة الأثرية للرقص إلى قُرابة 9 آلاف سنة، ومنذُ ذلك الحين ازداد وجودها في السجلات التاريخية واكتسب أهمية أكبر؛ لأنها أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية وعاداتنا واحتفالاتنا الدينية المختلفة. عندما أصبحت الموسيقا والرقص أكثر تعقيداً وتطوراً، بدأ فصلها في شكلين مختلفين: الأول كان يُمارس علانيةً من قبل العامة، والثاني كان مخصَّصاً للطبقة الأرستقراطية والملوك؛ إذ كان يُمارس في البيئات المغلقة عن طريق المناسبات الخاصة. أصبح هذا الفصل من الرقص ملحوظاً على نحوٍ خاص في أوروبا بعد نهاية القرون الوسطى، عندما بدأت تأثيرات عصر النهضة التي وُلِدت في إيطاليا وفرنسا بإحداث التغييرات الجذرية في نمط الحياة الأوروبية في القرن السادس عشر.

نشوء مصطلح ال: ballroom

يشتق مصطلح رقص الصالونات من كلمة " ball" التي نشأت بدورها من الكلمة اللاتينية ballare التي تعني "الرقص"،  أمَّا مصطلح " ballroom " فلقد عبَّر عن تلك الغرفة الكبيرة المصمَّمة خاصةً لهذه الرقصات، ويعتمد تعريف رقص القاعات أيضاً على العصر: فقد ظهرت رقصات الصالونات على شكل رقصات شعبية مثل Minuet و Quadrille و Polonaise و Polka و Mazurka وغيرها، والتي تُعَدُّ الآن رقصات تاريخية. بعد فترة، اختفت الحدود بين الطبقات ممَّا أدى إلى تحويل قاعات الرقص في جميع أنحاء أوروبا إلى أماكن عمومية يمكن فيها تأدية الرقصات الشعبية والرقصات الملكية المعقَّدة في آنٍ معاً.

يُذكرُ أنَّه سُجِّلَ افتتاح أولى قاعات الرقص الأوروبية في نهاية القرن السادس عشر من قبل جيهان تابوروت " Jehan Tabourot" الذي نشر دراسته للرقص الاجتماعي في أثناء النهضة الفرنسية بعنوان "Orchésographie" في عام 1588. وقد وصف العديد من الرقصات الشعبية في ذلك الوقت، مع تعليمات عن رقصات " pavane"، و" livelier branle"، و"galliarde " التي شاع استخدامها على نحوٍ كبير في أعمال شكسبير على المسرح الدرامي، وصولاً إلى رقصة ال" Minuet" في 1650 حين كانت فرنسا نقطة مهمة جداً في التاريخ المبكر لرقصات الصالونظن إذ تمَّ تبني هذا النمط من الرقص على الملأ من قبل الملك لويس الرابع عشر نفسه، إذ أُدِّيَ هذا النمط من الرقصات في جميع أنحاء فرنسا، ليستمر استخدامه في قاعات الرقص الأوروبية حتى نهاية القرن الثامن عشر.

بعد عدة عقود من ظهور رقصة ال " Minuet" شكَّل الملك لويس الرابع عشر أولَ أكاديمية للرقص والموسيقا في فرنسا

(Académie Royale de Musique et de Danse) وكانت موطِنَ أول دراسة رقص منظمة في أوروبا، وفي وقت لاحق وصلت  جميع تلك الرقصات الاحترافية التي أُدِّيَ معظمها في تلك المدرسة إلى البلاط الملكي للملك الفرنسي؛ لتصلَ في النهاية إلى قاعات الرقص العامة وتشكل أساس أحد أشهر أنماط رقصات الصالون التي يعرفها جميعنا اليوم مثل الباليه " ballet".

الرقص الذي ترك أهم علامة في العصر الذهبي لأوروبا لم يكن شيئاً يُذكر لولا وجود رقصة الفالس " waltz"، إذ ابتُكِرَت هذه الرقصة في أوائل القرن التاسع عشر لتتمكنَ من الانتشار في جميع أنحاء إنجلترا والمملكة المتحدة كانتشار النار في الهشيم، مدعومةً بكتاب دعوة إلى الرقص “Invitation to the Dance” للكاتب كارل ماريا فون فيبر "Carl Maria von Weber " في عام 1819. شكَّلَ ظهورها ثورة في عالم الرقص الملكي، إذ رفضها الجمهور العام والارستقراطيون لاحقاً بحجَّة أنَّ طريقة إمساك الشريك في أثناء تأدية هذه الرقصة لم تكن ملائمة لنمط الحياة الأوربي، ليتمَّ تبنيها لاحقاً وتصبح واحدة من أكثر الرقصات شعبية على مرِّ العصور، ويُذكر أنَّ شعبية رقصة الفالس أنتجت العديد من أنواع الرقصات الأخرى مثل البولكا " Polka"، والمازوركا " Mazurka"، والشوتيش " Schottische" التي ظهرت جميعها مع نهاية عام 1840.

