الفيزياء والفلك > فيزياء

التألق الصوتي

مع أن الضوء والصوت هما انتشار لنوعين من الاهتزازات فهما يختلفان عن بعضهما فالضوء هو عبارة عن أمواج كهرطيسية تشبه في انتشارها انتشار امواج على حبل مرن ويمكنها أن تنتشر حتى في الخلاء، أما الصوت فيشبه في انتشاره انضغاط وتباعد حلقات نابض مشدود مرن جداً وتحتاج إلى وسط مادي كي تنتشر فيه. ولكن ألا يعبر كلاهما بشكل أو بآخر عن طاقة ما؟ ففي حين يحمل الصوت طاقة ميكانيكية فإن الضوء يحمل طاقة كهرطيسية ولكن كيف لأحدهما أن يتحول إلى الآخر؟ وتحت أية ظروف؟

في ثلاثينيات القرن الماضي تبين لبعض العلماء أنه بالإمكان تحريض بعض التفاعلات الكيميائية في المحاليل عن طريق تركيز الصوت وتوجيهه عبر ذلك المحلول، وفي ذلك الوقت تم توضيح أن الطاقة اللازمة لإحداث التفاعلات الكيميائية تساوي مقدار الطاقة اللازمة لإصدار ضوء من الذرة، مما استدعى طرح السؤال التالي: هل من الممكن أن يُحرِّض الصوت إشعاعاً كهرطيسيّاً (ضوئيّاً) تحت ظروف معينة؟ اكتشف كل من Schultes و Frenzel و من جامعة كولونيا في ألمانيا لأول مرة، الإشعاع الصوتضوئي عن طريق المصادفة ، اثناء عملهما على إحدى منظومات السونار (انتشار الأمواج الصوتية في السوائل).

وفي محاولة لتفسير هذه الظاهرة، أعاد سيث باترمان من جامعة كاليفورنيا مع طالب الدراسات العليا آنذاك برادلي باربر إجراء التجربة مستخدمين حساسات ضوئية عالية الدقة، حيث تمكنا من توليد إشعاع كهرطيسي في حوض ماء مثار بالأمواج الصوتية. قاما أولاً بتشكيل فقاعة هوائية داخل قارورة مخبرية تحتوى على ماء نزعت منه الغازات المنحلة فيه. وللتغلب على دافعة أرخميديس التي ستدفع الفقاعة الهوائية نحو الأعلى قاما بتسليط أمواج صوتية من الأعلى نحو الفقاعة بحيث توازن قوة دافعة أرخميدس المتشكلة، ومن ثم قاما بتركيز الصوت الصادر عن ميكروفونات ذات مواصفات محددة في الفقاعة الهوائية من كل الجهات، ولاحظا صدور نبضة ضوئية في مركز الفقاعة، تدوم نحو خمسين پيكوثانية ( البيكو هو جزء من مليون مليون جزء). وبقياس الزمن الفاصل بين وميضين وجد أنه منتظم بشكل كبير فهو يساوي 35 ميكروثانية (الميكرو جزء من مليون) ، ولا يتغير بأكثر من 1 بالمليون من قيمته. ولكن تردد الومضات العالي يعطي العين البشرية شعوراً باستمرارية الإضاءة.

كما قاس باترمان تغيرات قطر الفقاعة أثناء التجربة، وتبين له أن نصف قطر الفقاعة يبلغ عدة ميكرونات قبل أن تبدأ الأمواج الصوتية بتمديدها، يعمل انخفاض الضغط على تضخيم حجمها إلى نحو خمسين ميكروناً. وهكذا يستمر التمدد إلى أن ينقلب تأثير الأمواج الصوتية من خلخلة الفقاعة إلى ضغطها (فالصوت ينتشر عبر المادة بشكل متتالي من مناطق الانضغاط والتخلخل أو انخفاض الضغط كما شرحنا في بداية المقال) . وفسر باترمان ما حصل بأنه عند تمدد نصف قطر الفقاعة من بضع ميكرونات إلى 50 ميكروناً، فإن ما يشبه الخلاء المطبق سيتولد داخل تلك الفقاعة، إذ لا يتواجد فيها سوى بضع جزيئات غازية، ومن ثم وتحت تأثير فرق الضغط بين خارج الفقاعة وداخلها، تبدأ الفقاعة بالانضغاط وبشكل سريع و مفاجئ، حيث ينقص نصف قطرها من خمسين ميكروناً إلى أقل من نصف ميكرون، حين تتوازن قوى الضغط مع قوى التنافر بين ذرات الغاز وجزيئاته، وتبدو الفقاعة وكأنها اصطدمت بحاجز ما داخلها ، وعند تلك اللحظة يصدر الإشعاع الصوتضوئي، وعند انقضائه تتمدد الفقاعة الهوائية ويتكرر ما حذث مجدداً. هذا وقد تم توصيف تمدد الفقاعة الغازية وانكماشها بصورة تقريبية بمعادلة رايلي- بليسّيت.

