الرياضيات > رياضيات في دقيقة

الرياضيَّات وأمن الاتصالات

بدأت عمليات الاتصال المشفرة عند ظهور الحاجة إلى إجراء الاتصالات السرية بين طرفَين، على سبيل المثال قام يوليوس قيصر باستخدام شيفراتٍ بسيطة وبدائية. وعلى الرَّغم من أنَّ «قيصر» لم يكن عالمَ رياضياتٍ؛ فإنَّ شيفراته كان لها أساس رياضيّ؛ إذ استخدم فيها الإضافة إلى مودولو 26، التي تعمل مثل إضافة الأعداد إلى 12 في نظام الساعة، لكنْ بدلًا من الرجوع إلى 0 بعد بلوغ 12، سترجع إلى 0 بعد بلوغ  26، ومنذ ذلك الحين أدَّت الرياضيات دورًا مهمًّا في بناء معظم الشيفرات. ومن الأمثلة الشهيرة أيضًا كانت آلة إنجما للتشفير التي طوّرها الألمان في أثناء الحرب العالمية الثانية، ونظرًا إلى تعقيدها؛ كان يُظنَّ أنها غير قابلة للكسر أو الاختراق، لكنَّ فريقًا من علماء الرياضيات في Bletchley Park تمكنوا من استغلال أنماط رياضيّة في آلة إنجما لكسر الشيفرة؛ مما أسهم في تغيير العالم الحديث بطرائق شتى من الناحيتين السياسية والعلمية، إذ ساعدت طريقة فك الشيفرات على تصميم أول حاسوب بواسطة تومي فلاور. وإنّ الشيفرات الحديثة؛ مثل شيفرة RSA؛ تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الرياضيات أيضًا، وخاصة الرياضيات البحتة للأعداد الأولية؛ فعلى سبيل المثال، من السهل ضرب عددين أوليين كبيرين بعضهما ببعض، ولكنْ من الصعب جدًّا إيجاد العددين الأوليين الأصليين اللذَين يعطيان الإجابة. ويُستخدَم هذا التباين في الشيفرات الرئيسية العامة الحديثة، والتي تُستخدَمُ ملايين المرات كل يوم للحفاظ على الاتصالات الآمنة.

دخلت الرياضيات في الفضاء أيضًا، إذ تطورت رموز تصحيح الأخطاء ضمن مراسلات الأقمار الصناعية بغرض إعادة إرسال المعلومات بواسطة القنوات بوجود الضجيج وعبر المسافات الشاسعة في الفضاء؛ فكان من الضروري إيجاد وسيلة صلدة للتأكد من وصول المعلومات دون أيّ خطأ. وقد تمكّن عالما الرياضيات كلود شانون وريتشارد هامينغ -العاملان في مختبرات بيل- من إيجاد الحلول، إذ أسهم «شانون» في تطوير نظرية الاتصالات التي تساعد على التنبؤ بكم المعلومات التي يمكن إرسالها عبر قناة ما بوجود الضجيج، وأسهم «هامينغ»  في العمل على كيفية إرسال هذه المعلومات بحيث إذا حدث خطأ ما يتنبأ جهاز الحاسب المُستقبِل للخطأ ويصححه، فقد أنشأ عائلة من رموز تصحيح الخطأ تُدعَى الآن رموز هامينغ. ويعتمد هذا العمل على الترميز الرقمي لأجزاء الرسالة؛ فتكون مختلفة جدًّا إلى درجة أنه إذا حدث ترابط لأحد أجزاء الرسالة مع الضجيج فيمكن تحديد الجزء المُعرَّض للضجيج بمعزل عن باقي أجزاء الرسالة، ومن ثم بإمكان الحاسب المستقبل استعادة الرمز الأصلي وتصحيح الرسالة. ولم تحلَّ المسألة الخاصة بتوصيل رسالة عبر مسافات طويلة فحسب، بل فتحت فرعًا جديدًا كليًّا في الرياضيات أيضًا، وهو نظرية الترميز، وتُستخدم رموز تصحيح الخطأ الآن في كل مكان، ولن نكون قادرين دونها على إرسال الصور أو المستندات عبر الإنترنت، أو الصوت عبر مسافات طويلة بالهاتف المحمول، أو حتى الاستماع للموسيقا على القرص المضغوط.

المصدر:

هنا