وصولاً إلى تلك الحقبة من القرن العشرين بينَ عامَي 1910-1930 التي شكَّلت ذروة انتشار الرقص الحديث، إذ إنَّ قاعات الرقص حول العالم لم تكد تنفكُّ تبتكر مجموعات جديدة من الرقصات التي امتازت بالسرعة والحيوية في آنٍ معاً، ثمَّ شكَّلت نقلةً نوعيةً، إذ بدأ الراقصون استخدام نظام حركات الرقص الفردي في أثناء تأديتهم لهذه الرقصات.

ساهمت المرحلة الأخيرة في تاريخ رقص الصالونات في شهرة العديد من الشخصيات الإعلامية الشعبية حول العالم، والذين ابتكروا رقصات جديدة قُلِّدَت من قبل الملايين فيما بعد، وبدأت هذه الحقبة بمآثر فيرنون " Vernon"، وقلعة إيرين " Irene Castle"، وجوزفين برادلي " Josephine Bradley"، وفيكتور سيلفستر " Victor Silvester" في عشرينيات القرن العشرين، لتستمرَّ مع  ظهور فيلم هوليوود الشهير فريد أستير" Fred Astaire"، وجينجر روجرز " Ginger Rogers".

أنماط رقص الصالونات:

1- التشا تشا " Cha-Cha":

التشا تشا: إحدى الرقصات الاحتفالية المُفعمة بالحيوية والمليئة بالعاطفة والطاقة، التابعة إلى الحركات الكوبية  الكلاسيكية

والتي تمنح هذه الرقصة طابعَها اللاتيني منذُ أربعينيات القرن العشرين، وتتميز بحركات المحاذاة المثالية والمزامنة الشديدة بين الزوج الراقص، ويجب على الراقصين أن يتقنوا أساليب الحركة الكوبية التي تعبر عن طريقة مميزة يتحرك فيها الوركان إلى الأعلى والأسفل؛ إذ تأتي تلك الحركات من خلال ثَنيِ الوركَين بالتناوب مع المحافظة على الركبتَين على نحوٍ مستقيم، إذ تتشكل ثنائية متماثلة من الحركات. فمثلاً عندما تنحني الركبة أو تستقيم، ينزل الورك نفسه أو يرتفع  بالتزامن مع الشريك الراقص الذي يتحتَّم عليه اتِّباع أسلوب الرقص المتوازي، وتتضمن رقصة التشا تشا أربع خطوات أساسية يُحَافَظُ فيها على خطوات سريعة وصغيرة أثناء الرقص

ونظراً لطبيعة رقصة التشا تشا المفعمة بالحركة فإن الموسيقا المرافقة لها يجب أن تخلق جواً احتفالياً كما هو الحال في العديد من ألحان الموسيقا الكوبية الكلاسيكية التي تتميز بسرعة 120-130 نبضة في الدقيقة، ولكن بالطبع يمكن تأدية هذه الرقصة

على جميع أنواع الموسيقا بما فيها الفولك والهيب هوب.

أبرز مقاطع  الموسيقا الكلاسيكية المستخدمة لتأدية هذه الرقصة    

“Guantan Amera” by Celia Cruz

“Oye Como Va” by Santana

“Pata Pata” by Thalía

نظام الخطوات: 1 23 4 & 1 23 4 & 1

السرعة: 30 خطوة / دقيقة

2- خطوة الثعلب "Foxtrot ":

 رقصة أساسية من رقصات الصالون التي تضم الكثير من المرح والطاقة  “ Foxtrot خطوة الثعلب “

، وتُعَدُّ إحدى أسهل الرقصات وأبسطها للتعلم؛ ممَّا يجعلها رقصة ممتازة للمبتدئين.

في حين يرقص الراقصون الموهوبون وفقَ خطوات طويلة ناعمة  أثناء التعداد البطيء، وخطوات قصيرة أثناء التعداد الأسرع، ومن أجل الحفاظ على السرعة  في هذه الرقصة؛ يجب على الراقصين تقصير خطواتهم مع زيادة وتيرة الموسيقا، فتخلق حينها بعض الخطوات أنماطاً متعرِّجة جذابة في حلبة الرقص.