منذ اكتشاف الظاهرة جرت عدة محاولات لتفسيرها وظهرت بعض التفسيرات التي تعزو الإشعاع إلى الحرارة، وأخرى إلى اصدار الاشعاع بنتيجة تحطم الروابط الكيميائية في جزيئات المواد فيما يعرف بظاهرة Triboluminescence. كما وجدت تفسيرات أخرى معتمدة على الكهرطيسية الكلاسيكية وأخرى إلى الظواهر الكمومية.

في عام 2002 نشر ثلاث باحثين هم M. Brennerو S. Hilgenfeldt و D. Lohse ورقة بحثية من 60 صفحة في مجلة Reviews of Modern Physics تضمنت شرحا لآلية اصدار الضوء. يحوي الهواء بشكل طبيعي على نسبة ضئيلة من الغازات الخاملة، تلك النسبة رغم صغرها كافية لإحداث الإشعاع الضوئي، تؤدي التفاعلات الكيميائية إلى إزالة الأوكسجين والنتروجين من الفقاعة بعد حوالي 100 تمدد وانكماش للفقاعة فلا يتبقى داخلها سوى الغازات الخاملة التي تنضغط بانضغاط الفقاعة ويعتمد على الاصدار الضوئي الناجم عن انضغاط الغازات الخاملة في أجهزة الفلاش المعتمدة على غاز الأرغون مثلاً.

يحدث الإشعاع الضوئي داخل الفقاعة أثناء انهيار الفقاعة، يولد الماء المحيط بها من كل ناحية ضغطاً وحرارة شديدين، إذ تصل درجة الحرارة في الفقاعة لحظة انضغاطها كلياً حتى 10000 كلفن أو أكثر، تسبب هذه الحرارة تأيّين نسبة قليلة من ذرات الغاز الخامل الموجود في الفقاعة، بحيث تبقى الفقاعة شفافة متيحة المجال لحدوث إشعاع ضوئي عبر الفقاعة كاملة وليس فقط من سطحها. تتفاعل الإلكترونات المتحررة بشكل رئيسي مع الذرات المعتدلة الغير مؤيّنة مما يسبب تألقها فيما يعرف بظاهرة "إشعاع الفرملة" وهو الاشعاع الكهرطيسي الصادر من جسيم مشحون كالالكترون عن تغير سرعته نتيجة لتأثره مثلا بجسيم مشحون أخر كالالكترونات او نواة الذرات المحيطة. عندما تنتقل الموجة الصوتية لحالة الضغط المنخفض تعود الالكترونات الحرة لتتحد مع الذرات ويتوقف اصدار الضوء نتيجة لنقص الالكترونات الحرة وتعطي هذه العملية نبضة ضوئية مدتها في حالة غاز الارغون 160 بيكوثانية. تتطابق النتائج التجريبية إلى حد جيد مع الحسابات النظرية، بحيث يمكن أن تعزى الفروقات إلى بعض التبسيطات والتقريبات الحسابية. مما يجعل هذا التفسير الأكثر ترجيحا للظاهرة ويجعل الاصدار الضوئي بسبب انضغاط الغازات الخاملة السبب الأكثر تأثيراً ضمن عدة عوامل اخرى قد تكون مساهمة في الاصدار الضوئي.

يظهر كتوضيح في هذه التجربة حركة طلقة مقذوفة عبر سائل زيتي شفاف. عندما تنكمش الفجوات الغازية الناتجة بتأثير ضغط السائل المحيط تتولد ومضات من الضوء بفعل التألق الصوتي.

المصادر:

- Sonoluminescence [F. Ronald Young]

- Sonoluminescence : sound into light by Seth J.Putterman، Scientific American، February 1995

- هنا

حقوق الفيديو: Nathan Boor of Aimed Research