هي النسج وخطوة الريشة“ Foxtrot هناك بضع خطوات مميزة ل  “

النسج: يتكون من ست خطوات سريعة متتالية، كل منها يُؤدَّى على أصابع القدم، إذ تُنَفَّذ مجموعة من الخطوات السريعة على أصابع القدم، مع اتخاذ خطوات بطيئة على الكعب.

خطوة الريشة: يخطو الرجل مبتعداً عن  المرأة كما هو الحال في الصورة أعلاه ويذكر أنه قد اكتسبت هذه الخطوة اسمها بسبب عمل الخطوة؛ فهي تشبه حركة "ريشة المجذاف" المستخدم أثناء رياضة التجذيف.

وفي هذه الرقصة، تُحفَّز الدقات الأولى والثالثة بقوة أكبر من الدقات الثانية والرابعة مع إيقاع قُرابة 120 إلى 136 نبضة في الدقيقة الواحدة ومن أشهر الموسيقا المستخدمة لتأدية هذه الرقصة هي

“Mack the Knife”

by Michael Buble

التعداد : SSQQ

السرعة:  32-34 خطوة / دقيقة  

3- رقص الجاز " JIVE":

هو أسلوب رقص نشأ في الولايات المتحدة لدى الأمريكيين من أصل أفريقي، وشمل نمطاً حيوياً من الرقص المتأرجح.

بالإضافة لأنماطٍ أخرى من الحركات البهلوانية الراقصة، ويُؤدَّى وفقاً لمجموعة مؤلفة من 6 خطوات أساسية هي على الترتيب:

يواجه الرجل والمرأة أحدهما الآخر في وضع إغلاق اليدَين ويقود الرجل -خطوة أمامية عند (العد 1 و 2): خطوة واحدة القدم وراء الأخرى مع رفع القدم الأمامية لأعلى -  يتراجع الرجل مع قدمه اليسرى بينما تسير المرأة إلى الخلف بقدمها اليمنى. في تنحِية إلى اليسار عند (العد 3 و 4) يذهب الرجل إلى اليسار والمرأة إلى اليمين، وفي تنحِية إلى اليمين عند (العد 5 و 6) يذهب الرجل إلى اليمين والمرأة إلى اليسار.

يمكن رقص "جيف" لمجموعة متنوعة من الموسيقا المتفائلة بما في ذلك (Boogie-woogie) و (Swing) و (Rock and Roll)، وتُعَدُّ مرحلة التعرف إلى الإيقاع أهم مرحلة للمبتدئين، وتبدأ الاستماع إلى الإيقاع  بدلاً من اللحن والذي يوفر أساس النغمات في هذه المرحلة.

أفضل موسيقا لتأدية الرقصة: The Girl's Gone Wild by Travis Tritt

Caviar & Chitlins, by the Atomic Fireballs

السرعة : 44 خطوة /دقيقة

4- ليندي هوب " Lindy Hop":

ليندي هوب هو ذلك النمط من رقص الصالونات الذي يُعَدُّ أبا لكلِ الرقصات المتأرجحة، ومن المعروف عن أسلوبها الرياضي وغالبا ما تحتوي على القفزات الهوائية ومجموعة لا بأسَ بها من الشقلبات والحركات الجوية، كما سُمِّيَت باسم رحلة تشارلز ليندبيرغ ( ليندي المحظوظة Lucky Lindy ) عبرَ المحيط الأطلسي، ونالت شعبية واسعة في ثلاثينيات القرن العشرين.

(The Lindy Hop) هي رقصة سريعة ومبهجة مع نمط متدفق يعكس موسيقاها، ويُذكَر أنَّ هوب تطورت مع نمط الرقص المتَّبع في تلك الحقبة؛ ممَّا أدَّى إلى تقدم في كل من الرقص والتعبير الموسيقي الذي تطور في النهاية إلى موسيقا الروك أند رول. سواء كان يُشار إليه باسم ليندي هوب "Lindy Hop " أو جيتربوج "Jitterbug " فقد كانت الموسيقا المُلهمة هي عاملَ خلق حركات التأرجح المهولة في هذه الرقصة، مع إيقاع 120 إلى 180 نبضة في الدقيقة. توجد إيقاعات متأرجحة في جميع أجزاء موسيقا الروك والجاز والبلوز ومقاطعها؛ ممَّا يجعل كل هذه الأنماط الموسيقية مقبولة تماماً للرقص على موسيقا ال " Lindy Hop".

ونستكمل معكم في الجزء القادم كوكبة أخرى من أنماط رقص الصالونات. ابقوا معنا…

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا

6- هنا

7- هنا

8- هنا